استشهد الصحافي الفلسطيني محمد جمال صبحي الثلاثيني اليوم الخميس، مع شقيقه صبحي، بقصف للاحتلال الإسرائيلي استهدف منزل عائلته جنوب مدينة غزة، لينضم إلى أكثر من مائة صحافي وعامل في مجال الإعلام قتلتهم القوات الإسرائيلية منذ بدء عدوانها على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وباستشهاد محمد جمال صبحي الثلاثيني الذي كان يعمل في قناة القدس اليوم الفضائية، ارتفع عدد الصحافيين والعاملين في وسائل الإعلام الذين قتلتهم قوات الاحتلال إلى 115 شهيداً منذ السابع من أكتوبر، وفقاً لمكتب الإعلام الحكومي في غزة.
وأصدرت قناة القدس اليوم الفضائية بياناً نعت فيه محمد جمال صبحي الثلاثيني الذي وصفته بأنه "زميل جديد على طريق القدس والتحرير"، وأكدت على "مواصلتها لرسالتها الإعلامية المقاومة".
وكانت القوات الإسرائيلية قد قتلت الصحافي أحمد بدير أمس الأربعاء. والأحد قتلت القوات الإسرائيلية الصحافيين حمزة الدحدوح ومصطفى ثريا بقصف استهدف سيارتهما جنوب قطاع غزة.
ولجأ جيش الاحتلال إلى قتل الصحافيين كجزء من حملة ترهيب واسعة لإسكات كل الأصوات في غزة، في محاولة لطمس الحقيقة والتعتيم على حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل من خلال خطوات مختلفة، تتركز في أغلبها حول منع الصحافيين من العمل. وقد استهدفت قوات الاحتلال عائلات الصحافيين ومنازلهم ومقار عملهم.
مؤسسات حقوقية تراسل بايدن
دعت 6 منظمات حقوقية، أمس الأربعاء، الرئيس الأميركي جو بايدن إلى "التحرك فوراً وبشكل حاسم" لتأمين ظروف صحية وآمنة لعمل الصحافيين.
ووجهت لجنة حماية الصحافيين ومنظمات مراسلون بلا حدود وهيومن رايتس ووتش وفريدوم هاوس وفريدوم أوف ذا برس فاونديشن ومعهد Knight First Amendment Institute في جامعة كولومبيا رسالة مشتركة إلى بايدن، جاء فيها: "تملك الولايات المتحدة سجلاً طويلاً من الدعم القوي لإسرائيل، بما في ذلك المساعدات المدنية والعسكرية، ومن الواضح أنها واحدة من شركاء إسرائيل الأكثر نفوذاً"، في إشارة إلى الضغط الذي يمكن أن تمارسه واشنطن على الاحتلال الإسرائيلي لإيقاف استهداف الصحافيين في غزة.
كما قالت المنظمات الست في رسالتها إلى بايدن: "نعتقد أنه يمكن لإدارتك، بل يجب عليها، أن تفعل المزيد للمساءلة في قضية الصحافيين الذين قتلوا، ولحماية ودعم الصحافيين المحليين والدوليين الذين يغطون هذه الأعمال العسكرية (أي العدوان الإسرائيلي على غزة)".
وأضافت المنظمات في الرسالة: "يجب على الولايات المتحدة أن تستخدم نفوذها الكبير لدى الحكومة الإسرائيلية للضغط عليها لضمان قدرة الصحافيين على توثيق العمليات العسكرية بأمان، وتسليط الضوء على امتثالهم للقانون الإنساني الدولي".
وذكّرت الرسالة بالتقرير الصادر عن لجنة حماية الصحافيين، الصادر في 21 ديسمبر/ كانون الأول، الذي أشار إلى أن الأسابيع العشرة الأولى من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة هي "الحرب الأكثر دموية على الإطلاق بالنسبة للصحافيين"، مع تسجيل مقتل أكبر عدد من الصحافيين خلال عام واحد في مكان واحد، علماً أن "أغلب الصحافيين والعاملين في مجال الإعلام القتلى جراء الحرب هم من الفلسطينيين".
