ليست المرّة الأولى (أوائل هذا الشهر) التي يتوقّف فيها موقع "فيسبوك" عن العمل، لكنّها المرّة الأطول التي يتزامن فيها مع توقّف جميع تطبيقات الشركة. فشركة "فيسبوك" التي يملكها مارك زوكربيرغ، تحتوي مظلّتها على تطبيقات أخرى، أبرزها تطبيق "إنستغرام" وتطبيق "واتساب"، وهي مدار جدال تشريعي في الولايات المتحدة بسبب ذلك.
لكن ما هي مشكلة هذا التوقّف الذي دام لمدّة 6 ساعات؟ باختصار، توقفت أنظمة وبروتوكولات "فيسبوك" عن التحدّث إلى شبكة الإنترنت الأوسع. أوضحت شركة Cloudflare للبنى التحتية للويب أنّ الأمر كان كما لو أن "شخصًا ما سحب الكابلات من مراكز البيانات الخاصة به دفعة واحدة وفصلها عن الإنترنت". بالنسبة لـ"فيسبوك" كان التفسير أكثر تقنية، إذ قالت إن تغييرات التكوين على أجهزة التوجيه الأساسية التي تنسق حركة مرور الشبكة بين مراكز البيانات تسببت في حدوث مشكلات أدت إلى قطع هذا الاتصال. طاول تأثير هذا الانقطاع في الاتصال أبرز ثلاثة تطبيقات لدى "فيسبوك".
لكن وبالرغم من وجود التفسير التقني، انتشرت نظريات عديدة تمّ تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن أسباب الانقطاع، أبرزها الادعاء بأنه تم التخطيط للانقطاع لأن مارك زوكربيرغ يريد الدخول في مجال العملات المشفرة. هذا الادعاء يأتي بعد خطاب ألقاه زوكربيرغ يدافع عن حرية التعبير على وسائل التواصل الاجتماعي، ويتساءل لماذا لم تبدأ الشركة بالعمل فعليًا في الصين. الفيديو الذي تبلغ مدته ثلاث دقائق مليء بالرسومات التي تقول إنّ التطبيقات الثلاثة، أي "إنستغرام" و"واتساب" و"فيسبوك"، تدخل مجال التشفير. وأضاف زوكربيرغ: "للتسريع في عملية التبني الجماعي للعملات المشفرة وعدم الشعور بالأسف عند التوقف الطويل، قررنا إطلاق توزيع 15 ألف بيتكوين و40 ألفا من عملة إيثريوم". لكنّ عملية تدقيق بسيطة قام بها موقع AFWA / India Today Anti Fake News War Room تبيّن أنّ القصاصة الفيروسية هي جزء من خطاب لزوكربيرغ في جامعة جورج تاون بالولايات المتحدة، ألقاه في شهر أكتوبر/تشرين الأوّل 2019. وكان وقتها يتحدّث عن حرية التعبير على وسائل التواصل.
في مقطع الفيديو الفيروسي المفبرك، يمكن رؤية "معهد السياسة والخدمة العامة" مكتوبًا خلف المنصة، حيث يلقي زوكربيرغ خطابه. بمساعدة البحث عن الكلمات الرئيسية، وجد عاملون في موقع AFWA أنّه مركز أكاديمي لجامعة جورج تاون في الولايات المتحدة. بهذا الدليل، تمّ البحث عن خطابات لزوكربيرغ في جامعة جورج تاون ووُجد مقطع فيديو على "يوتيوب" تم تحميله بواسطة وسيلة الإعلام الأميركية CNET في 18 أكتوبر/تشرين الأوّل 2019. عنوان الفيديو هو "خطاب الرئيس التنفيذي لشركة "فيسبوك" مارك زوكربيرغ بالكامل (في جامعة جورج تاون)". نفس الخطاب وجد على صفحة "فيسبوك" الخاصة بزوكربيرغ، المنشورة في 17 أكتوبر/تشرين الأوّل 2019، مع التسمية التوضيحية "Live from Georgetown Standing For Voice and Free Expression". في الخطاب، تحدّث زوكربيرغ بإسهاب عن حرية التعبير على وسائل التواصل الاجتماعي والتحديات التي يواجهونها في دعمها. يشار إلى أنّه منذ انقطاع الخدمة في 4 أكتوبر/تشرين الأول، لم يصدر سوى بيانات على صفحته على "فيسبوك" ولم ينشر بعد بيان فيديو.
