في "تيك توك" يتداول المغاربة مقطع فيديو للفنانة السورية أصالة وهي تغني "عريس الخيل"، وهي تراث مغربي أصيل. صفّق أحد المعلقين لـ"المجهود الجبار" الذي بذلته أصالة في أداء أغنية مُغرِقَة في المغربية، وتساءل آخرون هل هي فعلاً صاحبة الصوت؟ نعم، هي صاحبة الصوت، لكنها لم تغنِّ "عريس الخيل".
الأغنية هي من إعداد الذكاء الاصطناعي الذي دمج بين صوت الفنانة والأغنية المغربية. وعند سماعها لا يمكن ملاحظة مشكلة. تبدو كأن أصالة نفسها قد غنّتها، لكنها ربما لم توافق على استخدام صوتها، ولا أخذت تعويضاً مادياً عن هذا الاستخدام.
@imad_inan #اصالة #الذكاء_الاصطناعي #صوت #اغاني_عربيه #المغرب🇲🇦 #fyp #المرصاوي #الشعبي_المغربي😂😂🇲🇦🇲🇦 #المغربيات_أجمل_نساء_الكون🇲🇦مغربية #casablanca #fyp ♬ original sound - Imad inan
وأخرج الذكاء الاصطناعي عفريتاً من قمقمه حين صار بإمكان أي فرد، وببرامج سهلة الاستخدام، طرح أغانٍ بأصوات فنانين معروفين، من دون أن يعرفوا هم أنفسهم بالعمل قبل صدوره، ما فتح الباب أمام مخاوف تتعلق بالاستغلال والاحتيال والكسب غير المشروع وحقوق الفنان.
وتعجّ مواقع التواصل الاجتماعي بأمثلة على تركيب أغانٍ مشهورة بأصوات معروفة لم تؤدّها. أغنية "كثر خيري" جمعت بين إليسا وشيرين وأصالة، وأخرى غنّى فيها عبد الحليم حافظ أغنية "ما يتحكيش عليها" لعمرو دياب، و"دايموند" الشهيرة لريانا انتشرت في الإنترنت بصوت أصالة نصري، وهذه ليست سوى أمثلة قليلة من محتوى واسع الانتشار.
وحدث كل هذا في فترة قصيرة جداً، خلال الشهور الأخيرة فقط سطع نجم الذكاء الاصطناعي التوليدي الصانع للصوت، ثم انتشر دولياً ثم عربياً، وها هو يثير النقاشات.
تطورت جودة النتائج في وقت قصير جداً، تراوح بين أسابيع وشهور قليلة، ما يجعل الصناعة الفنية تضع يدها على قلبها وهي على أعتاب عصر جديد يمكن فيه لكل إنسان صنع أغنيته الخاصة من دون مجهود، وربح المال من استماعاتها ومشاهداتها.
ولا يحتاج توليد أغنية باستخدام الذكاء الاصطناعي إلى مجهود كبير، في الغالب سيحتاج المُستخدم إلى برنامج مجاني أو مدفوع، ثم كتابة ما يريده داخل مستطيل بحث كيف يتخيل روح اللحن وموضوع الكلمات وبصوت أي فنان، ثم تظهر النتيجة التي ستشعل الإنترنت خلال الأيام اللاحقة.
تقنية جديدة... مشاكل قانونية جديدة
أعلن الملحن المصري عمرو مصطفى عن طرح أغنية بعنوان "افتكرلك إيه" بتقنية الذكاء الاصطناعي، بصوت أم كلثوم، وفوراً وجد نفسه متورطاً في مشاكل قانونية. تقدمت جيهان الدسوقي، حفيدة شقيقة أم كلثوم، ببلاغ للنائب العام ضد مصطفى، مؤكدة أنه أقدم على التجربة التقنية من دون إذن كتابي مسبق من صاحب الحق أو من ورثتها.
واعتبر البلاغ أنّ تصرّف الملحن "يضعه تحت المساءلة القانونية والجنائية"، خصوصاً أنّ القوانين تمنع "الاعتداء على الحق الأدبي والمادي لأصحاب حقوق الأداء العلني"، بما فيها "أشكال الاعتداء المستحدثة التي يمكن أن يكشف عنها الواقع العملي، في ظل التطورات السريعة التي طرأت على مجالات حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، ومنها أصحاب حقوق الأداء العلني".
