إنسان نياندرتال اصطاد أفيالاً ضخمة قبل 125 ألف سنة

02 فبراير 2023
بقايا Palaeoloxodon antiquus في الصين عام 2005 (Getty)
+ الخط -

أظهرت دراسة، نُشرت الأربعاء، أن إنسان نياندرتال كان قبل 125 ألف سنة يصطاد الأفيال المستقيمة الأنياب التي انقرضت، مع أن حجمها كان ضعف حجم الأفيال الأفريقية الحالية، إذ كان وزنها يصل إلى 13 طناً، في حين كان ارتفاع كتفيها 4 أمتار.

ومن خلال هذه الخلاصة غير المسبوقة، تُوفّر الدراسة المنشورة في مجلة سَينس أدفانسز معطيات جديدة، تتيح فهماً أكبر لإنسان نياندرتال الذي عاش في عصور ما قبل التاريخ.

وقال المُعدّ المشارك للدراسة ويل روبروكس، لوكالة فرانس برس، إنّ "إنسان نياندرتال كان يُحسِن التصرف بكميات هائلة من الطعام"، غير متأتية فقط من صيد الخيول أو الأبقار أو الغزلان.

وأوضح روبروكس أنّ هذه الكميات كانت "تُحفَظ لفترات طويلة، ما لم يكن معروفاً من قبل"، أو كانت تُستهلَك نظراً إلى أنّ الإنسان كان يعيش في "مجموعات بشرية أكبر بكثير مما كان يعتقد سابقاً".

كان تقطيع فريسة متوسط وزنها 10 أطنان، قبل تعفن اللحم، يستغرق العمل أياماً عدة بمشاركة نحو 20 رجلاً، وفقاً للباحثين، وكانت توفر ما يكفي من الطعام لمدة 3 أشهر لـ25 شخصاً، أو شهراً واحداً لمائة شخص. أما حفظها فكان ربما عبر تجفيفها بالنار.

ولكن كيف كان إنسان نياندرتال يقتل هذه الحيوانات العملاقة؟ لا تتوافر معطيات مؤكدة في هذا الشأن، لكنّ إحدى الفرضيات هي أن الصيادين كانوا يشلّون حركة الأفيال، باستدراجها إلى مناطق موحلة تعلق فيها، أو إلى فخاخ محفورة، ثم كانوا يُجهزون عليها بالرماح.

وكان الباحثون يتساءلون طويلاً عن سبب وجود عظام فيلة قرب الأدوات الحجرية في الكثير من المواقع الأثرية، فهل كان إنسان نياندرتال قادراً فعلاً على اصطيادها، أم أنه كان يتغذى على الحيوانات النافقة لأسباب طبيعية؟

لم يُعثر قطّ على آثار ضربات أو رمح عالق في العظم أو سوى ذلك من أدلة قاطعة على أن الإنسان كان يصطاد هذه الحيوانات المعروفة علمياً باسم Palaeoloxodon antiquus، وهذا ليس مفاجئاً نظراً إلى حجمها. واعتبر علماء الوراثة أن ثمة صلة بينها وبين الفيلة الأفريقية الحالية.

علوم وآثار
التحديثات الحية

ولكن في الموقع المعروف باسم نويمارك-نورد 1، قرب مدينة هاله الحالية في ألمانيا، عُثر على مؤشر شكّل تنبيهاً للعلماء، هو بقايا نحو 70 فيلاً، في أكبر تجمّع معروف لها، وهي في غالبيتها العظمى ذكور بالغة. ورأت الدراسة أن عدم التنوع هذا ناتج عن اختيار الصيادين.

ويُرجّح أن اصطياد الذكور من الفيلة كان أسهل، فهي تتنقل منفردة، في حين أن الإناث كانت تعيش ضمن قطعان. وكانت ذكور الفيلة توفّر طعاماً أكثر، نظراً إلى أن حجمها أكبر من الإناث.

بادر الباحثون إلى تحليل مجهري للعظام المحفوظة بشكل جيد جداً لنحو 60 من هذه الأفيال، وتبيّن أنها تحمل بوضوح آثار أدوات الصوان التي كان إنسان نياندرتال يستخدمها لتقطيعها، وهي شقوق لا تزيد عن بضع سنتيمترات.

وأوضح أستاذ علم الآثار في جامعة ليدن في هولندا ويل روبروكس أنها "علامات تقطيع مألوفة ناتجة عن تقطيع اللحم وكشطه عن العظام".

وشرح الباحث أن المنطقة التي كان يعيش فيها هؤلاء البشر البدائيون كانت تساعد على الإيقاع بها، إذ إنّ التربة فيها رخوة. وكان البشر يسارعون إلى سلخ هذه الحيوانات فوراً في موقع نفوقها.

وتعود نحو 40 من هذه العينات إلى حقبة امتدت 300 عام فقط، ما دفع الباحثين إلى الاستنتاج أن حيواناً واحداً كان يُقتل كل خمس إلى ست سنوات تقريباً.

وأظهرت الدراسة أنّ البشر البدائيين درجوا على اصطياد الأفيال في هذه المنطقة طوال ألفَي عام على الأقل، أي على امتداد عشرات الأجيال.

لكن إنسان نياندرتال عاش لفترة طويلة جداً (ما بين 400 ألف عام و40 ألفاً)، وفقاً لويل روبروكس، الذي أوضح أن "الطقس في أوروبا كان في معظم الأحيان أكثر برودة بكثير مما هو عليه اليوم"، على عكس الفترة التي حللت في موقع نويمارك، لكنه أضاف: "صورتنا عن إنسان نياندرتال تتجه بشدة إلى الفترات الباردة".

ووفرة الغذاء العائدة للمناخ الملائم مكّنت هؤلاء البشر من اعتماد أسلوب حياة أكثر استقراراً، في مجموعات أكبر. ولكن لا يزال من الصعب جداً تحديد عددهم بدقة.

على أي حال، أوضحت الدراسة أنّ "عالم إنسان نياندرتال كان شديد التنوع"، وأن هؤلاء البشر "لم يكونوا مجرد عبيد للطبيعة يعتاشون من الأرض". وقال الباحث إنهم "كانوا قادرين على التحكم بمحيطهم، من خلال تأثيرهم الحقيقي على أكبر الحيوانات في العالم في ذلك الزمن".

(فرانس برس)

المساهمون