ادعاء بأنه تم التخطيط للانقطاع لأن مارك زوكربيرغ يريد الدخول في مجال العملات المشفرة
على الرغم من أن العديد من نظريات المؤامرة مثل الهجمات الإلكترونية تقوم بجولات على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد ألقت باللوم على "تغيير التكوين الخاطئ"، باعتباره السبب الرئيسي وراء انقطاع الخدمة لمدة ست ساعات.
في مقلب آخر، تركزت إحدى أكثر النظريات رواجًا حول اختراق مفترض نتج عنه بيع 1.5 مليار حساب على "فيسبوك" في منتدى قرصنة. في هذا الإصدار، يشير الأشخاص إلى منشور بتاريخ 22 سبتمبر/أيلول من شركة مفترضة تسمى X2Emails والتي لديها "أكثر من 1.5 مليار قاعدة بيانات من قاعدة البيانات هذه على "فيسبوك" تم حذفها هذا العام، و100 بالمائة من رسائل البريد الإلكتروني والهاتف أيضًا، وهي متصلة بطريقة ما بيوم الانقطاع.
نظرية ثالثة تحدّثت عن خلق الشركة نفسها، أي "فيسبوك"، لهذه التوقّفات، لحجب وتخفيف الضغط الذي تواجهه الشركة، خاصة في الولايات المتحدة الأميركية في موضوع سلامة المعلومات والصحة النفسية للمستخدمين (تحديداً التدقيق في إنستغرام). هذا الموضوع كان الشاغل لأيام في الولايات المتحدة الأميركية، خاصة بعد تسريبات أكّدت إبقاء موقع "فيسبوك" على سرية بحث داخلي أجرته الشركة لمدة عامين. نتائج هذا البحث تشير إلى أن تطبيق "إنستغرام" يزيد من احتمالية وفرص خلق مشاكل نفسية في موضوع صورة الجسد عند الفتيات المراهقات، وفقًا لتسريب من شركة التكنولوجيا. منذ عام 2019 على الأقل، كان الموظفون في الشركة يدرسون تأثير منتجهم على الحالة الذهنية للمستخدمين الأصغر سنًا. وجد بحثهم مرارًا وتكرارًا أنه ضار بنسبة كبيرة، وخاصة على الفتيات المراهقات.
وقالت شريحة من عرض تقديمي داخلي في عام 2019، اطلعت عليها صحيفة وول ستريت جورنال: "إننا نجعل مشكلات صورة الجسد أسوأ بالنسبة لواحدة من كل ثلاث فتيات مراهقات". "32% من الفتيات المراهقات قلن إنهنّ عندما يشعرن بالسوء تجاه أجسادهن، فإن "إنستغرام" جعلهن يشعرن بالسوء" هذا ما ورد في عرض تقديمي لاحق في مارس/آذار 2020. وقالت شريحة أخرى: "يلوم المراهقون "إنستغرام" على زيادة معدل القلق والاكتئاب. يتألف البحث من نتائج مجموعات التركيز والاستطلاعات عبر الإنترنت ودراسات اليوميات في 2019 و2020، ويظهر بحث "إنستغرام" لأول مرة مدى وعي الشركة بتأثير منتجها على الصحة العقلية للمراهقين.
لذلك تدعم النظرية الثالثة فكرة خلق مشاكل في التطبيقات كافة لشركة "فيسبوك"، وذلك لتغيير طريقة الحديث عن الشركة ونوعيتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصًا أنّ موقف الشركة محرج جدًا بعد كلام فرانسس هوغن. هوغن التي أطلق عليها لقب "مُسرّبة أخبار فيسبوك"، سرّبت مجموعة كبيرة من المعلومات خلال جلسة استماع لها في الكونغرس الأميركي منذ أيام، وأبرز ما صرّحته هو أنّ "فيسبوك" تعلم أنّ ما تقوم به مضرّ بشكل كبير على الصحة النفسية للصغار، كما أنّه مؤذٍ جدًا لمبدأ الديمقراطية.