إغراق نقابة الصحافيين في مصر: "عشوائيات" القيد

03 ديسمبر 2021
الصحف الخاصة باتت تسيطر على النقابة (محمد الراعي/فرانس برس)
+ الخط -

سنوات طويلة قضاها الكثير من الصحافيين المصريين في بلاط صاحبة الجلالة، قبل الحصول على عضوية نقابة الصحافيين التي كانت تمثل حلمًا لأبناء المهنة، نظرًا إلى أنها كانت تتطلب شروطًا صعبة أهمها أن يتأكد مجلس النقابة الذي كان يضم أسماء لامعة في المهنة ولجنة القيد، من أحقيه المتقدمين للحصول على العضوية وممارستهم العمل الصحافي بأصوله المتعارف عليها. هكذا كان الحال منذ عشر سنوات مضت تقريبًا، لكنه اختلف الآن كثيرًا وخصوصًا بعد تنحية ما كان يسمى بـ"تيار الاستقلال" داخل النقابة، وسيطرة المحسوبين على الدولة على مفاصل النقابة، فيما أصبح الحصول على عضوية النقابة يتم بشكل عشوائي وبأعداد كبيرة، على الرغم من إغلاق الكثير من الصحف وتسريح العاملين فيها.

والمعروف أن نقابة الصحافيين المصريين بحسب القانون تشكل لجنة مكونة من ثلاثة أعضاء في مجلس النقابة تسمى "لجنة القيد"، وتكون اللجنة مسؤولة عن فتح باب التقدم للراغبين في الحصول على عضوية النقابة، ثم يتقدم الراغبين بأوراقهم للنقابة، وهذه الأوراق يحددها القانون أيضًا وتشتمل على عقد "موحد" أقرته النقابة، بين الصحافي والمؤسسة التي يعمل بها، إضافةً إلى شهادة بأن الصحافي مؤمن عليه في التأمينات الاجتماعية، وأرشيف يثبت عمله بالصحافة. ويشترط القانون رقم (76) لسنة 1970 الخاص بإنشاء نقابة الصحافيين، لعضوية النقابة أن يكون المتقدم صحافياً محترفاً، وأن يباشر بصفة أساسية ومنتظمة مهنة الصحافة، ويتقاضى عن ذلك أجراً ثابتاً، وألا يباشر مهنة أخرى، وأن يكون قد أمضى مدة التمرين بغير انقطاع، وكان له نشاط صحافي ظاهر خلالها. 

وما فجر أزمة القيد بنقابة الصحافيين أخيراً هو تقدم عدد ضخم للجنة القيد "تحت التمرين" وصل إلى 540 متقدمًا، في ظل وضع تمر به الصحافة والصحف، يراه كثيرون صعبًا، ولا يسمح أصلًا بدخول هذا العدد الكبير إلى النقابة، حيث إن "البطالة" تضرب الوسط الصحافي في مصر، وذلك بسبب إغلاق عدد كبير من الجرائد أبوابها. وبين ما أثار الجدل حول الدفعة الأخيرة المتقدمة للجنة القيد "تحت التمرين" بنقابة الصحافيين، هو وجود النائب محمود بدر مؤسس ما عرف بحركة "تمرد"، والنائبة عن حزب "التجمع" مارسيل سمير، ضمن المتقدمين للجنة، وهما الشخصان اللذان لا تنطبق عليهما الشروط القانونية للالتحاق بالنقابة، بحسب ما ورد في طعن قدمه عضو الجمعية العمومية للنقابة الصحافي ريمون فرنسيس. 

ضغوط من الجرائد الخاصة والشركات المساهمة لقيد صحافييها

يرى نقابي مصري مخضرم، لم يكشف عن اسمه، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ مسألة ضم النقابة لأعضاء جدد دون التدقيق في مؤهلاتهم للعمل بمهنة الصحافة هي عملية "إغراق نقابة الصحافيين بتقييد عشوائي للمتقدمين للحصول على العضوية". ويقول "رغم أن النقابة رفضت قيد متدربين في جرائد كثيرة، لكن موضوع القيد به فوضى كبيرة"، موضحًا أن هناك ضغوطًا من الجرائد الخاصة والشركات المساهمة لقيد الصحافيين العاملين بها، في الوقت الذي تقترب فيه الجرائد القومية من "صفر قيد" لأنها توقفت عن تعيين صحافيين منذ سنوات"، مضيفًا أن "الذين يتقدمون الآن للقيد في نقابة الصحافيين، أغلبهم "عشوائيات" وهناك من يتقدم من أجل الحصول على بدل التدريب والتكنولوجيا (2500 جنيه تمنحها وزارة المالية لكل عضو) وما إلى ذلك من خدمات".

