احتجاجات الجامعات الأميركية: فلسطين تتصدر الإعلام الغربي رغم أنفه

04 مايو 2024
من تظاهرة أمام جامعة كولومبيا بعد فض الاعتصام، الأول من مايو 2024 (الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في 18 إبريل، اندلعت تظاهرات طلابية في جامعة كولومبيا بنيويورك تنديدًا بالعدوان الإسرائيلي على غزة وسياسات الحكومة الأمريكية، مما أعاد تسليط الضوء على القضية الفلسطينية عالميًا.
- الطلاب طالبوا بسحب الاستثمارات من الكيانات المرتبطة بإسرائيل وقطع العلاقات مع المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، وواجهوا اتهامات بمعاداة السامية من بعض وسائل الإعلام الغربية.
- الحركة الطلابية والتضامن العالمي مع غزة يعكسان تحولًا في الوعي العالمي نحو الصراع في الشرق الأوسط، مؤكدين على القيم الإنسانية والدعوة للعدالة والسلام.

اقتحمت شرطة نيويورك جامعة كولومبيا، وفضت اعتصامات الطلاب بالقوة. لم ينقضِ الأمر بعد، فالانتفاضات بيّنت أن جيلاً من الغرب لا يمكن ترويضه، عبر خطاب السلطة الذي تُروّج له وسائل الإعلام الغربية. وها قد وصلت حصيلة الاعتقالات نحو الألف من أكاديميين وطلاب. بعد مرور أكثر من ستة أشهر على عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، كانت الأخيرة لتغيب عن الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، لولا أن أشعل شبان من جامعة كولومبيا في نيويورك، في 18 من إبريل/نيسان الماضي، ساحات جامعتهم بتظاهرات تدين وحشية الاحتلال، والسياسات غير الإنسانية لسلطات دولتهم.

لم تُسجَّل حصيلة الصور ومقاطع الفيديو التي صورها الغزيون ونشروها على مواقع التواصل الاجتماعي بعد، فالحرب لم تنتهِ، لكن أصبح بالإمكان على الأقل قياس تأثيرها، الذي نرصده آنياً بالصوت والصورة على خلفية العدوان. من كل حدب وصوب، تصدح الحناجر بهتافات لغزة في الجامعات الأميركية التي تبعد آلاف الكيلومترات عن القطاع المنكوب. وإن فُضّ الاعتصام، إلا أن التاريخ الأميركي المعاصر سيسجل حراك الجامعات الأميركية المناصر لفلسطين، كما سجل سابقاً اعتصامات الطلاب لوقف الحرب الأميركية على فيتنام 1968. 

قبل احتجاجات الجامعات الأميركية

لم تبدأ القصة في 18 إبريل، فيمكن أن نرى إرهاصاتها منذ أن بدأ ناشطون من الغرب يكرّسون منابرهم للحديث عما تشهده فلسطين، فهؤلاء من خاطبوا شعوب الغرب، وحاولوا أن ينقلوا صورة مختلفة لهم، صورة تغزو وسائل الإعلام الغربية الكبيرة، التي تنحاز إلى دولة الاحتلال، فكبرى وسائل الإعلام تتبع لرؤوس أموال ضخمة لها ارتباطاتها مع الكيان الإسرائيلي، عدا عن تلك التابعة للسلطات الغربية وتتبنى خطابها بحذافيره. أقام الطلبة خياماً في ساحة الجامعة، في شكل من أشكال الإضراب، ريثما تتحقق مطالبهم المتمثلة بسحب الأموال من الكيانات المرتبطة بدولة الاحتلال، وقطع العلاقات مع المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية. كما ندد الطلبة بالعدوان على قطاع غزة، وطالبوا بوقف الاستثمارات المالية المستمرة للجامعة في الشركات التي تدعم الجهات العسكرية الإسرائيلية في غزة، وليس ذلك فحسب، بل قطع كل علاقاتها مع إسرائيل.