أسرة عبد الحليم ندّدت باستخدام صوته ولوّحت بالإجراءات القانونية
من جانبهم، ندّد ورثة عبد الحليم حافظ باستخدام صوته بالذكاء الاصطناعي التوليدي، متوعدين بـ"استخدام الإجراءات القانونية" تجاه من يستخدمه.
ووصف نجل شقيق "العندليب" محمد شبانة، في بيان صحافي، التجربة بأنها "فاشلة وفي غاية السوء، وسنتخذ الإجراءات القانونية تجاه الفاعل، لأن ذلك يعدّ تشويهاً لتاريخه ورسالته"، وتوعّد بأن "أي شخص أو جهة أو شركة تقوم بهذا الفعل ستتعرض للمساءلة القانونية، وسنتخذ حيالها إجراءات القانون الرادعة كافة".
أزمة عربية… وعالمية
النقاش الدائر حالياً في الأوساط الفنية العربية حول الذكاء الاصطناعي يشبه ذلك الذي يدور على الصعيد العالمي.
حصدت أغنية مولّدة بعنوان Heart On My Sleeve، للمغنيين الكنديين دريك وذا ويكند، ملايين الاستماعات عبر الإنترنت منذ طرحها، ما دفع شركة "يونيفرسال ميوزيك" إلى طلب إزالتها.
وحُذفت الأغنية من منصتي البث الموسيقيتين سبوتيفاي وآبل ميوزيك، نزولاً عند طلب "يونيفرسال ميوزيك غروب" التي تتولى تمثيل المغنيين الكنديين، بعدما أشارت إلى وجود انتهاك لحقوق المؤلف.
راسلت "يونيفرسال" منصات البث
الشركة العملاقة ذاتها وجّهت في مارس/آذار رسائل إلى منصات البث، تطلب فيها منع خدمات الذكاء الاصطناعي من استخدام ألحان وكلمات أغنيات الفنانين المحمية بحقوق المؤلف، بحسب ما أوردت صحيفة "فايننشال تايمز".
واستخدم منسق الأسطوانات الفرنسي ديفيد غيتا في أحد عروضه الأخيرة الذكاء الاصطناعي لتوليد صوت مغني الراب إمينيم. ولم يطرح غيتا هذه الأغنية في السوق، موضحاً لـ"بي بي سي" أنه يريد "فتح باب النقاش للتوعية".
ويقسّم استخدام الذكاء الاصطناعي في الموسيقى الناس بين مستنكر للانتهاكات القانونية التي ينطوي عليها، ومشيد بقدرات التكنولوجيا في هذا المجال.
وتشير كلاريس أرنو، من اتحاد منتجي الفونوغرافيا الفرنسيين المستقلين، متحدثة لـ"فرانس برس"، إلى أنّ "الابتكارات التكنولوجية ساهمت في تطوير المجال الموسيقي، وهو ما سيوسّع نطاق الإمكانات والابتكارات"، لكنها ذكّرت بضرورة إخضاع أي تقنية لقواعد معيّنة.
الذكاء الاصطناعي يساعد الفنانين والشركات أيضاً
وتنقل الوكالة عن معاون المغني جاي زي، يانغ غورو، أنه "لا يُفترض أن تكون البرامج قادرة على استخدام اسم الشخص وصوته ومظهره من دون إذنه".
ويلاحظ ألكسندر لاش، من الاتحاد الوطني للنشر الفونوغرافي في فرنسا، أنّ "التكنولوجيا تتقدّم بوتيرة أسرع بكثير من القوانين".
وتوضح أرنو أنه "بمجرد نسخ صوت أو لحن وجعله أبطأ أو أسرع، فهذا يطرح مشكلة، إذ نادراً ما تتم استشارة صاحب الحقوق أو دفع مبلغ له عن عمله الأصلي"، مضيفةً "ثمة عمل كثير ينبغي القيام به لتنظيم هذا المجال".