أعلنت صحيفة "ليبرتي" اليومية الجزائرية الناطقة بالفرنسية، الخميس، أنها ستتوقف عن الصدور في 14 إبريل/نيسان الحالي، بعد أن قرّر صاحبها رجل الأعمال يسعد ربراب إغلاقها.
وجاء في الصفحة الأولى من الصحيفة التي تحمل شعار "الحق في المعرفة وواجب الإعلام" أنه "بعد 30 عاماً من الوجود، صحيفة ليبرتي تنطفئ". وأفادت الصحيفة بأن قرار الإغلاق اتخذ خلال اجتماع استثنائي للمساهمين الأربعاء.
وجاء في افتتاحيتها بالفرنسية "تُمحى (ليبرتي) من الساحة العامة بجرّة قلم. إنه لأمر مأسوي، لأنه في غضون أيام قليلة فقط سيكون باعة الصحف والقراء والمعلنون، وكذلك مؤسسات الجمهورية، محرومين من صحيفة فرضت نفسها مرجعاً لكل وجهات النظر".
وأصدر مجلس إدارة الصحيفة، الأربعاء، قراراً باستكمال إجراءات حل الشركة في غضون عشرة أيام وتصفيتها وإغلاق صحيفة "ليبرتي" بعد ثلاثة عقود من صدورها، في ضربة موجعة للصحافة المستقلة في الجزائر، وخاصة التي ولدت مع بدايات مرحلة التعددية السياسية في البلاد بداية التسعينيات.
وكان صحافيو "ليبرتي" حاولوا ثني ربراب عن قراره، لكنه أبلغهم أنه "لا رجعة فيه". ووقّع مثقفون وشخصيات جزائرية عريضة تطالب المالك بإعادة النظر في قراره، لكن من دون جدوى.
قرار إغلاق "ليبرتي" كان مفاجئاً، خاصة أنها أطلقت قبل أيام فقط طبعتها الإلكترونية الجديدة. وذكر بيان نشره صحافيو وموظفو المؤسسة الصحافية أن القرار غير مبرر، خاصة أن "خطة إعادة هيكلة الصحيفة واستعادة توازنها التي جرى تنفيذها تضمنت تنفيذ خطة اجتماعية وافتتاح موقع إلكتروني جديد، وعلاوة على ذلك، لا تزال لدى شركة النشر موارد مالية كافية لتمكينها من الاستمرار في الوجود. وعلى الرغم من البيئة المقيدة، فإن ليبرتي لا تزال كشركة وكصحيفة قابلة للحياة، لذلك يبدو قرار إغلاقها غير مفهوم".
وقال الصحافي في "ليبرتي" محمد إيوانوغان متحدثاً لـ"العربي الجديد"، إن "النهاية حزينة بالنسبة لتجربة عريقة كصحيفة ليبرتي. هذه الصحيفة هي ملك للقراء، ولها رصيد مهم، لكن رجل الأعمال ربراب اختار نهاية سيئة، وقراره أناني. إنه وضع مؤسف".
واستنكرت قيادات سياسية قرار إقفال الصحيفة، واعتبرته خسارة كبيرة للصحافة في الجزائر وللقوى التقدمية. واعتبر رئيس "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، محسن بلعباس، قرار إغلاق "ليبرتي" بمثابة "قربان للنظام، لحمله على التراجع عن قرار منع تصدير المنتوجات التي يستورد بلدنا موادها الأولية، والذي يعد قراراً اقتصادياً صائباً"، في إشارة إلى محاولة ربراب، مالك أغلبية الأسهم في الشركة الناشرة لـ"ليبرتي" وأحد أبرز العاملين في مجال الزيت والمنتجات الغذائية، الضغط على السلطات لحملها على السماح له بتصدير منتوجاته إلى عدد من الدول بينها لبنان.
وعبّر "الاتحاد من أجل التغيير والرقي" عن تضامنه مع صحافيي وموظفي "ليبرتي"، ودان قرار الإقفال، وانتقد "محاولة ردع أو كسر الصحافة المستقلة والتعددية الإعلامية".
في الخارج، اعتبر الاتحاد الأوروبي أن "التوقف المعلن لصحيفة ليبرتي اليومية يهدد بمزيد من الحد من حرية التعبير". وأضافت المتحدثة باسم مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أن هذه الصحيفة "من بين وسائل الإعلام الجزائرية التي تحافظ على الحق الفعلي في حرية التعبير".
بدأت "ليبرتي" بالصدور في يونيو/حزيران عام 1992، وتبنت خطاً تقدمياً، خاصة وسط الأزمة الأمنية العصيبة التي شهدتها الجزائر في التسعينيات. وبسبب خطها الافتتاحي المناهض للتيار الإسلامي المتشدد، قتل أربعة من الصحافيين العاملين فيها تصفهم بـ"شهداء الديمقراطية"، كما كانت تعرضت للمنع من الصدور في بعض المرات والمناسبات بسبب مواقفها من السلطة.
يذكر أن الجزائر احتلت المرتبة 146 في نسخة عام 2021 من التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي تعده منظمة "مراسلون بلا حدود". وأشارت المنظمة الحقوقية إلى أن "حرية الإعلام في الجزائر أصبحت مهددة أكثر من أي وقت مضى. ففي سياق أزمة كورونا وتوقف التظاهرات الاحتجاجية الحاشدة التي هزت البلاد منذ فبراير/شباط 2019، استغلت السلطات الوضع لسن قوانين فضفاضة لتشديد قبضتها على حرية الإعلام أكثر فأكثر، وتوالت محاكمات الصحافيين بتهمة تهديد الوحدة الوطنية أو تقويض النظام العام وأمن الدولة، بينما طاولت قرارات الحجب مواقع إخبارية عدة. وأمام هذه الضغوط المتواصلة، بات من المستعصي على الصحافيين ووسائل الإعلام القيام بعملهم. وبينما تتعالى مطالب الجزائريين بتوسيع هامش الحريات، فإن آلة القمع تنهال من دون رحمة على جميع الأصوات المعارضة أو الناقدة".