استمع إلى الملخص
- تنتقد بالو استخدام العنف والإذلال في الفن، مشددةً على أن الإبداع الحقيقي يجب أن يخلو من الأذى الجسدي والنفسي، وتدعو إلى إعادة التفكير في توجيه الممثلين.
- يُبرز النص ممارسات إخراجية قاسية مماثلة في صناعة السينما، مثل تعمد عباس كياروستامي إثارة بكاء طفل لتصوير مشهد، ما يثير تساؤلات حول الأخلاقيات في الفن وصناعة السينما.
تريد جيسيكا بالو إتاحة حيّز لماريا شنايدر (1952 ـ 2011)، لتقول ما لم يُسمَع منها سابقاً. "ماريا" (2024) منبثقٌ من رغبةٍ في تفعيل حسّ بشريّ إزاء اعتداءات ذكورية، وبعض تلك الاعتداءات مغلَّفٌ بوهم رغبةٍ في أنْ يكون الفنّ واقعيّاً، فلا بأس حينها بأيّ أذيّة، إنْ ينتبه المخرج إلى أنّ فِعلَه اغتصابٌ لا تمثيل.
المشهد الأشهر (اغتصاب مع زبدة) في "التانغو الأخير في باريس" (1972) لبرناردو برتولوتشي يحضر بين حين وآخر. وفاة شنايدر دافعٌ إلى كلامٍ انفعاليّ يتفوّه به الإيطالي، بعد إساءة، جسدية نفسية روحية، يصنعها بحقّها من أجل "واقعية" المشهد نفسه.
المشهد (مع مارلون براندو) قاسٍ، رغم روعته. المعلوم لاحقاً عليه مخيف. الاكتئاب قدر الممثلة، التي بعمر شبابٍ تمثّل دوراً، تظنّه دفعاً لها إلى أمامٍ في التمثيل والإبداع. قدر ملعون، بل لعنة تدمّرها. كلامٌ، يُقال لاحقاً، يؤكّد قذارةً تمارَس باسم الفنّ. هناك مقتنعون ومقتنعات بأنّ للفنّ أولوية على حساب كلّ شيءٍ، من دون استثناء. هناك من يتغاضى عن إساءة مدمِّرة، لاقتناعٍ فيه بأنّ الفنّ أهمّ. هذا نقاش غير محسوم، لكنّ الإساءة، إنْ تكن جسدية أو نفسية أو روحية، غير مقبولة البتّة. هنا، لن يكون الفنّ أهمّ.
"في المشهد، عندما تقول "لا"، فهذه الـ"لا" حقيقية. مع هذا، يواصل تصويرها وتصوير دموعها"، تُحدِّد بالو، مُضيفةً أنّ على برتولوتشي، حينها، التحدّث إليها، كي تعرف معنى العاطفة التي يريد تحقيقها: "بعد أعوام، يقول إنّه يريدها أنْ تتعرّض لإذلال حقيقي، وأنْ تذرف دموعها الحقيقية. أعتقد أنّه، منذ تلك اللحظة، لم يعد هناك فنّ". تؤكّد أنّ برتولوتشي "عظيمٌ" في إدارته الممثلين والممثلات، لهذا عليه البحث عن أشياء في شنايدر "من دون هذا العنف كلّه" (حوار مع فابيان برادْفير، "لو سوار"، صحيفة يومية بلجيكية باللغة الفرنسية، 18 يونيو/ حزيران 2024).
عنفٌ آخر، وإنْ يختلف كلّياً عن هذا، يحضر في فعلٍ للإيراني عباس كياروستامي، يتمثّل بإثارة مقصودة لبكاء طفلٍ، لتصوير مشهدٍ من فيلمٍ له (أظنّ أنّه "أين منزل صديقي؟"، 1987). فالطفل غير قادر على البكاء. كلّ المحاولات فاشلة. يعثر كياروستامي على حلّ: يمزّق دفتراً يتعلّق به الطفل، فيبكي بحرقةٍ، والكاميرا جاهزة. ألن يكون هذا عنفاً، وإنْ يختلف عن كلّ عنف آخر؟ هل يتمكّن طفلٌ من دفاعٍ عن حقّه في ألّا يُمزَّق دفتره؟ وإنْ يتمكّن، ولو عبر بكاء مرغوب فيه بشدّة سينمائياً، أيستَمِع المخرج إليه؟
في كل فردٍ وحشٌ نائم، يستفيق فجأة إنْ لم يتحكّم به المرء. في كلّ فنان مُبدع ديكتاتور قاتل، بشكلٍ ما. جنوح برتولوتشي إلى أقصى تطرّف لتصوير لقطة، غصباً عن الممثلة (ألأنّها ممثلة؟ ألأنّها امرأة؟ وإنْ يحدث هذا زمن غليان حريات غربيّة في الاجتماع والتفكير والعلاقات والمشاعر)؛ جنوحٌ كهذا مؤذٍ، وكلّ فعل إنْ يبلغ الأذية يُفترض بصاحبه أنْ يُحاسَب.
على كياروستامي أيضاً أنْ يُحاسَب. بكاء طفل شبيهٌ بـ"لا" ممثلة تريد إيقاف الاعتداء الجنسي عليها، وإنْ يكن الاعتداء لغرضٍ سينمائي. الكارثة أنّ سلاطين بلاتوهات غير مُعرّضين لمحاسبة، إلّا عندما "يُرفَع الغطاء عنهم"، لسببٍ خفيّ، أو في لحظةٍ ما، كالحاصل مع هيرفي وينستين، رغم أذية قاتلة يمارسها بحقّ ممثلات في سنين مديدة. فجأة، يُصلب المنتج بعد عمر من الأذية.