الإعلام وسط الزلزال: لا وقت لمراعاة الخصوصية؟

09 مارس 2023
أودى الزلزال بحياة الآلاف (أوزان كوسي/ فرانس برس)
+ الخط -

لا يزال الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية، فجر السادس من فبراير/شباط الماضي، يهيمن على التغطيات الإعلامية في دول عدة. وأفردت قنوات فضائية عربية وصحف ومواقع إخبارية مساحات واسعة للحديث عن الزلزال والهزات الارتدادية التي تبعته، ما فتح باب تساؤلات متلقّين عن أنجع الطرق التي يجب أن يتعاطى بها الإعلام مع الأحداث خلال الكوارث الطبيعية والحروب، خاصة لجهة احترام حقوق الضحايا من قتلى ومصابين ومنكوبين، وعدم اختراق خصوصيات هؤلاء لتحويلهم إلى مادة إعلامية لا هدف لها إلا جذب المشاهدات. وفي المقابل، تبرز وظيفة الإعلام الرئيسية خلال هذه الأحداث، لجهة تسليط الضوء على المآسي، وتشكيل نوع من الضغط على المجتمع الدولي للتدخل، لتخفيف تبعاتها على المدنيين، خاصة الأطفال والنساء والمرضى والمسنين الذين يدفعون الضريبة الكبرى.
وتجاوزت وسائل الإعلام المختلفة، بعد الزلزال الذي ضرب الجنوب التركي والشمال السوري، كثيرا من حدود خصوصية الضحايا، خاصة المصابين الذين لم يكونوا في وضع يسمح لهم بالاعتراض على التعدي على حقوقهم، أو كانوا ذاهلين تماما عما يجري حولهم، وتحديداً أولئك الذين فقدوا أحد أفراد عائلاتهم. طبعاً، لم يغب عن منصات إعلامية أخرة ضرورة إبراز أبعاد الكارثة، من خلال إظهار هول ما جرى، خاصة أن مدناً وبلدات قتل قسم كبير من سكانها.
وفي الجنوب التركي والشمال السوري نشط العشرات من الصحافيين والمراسلين والناشطين الإعلاميين، محاولين الإحاطة بكل جوانب الكارثة التي حصدت أرواح أكثر من 50 ألف شخص. ورأى الصحافي عبد العزيز العذاب، وهو رئيس نادي الصحافيين السوريين في تركيا (تجمّع يضم المئات من الصحافيين والعاملين في الإعلام السوري المعارض في تركيا)، أنه "عندما نواجه كارثة كالزلزال الذي ضرب الشمال السوري يتقدم الهمّ العام، وتتراجع مسألة الخصوصية، ولكن ليس إلى الحد الأقصى". وأضاف العذاب متحدثاً لـ"العربي الجديد": "لدينا كارثة كبرى في الشمال السوري يجب أن يعمل الإعلام على إظهار كل أبعادها، لتصل الصورة كاملة إلى الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي، لدفع المنظمات الإنسانية نحو تقديم المساعدات للمنكوبين". ولفت العذاب إلى أن "من قام بالتغطية في الشمال صحافيون ومراسلون وناشطون هم من أبناء المنطقة". وقال: "لا يستطيع الصحافي في هذه الحالة فصل مشاعره عن الحدث الذي طاول أقرباء له. الصحافي في النهاية إنسان، وربما هو تضرر أو عائلته. أي محطة إعلامية تنقل الحدث وفق عين مراسلها في المكان. وربما هذا المراسل كان هو أو عائلته من المتضررين، ما ينعكس على خطابه ورصده للحدث". وأشار إلى أنه عند حدوث الكوارث "يضطر الإعلامي إلى أن ينحّي جانباً بعض القواعد المهنية الثابتة"، معتبرا أن "العمل الصحافي إنساني، والمراسل لا يمكن أن يتحول إلى مجرد آلة تنقل ما يجري".

إعلام وحريات
التحديثات الحية

لكن رئيس مجلس إدارة ميثاق شرف الإعلاميين السوريين (شبكة سورية تضم حالياً 22 مؤسسة إعلامية سورية مستقلة)، أحمد العبسي، أبدى أسفه، لأن "معظم وسائل الإعلام لم تراع أخلاقيات المهنة فيما يخص المتضررين، لجهة عدم تصويرهم إلا بعد استئذانهم". وأضاف العبسي، في حديثه لـ"العربي الجديد": "العديد من وسائل الإعلام قامت بإجراء مقابلات مع الخارجين تواً من تحت الأنقاض، وهذا يعمق الأثر النفسي لديهم (...) يجب منحهم فرصة لالتقاط أنفاسهم، لتحديد إذا ما كانوا يريدون إجراء المقابلة أم لا". وأفاد بأن بعض وسائل الإعلام "صوّرت ذوي الضحايا وهم في حالة فزع وهلع وخوف، وأجرت مقابلات مع من فقدوا أطفالهم في لحظات صعبة". وأضاف: "ما قامت به هذه الوسائل كان تأثيره كبيرا على الرأي العام الذي تعاطف مع الضحايا والمنكوبين، ولكنه في نفس الوقت يشكل اعتداء على خصوصيات الأشخاص وعدم مراعاة لحساسيتهم في مواقف كهذه". ولفت إلى أن "معظم وسائل الإعلام وقعت في أخطاء نشر بعض الشائعات، حتى لو أشارت إلى أنها شائعة أو كلام غير دقيق علميا، كما حدث مع تنبؤات البعض حول الزلازل وإمكانية حدوثها في المنطقة مرة أخرى". وعلّق قائلا: "أثارت هذه الشائعات الهلع والرعب بين الناس، في وقت كان المفروض فيه أن تستضيف وسائل الإعلام الخبراء والعلماء الحقيقيين، من أجل نشر الطمأنينة والسكون للمتضررين والناس عموما".
أودى الزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجات بأكثر من 45 ألف شخص في تركيا وآلاف آخرين في سورية المجاورة، ودمر مئات الآلاف من المباني.

المساهمون