وأشارت الرسالة إلى أن تقرير لجنة حماية الصحافيين أشار بشكل واضح إلى أن أغلب هؤلاء الصحافيين قتلوا على يد جيش الاحتلال. كما ذكرت الرسالة بنتائج التحقيقات التي أجرتها مؤسسات ومنظمات عدة بينها فرانس برس، ورويترز، ومراسلون بلا حدود، حول قتل الاحتلال للمصور اللبناني الشهيد عصام العبدالله في 13 أكتوبر الماضي جنوبي لبنان.
وعصام العبدالله ليس الصحافي اللبناني الوحيد الذي قتلته قوات الاحتلال جنوبي لبنان منذ السابع من أكتوبر، إذ قتلت أيضاً مراسلة قناة الميادين فرح عمر والمصور في القناة نفسها ربيع المعماري.
وكشفت المحكمة الجنائية الدولية، الثلاثاء، أنها تحقق في جرائم بحق صحافيين خلال العدوان المتواصل على قطاع غزة، علماً أن الاحتلال الإسرائيلي لم يحاسَب حتى الآن على أي من جرائمه بحق الصحافيين الفلسطينيين.
وكانت الأمم المتحدة قد عبرت، الاثنين، عن قلقها إزاء استشهاد المزيد من الصحافيين والعاملين في قطاع الصحافة والإعلام خلال الحرب الإسرائيلية على غزة. وطالبت بإجراء تحقيق شامل ومستقل في استشهاد جميع الصحافيين "لضمان الامتثال الصارم للقانون الدولي، ومقاضاة الانتهاكات".
تحريض إسرائيلي على الصحافيين في غزة
تواصل سلطات الاحتلال التحريض مباشرة على قتل الصحافيين واستهدافهم، بزعم ارتباطهم بحركة حماس. إذ أصدر الجيش الإسرائيلي بياناً الأربعاء، أقرّ فيه بأنه قتل الصحافيين حمزة وائل الدحدوح ومصطفى ثريا، زاعماً أنهما كانا "عنصرين إرهابيين". وقال الجيش الإسرائيلي في بيان: "قبل الغارة، كان الاثنان يسيّران طائرات من دون طيّار بطريقة شكّلت خطراً على قواتنا". وردّاً على سؤال لوكالة فرانس برس عن نوع الطائرات المسيّرة التي كان الشهيدان يستخدمانها وطبيعة التهديد الذي شكّلاه على القوات الإسرائيلية العاملة في القطاع، قال الجيش الإسرائيلي، ليل الأربعاء، إنّه بصدد "التحقّق" من هذه النقطة. وفي بيان مقتضب، نفت حركة حماس، ليل الأربعاء، الاتهامات الإسرائيلية في حق الصحافيين.
وهذه ليست المرة الأولى التي تطلق فيها سلطات الاحتلال الإسرائيلي مزاعم مماثلة. فبدعم من منظمات صهيونية تطارد الصحافيين والناشطين الفلسطينيين وكل من يعبّر عن تضامنه مع القضية الفلسطينية وإدانته لجرائم الاحتلال، لم يتردد المسؤولون الإسرائيليون في التحريض علناً على الصحافيين والدعوة إلى قتلهم، بزعم تعاونهم مع "حماس"، خلال عملية طوفان الأقصى التي نفذها مقاومو "القسّام"، الجناح العسكري للحركة.
ففي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، زعمت المنظمة الصهيونية "أونست ريبورتينغ"، رغم إقرارها أن لا أدلة لديها وقولها إنها كانت فقط "تطرح أسئلة"، أن مجموعة من الصحافيين في قطاع غزة الذين يتعاونون مع مؤسسات إعلامية غربية كانوا على علم مسبق بعملية طوفان الأقصى.
