إسرائيل تموّل التطرف تحت عنوان "الثقافة اليهودية"

08 أكتوبر 2023
تركيز على صغار السن (ليور مزراحي/Getty)
+ الخط -

أولت إسرائيل، خلال العقد الأخير، تحت تأثير قوى اليمين الديني، اهتماماً واسعاً بنشر ما تطلق عليه حكوماتها "الثقافة اليهودية"، والهادفة بشكل أساس إلى تغليب المضامين اليهودية الدينية، في نسختها الأكثر تطرفاً، على الوعي الإسرائيلي، سواء على صعيد المجتمع والفرد.

ونظراً لأن النفوذ الذي تحظى به قوى اليمين الديني المتطرف في حكومة بنيامين نتنياهو الحالية غير مسبوق، فإنها لم تحرص فقط على زيادة الموازنات المخصصة لـ"الثقافة اليهودية"، بل لأنها وجهت معظم هذه الموازنات إلى وزارات ومؤسسات يقودها أشخاص ينتمون إلى حركات دينية، تتحمس للإكراه الديني، وتتبنى مواقف بالغة التطرف من قضايا سياسية واجتماعية.

وحسب تقرير نشرته صحيفة كلكليست الاقتصادية، فإن إجمالي الموازنات التي خصصت لدعم وتجذير "الثقافة اليهودية" تصل إلى مليارات عدة من الشواكل. وللتدليل على طابع الأجندة التي توجه الوزراء والنواب المسؤولين عن تخصيص الموازنات المتعلقة بدعم "الثقافة اليهودية"، أشارت الصحيفة إلى أن هؤلاء المسؤولين يجاهرون بأن هدفهم الرئيس تجذير الوعي الديني لدى الإسرائيليين، وتحديداً النشء.

واقتبست الصحيفة عن النائب عن حركة "يهدوت هتوراة" الدينية المشاركة في الائتلاف، إسحق بندروس، قوله في المداولات التي شهدها الكنيست أخيراً، قبيل إقرار تخصيص 200 مليون شيكل كمبلغ إضافي لموازنة "الثقافة اليهودية": "كم طفل في مؤسساتنا التعليمية يعرف النص التوراتي شماع يسرائيل (صلاة يهودية)؟ كم منهم يعرف من كان نبينا موسى؟".

ويتضح من ما ذكرته الصحيفة أن المؤسسات القائمة على تنفيذ البرامج المتعلقة بنشر "الثقافة اليهودية" تتعاون مع منظمات دينية تتبنى أجندة الإكراه الديني، مثل العمل على تحويل العلمانيين إلى متدينين، واستهداف المثليين، وفرض مظاهر التدين في الفضاء العام. ولفتت الصحيفة إلى أن الموازنات المخصصة للثقافة اليهودية تتعاظم باستمرار، لأن الوزراء والنواب يواصلون الزعم بأن تجذير الشعور بالهوية اليهودية يتطلب تخصيص مزيد من الموارد المادية لإنجاز المهمة.

المفارقة، كما أشارت الصحيفة، تكمن في حقيقة أنه كلما تعاظم الإنفاق على تمويل مناشط "الثقافة اليهودية" اكتشف الوزراء والنواب الذين يحددون الموازنات المتعلقة بها أن النشء اليهودي يعاني من "جهل" بالقيم اليهودية. ليس هذا فحسب، بل إن الصحيفة لفتت الأنظار إلى أن كل حزب يشارك في الحكومة الحالية تمكن من تضمين الاتفاقات الائتلافية، التي على أساسها تشكلت الحكومة، بنداً ينص على تخصيص موازنة لدعم "الثقافة اليهودية" تشرف عليها الوزارات التي يسيطر عليها هذا الحزب تحديداً، مما أفضى إلى اضطلاع العديد من الوزارات والمؤسسات بمهمة نشر "الثقافة اليهودية".

وحسب الصحيفة، فإن هذا ما أفضى إلى أن تضطلع خمس وزارات بإدارة الموازنات المخصصة لـ"الثقافة اليهودية"، إذ تحول هذه الوزارات بدورها بعض الموازنات إلى منظمات دينية غير مرتبطة بالحكومة، لتنفيذ برامج تهدف إلى تعزيز الثقافة اليهودية. على سبيل المثال دشنت الحكومة الحالية "مديريات" عدة لتعزيز الثقافة اليهودية تحمل اسم "مديرية الهوية اليهودية" تتبع كل منها حركة دينية مشاركة في الائتلاف الحاكم.

