يتسع في مدن جنوبي العراق عمل محطات الإذاعة المحلية التي تبث على موجات الـFM، وبالإمكان ملاحظة وجود محطتين أو حتى ثلاث في المحافظة الواحدة. وتقدّم هذه الإذاعات برامج متنوعة عادة ما تكون مهتمة بالدرجة الأولى بالقضايا التي تتعلق بالمدينة أو المحافظة ذاتها، لتنتقل بالدرجة الثانية لمناقشة قضايا العراق العامة سواء على الصعيد السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي.
ونجحت هذه المحطات خلال السنوات السابقة بجذب عدد كبير من العراقيين في هذه المدن، كون المحتوى الذي يبثّ على الأثير يطاولهم بشكل مباشر ويطاول حياتهم في المناطق الموجودين فيها. كما أن تكثيف كمية البرامج القائمة على اتصالات المواطنين واستقبال شكاويهم زادت من شعبية هذه الإذاعات.
وعلى عكس ما حصل مع القنوات التلفزيونية والصحف، فإن هذه المحطات الإذاعية استطاعت الصمود حلال الأشهر الطويلة لجائحة كورونا، بسبب كلفتها المنخفضة، بينما عانت المؤسسات الإعلامية الأخرى من ضائقة مالية دفعتها إلى الاقتطاع من الرواتب، وصرف عاملين وتخفيض ميزانياتها.
ورغم غياب أرقام رسمية، يقدّر عدد محطات الراديو في جنوبي العراق بحوالي 15 محطة تعمل جميعها على أثير موجات الـ"أف أم" وبموجات قصيرة تستهدف سكان المحافظة أو المحافظات المجاورة على أعلى تقدير، وتهتم بتقديم مواضيع وقضايا مرتبطة بحقوق الإنسان، وحقوق المرأة والطفل، والدفاع عن الحريات، ونشر مفاهيم الثقافة والفن، ورفض خطاب الكراهية والتطرف.
"إذاعة الديوانية" واحدة من هذه الإذاعات المحلية، وتبث من مدينة الديوانية، العاصمة المحلية لمحافظة القادسية، التي تبعد نحو 200 كيلومتر جنوبي العاصمة بغداد، وتعتبر واحدة من المحطات التي حصدت شهرة واسعة وسط الشارع المحلي في المحافظة ومدن أخرى مجاورة لها، بسبب المحتوى الذي تقدمه لمختلف شرائح المجتمع.
يقول مدير الإذاعة عيسى الكعبي، لـ"العربي الجديد"، إن الإعلام كان مركزياً في العراق قبل عام 2003، "لكن بعد ذلك خرج العمل الإعلامي إلى نطاق أوسع وأكثر حرية، وبات الناس قادرين على سماع وقراءة ومشاهدة ما يريدون في الوقت الذي يختارونه، وفي نهاية عام 2003 تأسست إذاعة الديوانية FM، بفريق مهني إعلامي وفني من الذين لديهم خبرة سابقة، كما استقطبنا مواهب جديدة اخترناها من أصحاب الخبرة الإعلامية".
ويضيف الكعبي "وفقاً لإحصائيات محلية، فإن نسبة تغطية إذاعتنا والاستماع إليها تصل إلى 90 في المائة في محافظة الديوانية التي يبلغ عدد سكانها مليونا وثلاثمائة وخمسين ألف مواطن، وتعمل الإذاعة على تثقيف المجتمع ومناقشة احتياجاته".
ويشرح الكعبي عمل الإذاعة بقوله "نحن من المجتمع وندرك كيف يفكر الناس وما هي المشاكل التي ينتظر من الصحافة معالجتها أو الكشف عنها، ونتصدى لملفات حقوقية ومدنية وتوعية بأهمية القانون والنظام واحترام الحقوق، حقوق المرأة والطفل خاصة، كما ونشيع ثقافة الدفاع وحماية الحريات ونبذ خطاب الكراهية والعنصرية والتطرف".
ويتابع "برامجنا الحوارية نتيح فيها مساحة مهمة لقضايا المجتمع والثقافة وننظم حوارات حول القوانين والتشريعات متعلقة بالأسرة والطفولة والمرأة وكل ما يهم الحريات"، كاشفا عن "مضايقات" يتعرض لها فريق العمل خلال تناول تلك الملفات في المنتديات الحوارية في سبيل "محاولة منع تناولها"، لكنه يؤكد تمكن الإذاعة "من عبور هذه المرحلة ونطرح الآن المواضيع بحرية جيدة".
ويضيف في حديثه أن "هذا النجاح دفع آخرين للتفكير بافتتاح إذاعات أخرى لكن أغلب هذه الإذاعات لم تستطع الاستمرار لأنها تحتاج الى تمويل مالي، وحاليا في محافظة الديوانية هنالك أربع إذاعات تعمل وهي مهمة ولها دور مهم في التواصل مع المواطن".
ويستعرض الكعبي آلية تواصل الإذاعة مع المستمعين بقوله "المواطن حين يواجه أي مشكلة خدماتية أو اجتماعية يتجه لسلوك طريق الإذاعة، فأصبحت حلقة وصل بين المواطن والمسؤول الحكومي. فالشخص الموجود في موقع مسؤولية بات يخشى الإذاعة لأنها مسموعة من الجميع ومن البسطاء والفقراء أيضاً، من عامل البناء، وسائق التاكسي، والبقال، إلى كل أصحاب المهن الموظفين، لذلك فإن الإذاعات المحلية نجحت نجاحاً كبيرا خلال السنوات الأخيرة".
وعن المشكلة الأبرز التي تواجه عمل الإعلام الحر والإذاعات المناطقية، يختم الكعبي حديثه قائلاً "المشكلة التي تواجه المحطات المحلية هي مسألة التمويل المالي، هناك إذاعات أغلقت لهذا السبب، نحن وبطريقة معينة استطعنا أن نستمر".