هذه المزاعم تلقفها سريعاً المسؤولون الإسرائيليون الذين لم يترددوا في الدعوة إلى قتل الصحافيين. وقال حينها المتحدث باسم حكومة الاحتلال، في بيان، إن إسرائيل تطالب بتوضيحات من المؤسسات الإخبارية في ما يتعلق بما نشرته "أونست ريبورتينغ"، مضيفاً أن ما وصفه التقرير "يتجاوز كل الخطوط الحمراء المهنية والأخلاقية". وأضاف أن "هؤلاء الصحافيين كانوا شركاء في جرائم ضد الإنسانية، وكانت أفعالهم تتنافى مع أخلاقيات المهنة". ودان سفير إسرائيل السابق لدى الأمم المتحدة داني دانون ووزير الدفاع السابق بيني غانتس "أي صحافي كان على علم مسبق" بالعملية، وقالا إن "أي شخص وقف مكتوف الأيدي" في ذلك اليوم "لا يختلف عن الإرهابيين، وتجب معاملته على هذا الأساس".
وقال الناطق باسم البيت الأبيض، الأربعاء، في واشنطن: "يحق لهم (الصحافيون) أن يوجدوا لتغطية هذا النزاع، ونريد أن يحترم وجودهم بالكامل". وأضاف: "يجب عدم استهداف الصحافيين" من دون أن يعلق بالتحديد على مزاعم الجيش الإسرائيلي الأخيرة حول حمزة الدحدوح ومصطفى ثريا.
وعلى الرغم من ارتفاع عدد الصحافيين الذين يقتلهم الاحتلال كل يوم في غزة، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، خلال مؤتمر صحافي في ديسمبر: "لا نملك حتى الآن أي مؤشرات" على أن إسرائيل "تتعمد استهداف الصحافيين الذين يحاولون تغطية هذه الحرب".
الانحياز الغربي لإسرائيل
في تحليل جديدٍ لموقع ذا إنترسبت الإخباري، نُشر الثلاثاء، أظهرت تغطية صحف نيويورك تايمز وواشنطن بوست ولوس أنجليس تايمز للعدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة تحيزاً ثابتاً ضد الفلسطينيين. ولم تُعِر وسائل الإعلام التي تؤدي دوراً مؤثراً في تشكيل وجهات نظر الأميركيين حول العدوان على غزّة سوى القليل من الاهتمام للتأثير غير المسبوق للحصار وحملة القصف الإسرائيلية على الأطفال والصحافيين.
وعلى الرغم من أن الحرب على قطاع غزّة تعد واحدة من أكبر الحروب دموية في التاريخ الحديث بالنسبة للصحافيين، فإن ذكر كلمة "الصحافيين" و"المراسلين" و"المصورين الصحافيين" تظهر فقط في تسعة عناوين رئيسة من بين أكثر من 1100 مقالة حللها "ذا إنترسبت".
وفي هذا السياق، كتب الصحافي كريس ماكرغريل مقالاً في صحيفة ذا غارديان البريطانية، الأربعاء، عنوانه "إسرائيل تقتل الصحافيين الفلسطينيين في غزة. أين الغضب؟". وتساءل ماكغريل في مقاله: "لا يمكن إنكار وجود نمط للقتل. هل هناك نقص في التعاطف لأن الضحايا ليسوا أميركيين أو أوروبيين"؟
وأضاف: "يثير الصحافيون الغربيون القتلى موجات تعاطف أكبر، وهو ما يُفترض أنه أحد الأسباب التي دفعت إسرائيل إلى منع الصحافة الأجنبية من دخول غزة خلال الحرب الحالية. وتعتمد المؤسسات الإخبارية الدولية الآن على المراسلين الفلسطينيين الذين تستهدفهم إسرائيل. إنهم يقدمون للعالم الصور المرعبة عما يحدث في غزة. لذلك، فمن المقلق أن المؤسسات الإخبارية غير راغبة في الحديث عن نمط مباشر لقتل هؤلاء الصحافيين. ومن المؤكد أن الأمر سيكون مختلفاً لو كان الصحافيون الأميركيون أو الأوروبيون هم الذين يموتون".