لا يمكن للإعلام العالمي أن يغض الطرف عن احتجاجات الجامعات الأميركية. هكذا، عاد العلم الفلسطيني ليتصدر الصفحات الأولى للصحف العالمية، كما على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي والتلفزيونات. لكنها في المقابل، شنت حملة مركزة لتشويه طبيعة الحراك، فروجت أن الاحتجاجات تحمل هتافات "معادية للسامية" وتضايق بعض الطلاب اليهود، ولعل بعض الصحف أعلنت أن الاحتجاجات من شأنها إشعال الولايات المتحدة، وخلق الفوضى، وزعزعة الاستقرار، وذلك لإثارة تخوف شعبي من المشاركة في هذه الاحتجاجات، وتصويرها على أنها معادية لليهود، على الرغم من أن أهم الأطراف الفاعلة فيها هم اليهود أنفسهم.

ووجهت وسائل الإعلام الغربية منابرها إلى بعض اليهود الذين أعلنوا أن جوهر الاحتجاجات هو الإساءة لهم، ما من شأنه إثارة عقدة الذنب التي تحملها الذهنية الغربية منذ الهولوكوست. 

مذبحة على البث المباشر

جالت المقاطع المصورة القادمة من قطاع غزة أنحاء العالم. الأمر لم يعد يختزل بكلمة "حرب"، وإنما هي إبادة جماعية كشفت عن نفسها أمام مرأى البشرية بأسرها. كان من الطبيعي أن تعم حركات الاحتجاج أصقاع الأرض، فالإعلام اليوم ليس كما كان في الماضي، حين كانت السلطة تحكم سيطرتها عليه، لا سيما أن صوراً ومقاطع مصورة من غزة تسللت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وانتشرت لما فيها من وحشية يعجز الخيال عن تصورها. أتاحت مواقع التواصل الاجتماعي للغزيين القابعين تحت العدوان، ومنهم من أصبحوا في عداد الضحايا، أن يكتبوا وينشروا ما يعيشونه من قتل وتشريد وتجويع. أصبح للرواج معيار آخر، فللمأساة أيضاً سبيل للانتشار، في عصر تُغيّب فيه لغة الأرقام القصة الإنسانية.

من الصعب على إسرائيل أن تخفي شناعة إجرامها ضد الفلسطينيين في غزة، ورغم قطعها وسائل الاتصال والكهرباء عن القطاع المحاصر، فإن قصص الحرب باتت معروفة ومؤثرة، فبات السكوت عن الوحشية بحد ذاته وحشية لها شكل آخر.

مع تراكم القصص وما يقابلها من تعسف السياسات الغربية واصطفافها المستهجن مع الطرف الإسرائيلي، أصبحت القضية الفلسطينية، بالنسبة إلى النخب الغربية معضلة أخلاقية، تمنعهم من أن يقفوا مراقبين مكتوفي الأيدي أمام ما تقترفه السياسة الأميركية في غزة. الموضوع لا يقتصر على الدعم، فالمذبحة تحدث أمام أعيننا بالصوت والصورة، وبإمكاننا رؤية الدم الذي يراق بدلاً من تخيّله.

العالم مقسوم، شعوباً وسلطات، وقد اعتادت الشعوب على قسوة السلطات وبرودها في التعامل مع القضايا الإنسانية، إلا أن قضية كهذه تعدت حدود ما يمكن للإنسان المعاصر أن يتصوره. ستة أشهر من العدوان وأكثر من 30 ألف شهيد ومئات الآلاف من البيوت المهدمة.

سُوّي قطاع غزة بالأرض، وعمّ الدمار الحجر والبشر. نحن أمام طمس بقعة جغرافية أمام أعيننا، بعد سنوات طويلة من الحصار والإفقار والتجويع. شهدت الشعوب الغربية تسلّط أنظمتها على الشعوب التي سمّتها بـ"العالم الثالث"، حيث يباح الاستبداد بحجة نشر الحضارة والديمقراطية، فأشعلت حروباً، ونهبت شعوب هذه البلاد. ولكنها اليوم تقترف أشنع جرائمها على الملأ، من دون أن تكترث بالمطالب الشعبية غير المنقطعة التي تطالب بوقف إطلاق النار.

المساهمون