ارتباك في الإعلام الصيني بعد التراجع عن "صفر كوفيد"

25 ديسمبر 2022
منابر الحكومة اضطرت إلى تصوير القرار على أنه انتصار (Getty)
+ الخط -

تواجه وسائل الإعلام الصينية صعوبات، وتبذل أجهزة الرقابة جهوداً حثيثة، في وقت تبحث بكين عن رواية متماسكة يمكنها الاستناد إليها غداة تراجعها المفاجئ عن سياسة صفر كوفيد المتشددة التي طبعت نهجها في التعامل مع وباء كوفيد-19.

على مدى سنوات، أشادت أجهزة الدعاية الصينية بسياسة صفر كوفيد، على اعتبار أنها دليل على تفوّق حكم الحزب الشيوعي المستبد وحكمة رئيسها النافذ شي جين بينغ. لكن منابر الحكومة المعهودة وجدت نفسها مضطرة الآن إلى تصوير قرار إلغاء قيود السفر المشددة وتدابير الحجر والإغلاق على أنها انتصار، حتى في ظل ارتفاع عدد الإصابات.

وقال الأستاذ المساعد في كلية الصحافة والاتصال التابعة للجامعة الصينية في هونغ كونغ، كيتشينغ فانغ، إن "الإعلام الرسمي لم يأتِ برواية لافتة لتبرير التغيّر المفاجئ والجذري... لقد فوجئوا". وأفاد وكالة فرانس برس بأن "الرسائل المتضاربة" أشارت إلى أن الأجهزة الدعائية ربما كانت تفتقر إلى التوجيهات المناسبة من الحزب بشأن كيفية توصيف الوضع.

ألمحت بعض وسائل الإعلام إلى أن الوضع ليس طبيعياً، إذ حضّت وكالة أنباء الصين الجديدة وشبكة سي سي تي في الرسمية للبث، في تقارير الأسبوع الماضي، السكان على استخدام أدوية كوفيد-19 "بعقلانية"، وسلّطت الضوء على جهود الحكومة لضمان توافر الإمدادات. لكن وسائل الإعلام الحكومية امتنعت عن تغطية الجانب الأكثر قتامة للتراجع المفاجئ عن سياسة صفر كوفيد، فسعت بدلاً من ذلك لتهدئة المخاوف حيال مدى قوة الوباء، وصوّرت التحول في السياسة على أنه تراجع منطقي وتحت السيطرة وناجح. وجاء في مقال نشرته صحيفة الشعب اليومية التي يديرها الحزب الحاكم: "بالنظر إلى السنوات الثلاث الأخيرة، خضنا معركة محتدمة ضد الوباء، ومررنا باختبار تاريخي مضنٍ". وأضاف أن سياسة صفر كوفيد "أظهرت تفوّق منظومة الصين الاشتراكية"، مشدداً على أن "تحسين" السياسة الآن سيساعد في التأقلم مع متحورات الفيروس الجديدة مع "منح أولوية لحياة الناس وصحتهم".

كذلك بدت منابر السلطات الرسمية مترددة في التحدث عن الارتفاع الكبير في أعداد الإصابات. والجمعة، أشارت صحيفة تابعة للحزب إلى تقديرات رسمية تتحدّث عن نصف مليون إصابة جديدة يومياً في مدينة تشينغداو (شرق). بحلول السبت، عُدّل التقرير لحذف الرقم.

وبينما هيمنت سلسلة نشاطات شي الدبلوماسية الأخيرة على عناوين الصحف، إلا أنه لم يعلّق بعد علناً على انهيار ما كانت إلى وقت قريب سياسته الأبرز. وساد شعور مشابه بعدم اليقين وسائل التواصل الاجتماعي الصينية، حيث تحذف الأجهزة الرقابية بشكل متكرر أي مضمون يحمل حساسية سياسية.

وخضعت منشورات على منصة ويبو، تحدّثت عن وفيات مرتبطة بكوفيد-19، إلى إجراءات رقابية. شملت هذه المنشورات عدة صور جرى التعتيم عليها، ويبدو أنها التقطت في محارق جثث، إضافة إلى منشور من حساب امرأة قالت إنها والدة طفلة في عامها الثاني توفيت إثر إصابتها بالفيروس. كذلك حُذفت منشورات عن نقص في الأدوية وحالات تلاعب بالأسعار، وفقاً لموقع غريت فَير الذي يتابع الرقابة على الإنترنت.

نشر مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً تعليقات غاضبة أو ساخرة على ما اعتبروها محظورات مرتبطة بوفيات كوفيد-19. وعلّق كثيرون على منصة إعلامية محلية مرتبطة بالدولة، بعدما ذكرت أن وو غويانينغ الذي صمم تعويذات أولمبياد بكين 2008 توفي جرّاء إصابته "بنزلة برد حادة" عن 67 عاماً. وشبّه أحد المعلّقين الصياغة بتلك التي تتبناها جارة الصين الديكتاتورية كوريا الشمالية، بينما تساءل آخر: "هل لفظ كوفيد بات مخالفاً للقانون؟".

لكن بقيت منشورات تنتقد السلطات على الإنترنت بعد ظهر الجمعة، ندد العديد منها بغياب أي استراتيجية حكومية للتعامل مع الجائحة. وجاء في أحدها: "هل اعتقدوا حقاً أن بإمكانهم القضاء على الفيروس عبر فرض تدابير إغلاق؟ 3 سنوات ولم يضعوا خطة طوارئ لوقت خروجه (الفيروس) عن السيطرة؟".

ولفت الأستاذ المساعد فانغ إلى أن المسؤولين الصينيين "سيجدون في نهاية المطاف طريقة لتصوير كل شيء على أنه انتصار، ربما بعد استقرار وضع الإصابات". وأضاف أن "الطريقة الفريدة التي احتسبت بها لبوفيات يثبت أنه أساس لذلك"، مشيراً إلى تعريف حكومي جديد للوفيات الناجمة عن الفيروس الذي يستثني العديد من الوفيات. وخضع لرقابة رسمية وسم على "ويبو"، مرتبط بكيفية تعريف البلاد للوفيات جراء كوفيد-19، إذ لا يحتسب إلا من يموتون نتيجة فشل في جهاز التنفس بعد أن تثبت إصابتهم بالوباء.

(فرانس برس)

المساهمون