ولاحظت الصحيفة أن النخب السياسية في الأحزاب الدينية تبدي كل هذا الحرص على الاهتمام بقضية "الثقافة اليهودية" كأداة لتحسين مكانتها أمام الجمهور بهدف مراكمة نفوذ وتأييد جماهيري.

وقد خصصت الحكومة مبلغ 120 مليون شيكل لـ"مديرية الهوية اليهودية" التي يرأسها نائب الوزير آفي معوز، رئيس حزب "نوعم" الديني المتطرف. وقد خولت الحكومة معوز ومديريته بإعداد برامج لتعزيز الهوية الثقافية لدى طلاب المدارس الإسرائيلية، وتحديداً العلمانية منها. المفارقة أن معوز يجاهر بتبني مواقف مثيرة للجدل في إسرائيل، حيث يرفض بشكل مطلق منح المثليين الحق بالتعبير عن أنفسهم، وطالب بإلغاء مسيراتهم، فضلاً عن أنه يعادي "الحضارة الغربية"، مما دفعه إلى المطالبة بإلغاء 3 آلاف برنامج ضمن البرامج غير المنهاجية في المدارس، بزعم أن جهات خارجية غربية أسهمت في فرضها. إلى جانب ذلك، فإن معوز من المتحمسين لتقليص حضور النساء في الفضاء العام.

وضمن الوزارات التي حصلت على موازنة لتدشين "مديرية الهوية اليهودية"، كما أشارت الصحيفة، وزارة "التراث" التي يقودها الحاخام عميحاي إلياهو، القيادي في حركة "القوة اليهودية" المتطرفة التي يرأسها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير.

ويشار إلى أن تحقيقاً بثته قناة "12" قبل شهرين، دلل على أن وزارة "التراث" تتعاون مع حركات "الهيكل" التي تطالب بتدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل على أنقاضه، وضمن ذلك إسهام الوزارة في جلب أربع أبقار حمراء من ولاية تكساس الأميركية، بهدف اختبار إحداها، لفحص ما إذا كان تنطبق عليها "الشروط الشرعية" لاستخدام دمائها في تطهير المسجد الأقصى قبل بناء الهيكل على أنقاضه.

كذلك خصصت الحكومة لوزارة "المهام القومية" التي تقودها أوريت ستروك، القيادية في حركة "الصهيونية الدينية" المتطرفة، مليار شيكل لتنفيذ برامج لتعزيز "الثقافة اليهودية" من خلال تدشين "مديرية الهوية اليهودية". ويشار إلى أن ستروك تتباهى بأن لديها 11 ولداً، وتجاهر بحماسها لضم الضفة الغربية، ورفضت فكرة التطبيع مع السعودية، قائلة: "لا حاجة للاتفاق مع السعودية ما دام لنا عقد من الرب".

وتحوز وزارة "القدس والتقاليد" التي يقودها الحاخام مئير بورش، من حركة "يهدوت هتوراة" الدينية الحريدية، على "مديرية هوية يهودية" خاصة بها. وهذا ينطبق أيضاً على وزارة "الخدمات الدينية" التابعة لحركة "شاس" الدينية الحريدية، التي تدير أيضاً "مديرية هوية يهودية" مستقلة.

وتعمل الحكومة على تعزيز منظومة القيم الدينية بوصفها مكوناً من مكونات الثقافة اليهودية بشكل غير مباشر. فقد ذكرت صحيفة ذا ماركر أن الحكومة خصصت 650 ألف شيكل للمجالس الدينية في المدن المختلفة، من أجل شراء سكريات لتشجيع الأطفال على التوجه إلى الكنس.

إلى جانب ذلك، تمنح بعض المؤسسات الرسمية جهات متطرفة الفرصة للتأثير على التوجهات الثقافية للمنتسبين لها. فعلى سبيل المثال، يسمح الجيش لمنظمات دينية متطرفة وحاخامات بإلقاء الدروس والمواعظ الدينية أمام الضباط والجنود في القواعد العسكرية. وحسب ما ذكرته صحيفة هآرتس، فإن الحاخامية العسكرية، التي تشرف على تقديم الخدمات الدينية للجنود، تضم فرعاً يطلق عليه "قسم الوعي اليهودي"، يهدف إلى تثقيف الجنود على القيم الدينية اليهودية. ويمنح قسم "الوعي اليهودي" الفرصة لمنظمات دينية متطرفة وحاخامات من خارج الجيش بإلقاء الدروس والمواعظ الدينية أمام الجنود والمجندات.

المساهمون