إعلام العدو المضلّل ومحاولات خلق واقع مزيّف وكاذب

15 نوفمبر 2023
يتعمّد الاحتلال اجتزاء الصور والمقاطع من سياقها (Getty)
+ الخط -

تمارس آلة الدعاية الإسرائيلية "حرب محتوى" على الصور والمقاطع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بالتزامن مع عدوان الاحتلال على غزة. ويتعمّد الاحتلال وصفحاته في الإنترنت، والمنحازون إلى صفه، اجتزاء الصور والمقاطع ووضعها في سياق كاذب لمحاولة طمس جرائمه.
من أشهر الأمثلة على هذا الاجتزاء من السياق، مقطع فيديو يعرض كواليس فيلم قصير، إذ يحصل الممثلون على التوجيهات، ويضعون الماكياج، ويبتسمون للكاميرا. يروّج الاحتلال مزاعم، بأن الفيديو دليل على أن الفلسطينيين يبذلون جهوداً غير عادية لفبركة ضحايا الحرب على غزة.
ادعاء تؤكد وكالة الصحافة الأسترالية المتحدة (AAP) أنه كاذب، وأن الفيديو لا يعدو كونه يظهر لقطات إنتاج فيلم لبناني قصير عن الحرب في فلسطين. الفيلم الأصلي لهذه اللقطات يحمل عنوان "الواقع"، وهو عبارة عن قصة سوريالية مدتها 45 ثانية، مع سرد باللغة الإنكليزية، يتناول الموت والدمار الذي سببته الحرب. في نهاية الفيلم، تَظهر فتاة صغيرة وجهها ملطخ بالدماء على نقالة.
تقول الوكالة إنه لا يمكن الخلط بين النسخة النهائية للفيلم، ولقطات حرب حقيقية، وليس هناك ما يشير إلى أن المبدعين حاولوا خداع الناس للاعتقاد بأنها كانت أي شيء آخر غير قصة قصيرة خيالية.
وانتشرت الادعاءات الفعلية أو الضمنية، بأن المشاهد هي لفيلم دعائي أنتجته حركة حماس على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي طوال أوائل شهر نوفمبر/تشرين الثاني الحالي. 
وشارك اللقطات المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أوفير جندلمان، الذي روّج بالمثل إلى أن الفلسطينيين يفبركون مقاطع حربية مزيفة.
وكتب حينها عبر حسابه في "إكس": "الفلسطينيون يخدعون وسائل الإعلام الدولية والرأي العام"، مضيفاً: "انظروا بأنفسكم كيف يتظاهرون بالإصابات (...) كل ذلك أمام الكاميرات".
وفي حرب المحتوى المضلل، يستخدم معسكر الاحتلال في مواقع التواصل تسمية "باليوود"، وهي مزيج من كلمتي "فلسطين" و"هوليوود" بالإنكليزية، التي تتقصّد الإشارة إلى أن الفلسطينيين، يتظاهرون بأنهم مصابون أو موتى.
الادعاء يقول إن اللقطات تظهر فلسطينيين وهم يتظاهرون بإصابات الحرب، قد فضحته في مناسبات عدة منظمات التحقق من المعلومات. 
أحد الأمثلة الشهيرة، ادعاء أن قناة الجزيرة تفبرك وفيات الشهداء الفلسطينيين في غزة، وتداولت مقطعاً لأشخاص أحياء مستلقين على الأرض يحاكون الجثث. وكجزء من حرب المحتوى هذه، ادعى الناشرون أن هذه اللقطات هي في سياق العدوان ومحاولة من القناة لفبركة ضحايا للعدوان، لكن سياقها الحقيقي هو احتجاج يعود إلى القاهرة في 2013. 
وأكّد فريق التحقق من الأخبار في وكالة رويترز للأنباء، أن الفيديو في الحقيقة مأخوذ من مقطع مدته دقيقتان، نشرته جريدة البديل المصرية في "يوتيوب" في 2013، يظهر احتجاجاً ضد الجيش والشرطة نظّمه طلاب جامعة الأزهر في القاهرة.
ونشر حساب مقطع فيديو يتّهم الفلسطينيين بتنظيم جنازة وهمية، يصوّر مجموعة من الأشخاص يحملون جثة، لكن عند سماع صوت صفارات الإنذار، يهربون تاركين "الممثل" في منتصف الطريق، والذي سيركض لاحقاً للاختباء مع الآخرين. 
وهو مقطع علّق عليه السفير الإسرائيلي في رومانيا، ديفيد سارانجا، الذي كتب: "لا تثق في كل ما يعرضه الإعلام الفلسطيني، بعضهم يمشي وهو ميت"، في إشارة إلى مقطع الجنازة الوهمية.
وأكد موقع مسبار، أن سياق الفيديو ليس حرب غزة الحالية، بل صُوّر في الأردن في سياق حيلة ابتكرها شبان أردنيون لمغادرة المنزل، متظاهرين بجنازة، خلال فترة الحظر بسبب تفشي جائحة كورونا.
تستغل أداة التضليل الإسرائيلية منشورات عربية تقع في فخ اجتزاء الصور والمقاطع من سياقها، ثم تعيد آلة دعاية الاحتلال نشرها خدمة لسرديتها.
وتداولت الحسابات العربية منشورات لصور أطفال، هم عبارة عن عارضي أزياء من العالم على أنهم استشهدوا، أو صور أطفال فقدوا عائلاتهم في القصف في سورية على أنهم من غزة، من دون التأكد من مصدر الصور وصحتها.
وجاء في "مسبار": "هناك من يفعل ذلك عن حسن نية، لكن الأمر في النهاية مُسيء للقضية ككل، من يروّج هذا الوسم (باليوود) يريد القول إنّ بقية الضحايا والصور ومقاطع الفيديو أيضاً مفبركة ولا ينبغي تصديقها".
ويشار إلى أن "مسبار" غطى عشرات الصور ومقاطع الفيديو التي نُسبت إلى فلسطين والعدوان الأخير في قطاع غزة، وهي مضللة، وبعضها مفبرك.
ويعمد الاحتلال إلى الترويج لدعايته مستخدماً المؤثرين حول العالم، من خلال إغرائهم أو حتى التوسّل بهم. في المقابل، تشنّ الآلة الدعائية الإسرائيلية هجمات شرسة على كل مؤثر أو شخصية مشهورة تتضامن مع فلسطين، والتهمة جاهزة: معاداة السامية.

وبالتزامن مع الضغط والترويج والتخويف في الإنترنت، تبدو واضحةً سيطرة السردية الإسرائيلية على تغطية وسائل الإعلام حول العالم، من أميركا إلى الهند، مروراً بدول كثيرة. 
كذلك، يعمد الإعلام المنحاز لإسرائيل إلى نزع الإنسانية عن الفلسطينيين، من خلال التقليل من مشاهد المصابين والقتلى، وعدم عرض قصصهم الإنسانية، والاكتفاء بسردهم كأرقام أو عرض صور مبانٍ مدمرة خالية من الناس كأنها جماد.
كل هذا يسير بالتزامن مع قطع الإنترنت والاتصالات في قطاع غزة، حتى لا تخرج معلومة أو صورة من القطاع حول جرائم الاحتلال قدر الإمكان.
يمنع الاحتلال الصحافة الدولية من الوصول إلى غزة، ويرهبهم بالقول صراحة إن سلامتهم غير مضمونة إذا ما غطوا العدوان في القطاع.

المساهمون