"حدث خطير"... هكذا وصف المعلق العسكري لقناة 13 الإسرائيلية، أورن هيلر، الاعتداء الإرهابي الذي نفذته مجموعة من المستوطنين في بلدة برقة، شرق رام الله، قبل أسبوعين، والذي انتهى باستشهاد الشاب الفلسطيني قصي معطان. وتجنب هيلر في تقريره المطول وصف الاعتداء بالجريمة أو العمل الإرهابي، وهما من الأوصاف التي تخلعها وسائل الإعلام الإسرائيلية عادة على عمليات المقاومة التي ينفذها الفلسطينيون.
وقد أبدت وسائل إعلام إسرائيلية اهتماماً ما بالاعتداء الإرهابي الذي نفذه المستوطنون في برقة، بعدما تبين مَن قاده هو إليشيع يارد، الناشط البارز في حركة القوة اليهودية التي يقودها وزير الأمن في حكومة الاحتلال إيتمار بن غفير. لكنها تجاهلت أغلبية الجرائم التي نفذها المستوطنون وجنود الاحتلال، والتي أسفرت منذ بداية العام الحالي عن 186 شهيداً و6813 جريحاً، فضلاً عن تدمير 626 منزلاً.
وتعد تغطية مقتل الشاب قصي معطان على يد المستوطنين اليهود مثالاً كلاسيكياً على آليات تعامل الإعلام الإسرائيلي مع الرواية الإسرائيلية الرسمية ورواية المستوطنين، إذ قدم الاعتداء كأنه نتاج "شجار" بين مستوطنين وفلسطينيين. وتجاهلت وسائل الإعلام حقيقة أن الاعتداء وقع في قلب أراضي البلدة الفلسطينية، وأن المعتدين من المستوطنين المدججين بالسلاح قطعوا مسافة طويلة حتى وصلوا إلى البلدة بهدف تنفيذ الاعتداء.
في الوقت نفسه، فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية، في كثير من الأحيان، تتبنى روايات المستوطنين التي يستندون إليها لتبرير إرهابهم. وإن كان العالم بأسره قد شاهد الفظائع التي ارتكبها المستوطنون اليهود في بلدة حوارة في فبراير/ شباط الماضي، حيث أصابوا 98 فلسطينياً، وأحرقوا 20 منزلاً، وأتلفوا عشرات السيارات، وأعاقوا وصول الإسعاف لنقل الجرحى، فقد عرضت معظم قنوات التلفزة والصحف الإسرائيلية هذه الجريمة بوصفها "رداً انتقامياً" على عملية للمقاومة نفذت في محيط البلدة.
وأثارت ازدواجية المعايير هذه لدى وسائل الإعلام الإسرائيلية نقاشاً حول السياسات التحريرية المتبعة في إعداد التقارير المتعلقة بإرهاب المستوطنين وعمليات المقاومة. ففي حين تستخدم وسائل الإعلام الإسرائيلية أسلوب المبني للمجهول عند نشر أو إذاعة خبر استشهاد فلسطيني برصاص المستوطنين أو جيش الاحتلال، بهدف عدم إبراز الطرف الذي يقف خلف الجريمة، فإنها تستخدم أسلوب المبني للمعلوم في الإشارة إلى عمليات المقاومة التي تنتهي بمقتل مستوطنين وجنود للاحتلال. وفي كثير من الأحيان تتعامل وسائل الإعلام مع ضحايا إرهاب المستوطنين من الفلسطينيين كأرقام، من دون ذكر أسماء أو تفاصيل تتعلق بخلفياتهم الشخصية، إلا في حالات نادرة.
في المقابل، تنشر وتبث تقارير مفصلة حول قتلى المستوطنين والجنود، وضمنها تقارير حول خلفيات القتلى الشخصية، ناهيك عن بث مقابلات مع ذويهم وأصدقائهم وعرض تقارير عن الجنازات التي تنظم لهم.
إلى جانب ذلك، فإن وسائل الإعلام تغض الطرف عن إسهام جيش الاحتلال في توفير بيئة تسمح للمستوطنين بتنفيذ اعتداءاتهم ضد الفلسطينيين، فهو الولاية القانونية والأمنية في الضفة الغربية المحتلة. وفي تناولها لمسألة تدشين المستوطنين بؤراً استيطانية على الأراضي الفلسطينية، بررت قناة 12 ذلك بـ"عجز" الجيش عن منعهم. فجيش الاحتلال الذي يشن حملات وعمليات عسكرية في المدن والبلدات ومخيمات اللاجئين الفلسطينية في الضفة يقتل فيها المئات، يُبرر عدم منعه سطو المستوطنين على الأراضي الفلسطينية وتدشين بؤر استيطانية عليها بـ"العجز".
لكن، و كما قال أستاذ الدراسات الشرقية في جامعة أرئيل، جادي حيطمان، في مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرنوت الأسبوع الماضي، فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية تتجاهل اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين لأنها "لا تبدي اهتماماً بحياة الفلسطينيين".
وقد كان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إيهود أولمرت، واضحاً في المقابلة التي أجرتها معه أخيراً قناة "ديموكرات تي في"، عندما اتهم وسائل الإعلام بالتعاون مع المستوطنين، وبالعمل على التغطية على الجرائم التي يرتكبها هؤلاء ضد الفلسطينيين.
ويرى رجل الاستخبارات الإسرائيلي السابق، شموئيل مئير، أن وسائل الإعلام الإسرائيلية تلعب دوراً رئيساً في "هندسة الوعي الجمعي" الإسرائيلي، لكي يتوافق مع الروايات التي يطرحها المستوطنون لتسويغ اعتداءاتهم. وجزم، في تغريدة له، بأن الإعلام الإسرائيلي يتبنى "الرواية المؤسساتية" الصادرة عن دوائر الحكم، في كل ما يتعلق بالشأن الفلسطيني، وضمن ذلك ما يجري في الضفة الغربية من اعتداءات للمستوطنين اليهود على الفلسطينيين.
وفي المقابل، فإن المستوطنين اليهود وممثليهم السياسيين يقيمون الدنيا ولا يقعدونها عندما يتعرض بعض المعلقين في قنوات التلفزة والصحف لجرائمهم. فمطلع الأسبوع الحالي، طالب ممثلو المستوطنين اليهود إدارة قناة 12 بفصل محمد مجادلة، وهو معلّق في القناة، بعد أن دلل، خلال مشاركته في برنامج "استوديو السبت"، على جرائم عناصر التنظيم الإرهابي اليهودي "فتية التلال" الذي يتولى مهمة السطو على الأراضي الفلسطينية الخاصة وطرد أصحابها منها وبناء بؤر استيطانية عليها.
من ناحيته، توقع الكاتب الإسرائيلي، يريف أوفهايمر، أن يتعاظم ميل وسائل الإعلام للتوافق مع الرواية الرسمية ورواية المستوطنين في المستقبل، بفعل طرح الحكومة خطة التعديلات القضائية التي تساعدها في إحكام قبضتها على المؤسسات الإعلامية.