ولم ينكر النقابي المخضرم في الوقت ذاته أن عددًا من أعضاء مجلس النقابة مثل محمد سعد عبد الحفيظ ومحمود كامل، وهشام يونس الذي يراه أكثرهم تشددًا ووعيًا في موضوع القيد وما يحدث فيه، "يحاولون الوقوف بصرامة أمام القيد العشوائي". ويستدرك قائلًا: "طبعاً إذا لم يعترض أحد الأعضاء، وإذا استوفى المتقدم أوراق قيده، فلجنة القيد وعضو مجلس النقابة لا يمكن أن يتجاهلها، ولكن هناك حساسيات خاصة، يجب النظر إليها، في المتقدمين، وفحص موقفهم بشكل دقيق". ويضيف أن "لجنة القيد ليست جزيرة معزولة عن النقابة، ولديها حالات بها طعون واضحة مثل محمود بدر ومارسيل سمير، ونماذج أخرى، ولا تستطيع القول بأن لجنة القيد جمهورية مستقلة لا يستطيع أحد الاقتراب منها، فلو هناك إرادة من أي عضو بالمجلس للاعتراض على هذا فلن يمر ويجب أن يناقش، ولا أحد يستطيع تجاوزه، ولا يمكن لثلاثة أعضاء أن يختطفوا مسألة القيد وينفردوا بها". 

دخول أكثر من 500 شخص إلى نقابة الصحافيين في ظل وضع الصحافة والمؤسسات يضيف مشاكل للنقابة

ويشير النقابي إلى أن عضو مجلس النقابة هشام يونس "كان يراجع كشوف الإنتاج لكل المتقدمين ويدخل إلى الإنترنت ويبحث في كل موضوع قدمه الصحافي، ويتأكد من أنه موضوع صحافي ليس منقولاً من مصادر أخرى ويتأكد من أن الصحافي قام بواجبه في الموضوع، قبل أن يقرر قبوله، لكن الأمر الآن لم يعد كذلك". ويقول "لا بد أن ننتقد أنفسنا. لدينا الآن في مجلس النقابة 4 أعضاء رفضوا رئاسة بعض اللجان من أجل التعبير عن رفضهم لتشكيل هيئة المكتب، ولكن هذا ليس معناه أن تعتزل العمل. يجب على هؤلاء أن يعبروا عن الجمعية العمومية ويضعوا جدول أعمال، فالعمل الحقيقي لمجلس النقابة ليس أن أدير "لجنة نشاط" لكن هو السياسات العامة المتعلقة بأوضاع المهنة والصحافيين. وعضو مجلس النقابة الذي يدير لجنة مثل "الشؤون العربية" أو "الحريات" يتصور أن هذه هو عمله داخل المجلس. يجب فقط أن يكون مشرفًا داخل اللجنة ويجتذب أعضاء من داخل الجمعية العمومية للعمل في تلك اللجنة، لكن طبيعة عمله أن يتحدث عن الحريات والمهنة وبعض المواد في الدستور المجمدة مثل إلغاء الحبس". 

الأعضاء الأربعة المستبعدون من تشكيل هيئة مكتب ولجان مجلس نقابة الصحافيين هم: محمد خراجة ومحمد سعد عبد الحفيظ وهشام يونس ومحمود كامل. ويقول النقابي المخضرم، إنه بالنسبة لموضوع القيد "لو هؤلاء الأربعة اتخذوا موقفًا موحدًا يستطيعون أن يفعلوا الكثير مع اعتراضات أعضاء الجمعية العمومية، ويمكنهم الضغط على النقيب ضياء رشوان ولجنة القيد لأن يتوقفوا عند بعض الحالات التي طعن عليها زملاء ويدرسوها داخل المجلس، وهذا هو الحد الأدنى".  ويضيف أن "القانون يسمح لنقابة الصحافيين بتنقية جداولها. فنحن مهنة الشرط الأساسي لها وعمود الخيمة في القيد هو "الممارسة"، فإذا توقفت ممارسة المهنة فمن حق النقابة أن تراجع مسالة القيد". ويتابع: "في السابق عندما كنت عضوا بالمجلس كان هناك موجات قيد أسوأ أيام أسامة سرايا وإبراهيم نافع، إذ كانوا يدفعون  إلى النقابة بأعضاء ليغيروا تركيبة الجمعية العمومية، فبدلًا من أن تكون الجمعية العمومية 60% منها من ما يسمى بتيار الاستقلال و40% الباقي، كانوا يريدون إدخال العشوائيين لقلب النسبة، ووقتها بدأت موجة دخول من الصحف القومية رهيبة، عبارة عن "سكرتيرات" وأقارب لرؤساء التحرير، أما الآن فما يحدث هو "إغراق النقابة" وأنا اعتبر ما حدث في السابق نقطة في محيط بالنسبة لما يحدث الآن، إذ أصبح القيد يضم في أكثر من 50 بالمائة، صحافيين من الصحف الخاصة". ويوضح أن "موضوع القيد أصبح مشكلة حقيقية في النقابة ويحتاج إلى تركيز ووعي"، مضيفًا أن "لجنة القيد كانت تضم مخضرمين مثل جلال عيسى وجلال عارف وأمينة شفيق ورجائي الميرغني، لديهم خبرات في المهنة وخبرات في العمل النقابي، لكن الآن هناك من بين المسؤولين عن القيد من دخل النقابة من باب خلفي وهو القيد الاستئنافي الذي أصبح أخطر من القيد الطبيعي من خلال لجنة القيد".

 

والقيد الاستئنافي يحدث عندما يرفض طلب القيد في النقابة فيقوم الشخص برفع دعوى في محكمة الاستئناف أمام لجنة اسمها "القيد الاستئنافي" فيها اثنان من أعضاء مجلس النقابة ورئيس محكمة الاستئناف ورئيس النيابة وعضو من هيئة الاستعلامات. وهناك عضو دخل النقابة من لجنة القيد الاستئنافية التي تعد بابًا خلفيًا لدخول نقابة الصحافيين. ويؤكد النقابي المخضرم في حديثه أنّ دخول أكثر من 500 شخص إلى نقابة الصحافيين في ظل وضع الصحافة والمؤسسات الآن، "يضيف مشاكل للنقابة". ويتابع: "يجب أن تقبل النقابة الأعضاء الجدد بضمانات مثل العقد والتأمين، لكن دخول شخص وأنا أعلم أنه سيكون في الشارع بعد فترة من دون عمل، أمر مرفوض لحماية الصحافيين". ويلفت إلى أنه من المفروض أن هناك مبالغ تدفع من المؤسسات للنقابة من أجل صندوق البطالة، إضافة إلى نسبة الـ1% من الإعلان، وهناك ضغط على المؤسسات من أجل الدفع لكن البعض يرفض الدفع. ويوضح: "بدأت بخمسين ألفا وتزيد بنسبة كل سنة، والصحف القومية كانت تدفع خمسين ألفا وممكن الآن تكون 75 ألفا. وبعض مجالس النقابة تتراخى، لكن عندما كنت نقيبًا كنت أجمع من هذه المؤسسات نحو 3 ملايين جنيه في السنة لصالح النقابة. وأمنع القيد إذا لم يدفع". ويتابع: "عندما أقبل العضو في النقابة يترتب على ذلك خدمات سوف أقدمها له، وأنت كمؤسسة إذا لم تقم بدفع التزاماتك فلن أقبل المتقدم من قبلك. وأموال الإعلانات لم تدفع من 2008، والبعض يلجأ لحيلة أنه يجمع هذه الأموال من المتدربين".

القيد الاستئنافي أصبح يشكل خطورة في نقابة الصحافيين

تنصّ المادة "22" من لائحة القيد بنقابة الصحافيين على أن: "التفرغ للعمل الصحافي شرط من شروط اكتساب العضوية واستمرارها. ويعتبر العمل في الإعلانات، أو الاشتغال بأعمال إدارية أو غير صحافية في المؤسسة، من الأسباب التي تفقد العضو شرطاً من شروط العضوية العاملة، وكذلك العمل بأجر لدى الوزرات والمؤسسات العامة والخاصة بما يؤثر على طبيعة عمل الصحافي وما تستلزمه من موضوعية والتزام بأخلاقيات المهنة وقواعدها، وابتعاد عن إقامة أي تعاملات مع مصادر الأخبار". هذه الشروط يرى عضو الجمعية العمومية ريمون فرنسيس أنها لا تنطبق مثلاً على النائب محمود بدر وسكرتيرة رئيس حزب التجمع السابقة والنائبة الحالية مارسيل سمير المتقدمين للجنة القيد بنقابة الصحافيين، ويرى أن هناك مخالفة من ناحية أخرى لأن عضو البرلمان يجب أن يكون متفرغاً. 

عضو سابق بمجلس نقابة الصحافيين، لم يكشف عن اسمه، يقول لـ"العربي الجديد": "هناك فوضى كبيرة في مسألة القيد الآن. وهناك صحف تطرد الصحافيين مثل "المصري اليوم"، وهناك صحف أخرى لا تجد ما تنشره، وصحافيون لا يجدون ما يكتبونه، فمن أين أتى هذا العدد الكبير المتقدم للجنة القيد". ويضيف العضو السابق أن "هناك صحيفة تحصل على 70 ألف جنيه من كل شخص يرغب في الحصول على عضوية نقابة الصحافيين"، مستغرباً أن يكون هناك أكثر من 20 شخصاً متقدمين للحصول على عضوية نقابة الصحافيين قادمين من جريدة "الطريق" المملوكة لرجل الأعمال مدحت بركات الذي قضت محكمة جنح الدقي، في 18 فبراير/ شباط 2017، بتأييد الحكم الصادر ضده بالحبس 3 سنوات، لاتهامه بالنصب. مضيفاً أن "الصحافيين عادة ما يكونون الحلقة الأضعف، فهم يرغبون بشدة في دخول النقابة، لكن المؤسسات التي يعملون بها غالباً ما تستغلهم".

المساهمون