إسرائيل تحرق الخيام... إسرائيل تحرق العالم

29 مايو 2024
طفل يحاول إخماد النار في رفح (محمد سالم / رويترز)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الخيمة في السياق الفلسطيني ترمز للصمود والمعاناة أمام الاحتلال، معبرة عن الأزمة الإنسانية المتفاقمة في المنطقة العربية، خصوصًا بعد 2011.
- الاستهداف الإسرائيلي للخيام في رفح يكشف عن نية إبادة الفلسطينيين، متجاهلاً القانون الدولي ومؤكدًا على استمرار الإبادة الجماعية.
- الدمار الذي تخلفه الغارات الإسرائيلية يهدد الحياة بكل أشكالها، معكسًا أزمة إنسانية عميقة وجريمة ضد الإنسانية والعالم بأسره.

لا تخلو الأدبيات السياسية والعلوم الإنسانيّة من مصطلحات على شاكلة "العالم بوصفه خيمةً" أو "العالم مخيّم كبير"، فضلاً عن الخيمة الفلسطينية التي تحولت إلى رمز لا يمكن تجاهله، خصوصاً في المنطقة العربية التي تكاثرت فيها المخيمات، منذ مطلع الألفية الثانيّة، وتضاعفت أعدادها منذ عام 2011.
يمكن القول إن الخيمة ترمز إلى العنف الشديد المطبق على الأجساد، تلك التي فقدت المنزل والأرض، مساحة الأمان والحميميّة. العالم بوصفه خيمةً يمثّل علامة على الانتهاك الشديد على المستويين المادي والرمزي، ذاك الذي يختبره الفلسطينيون منذ 76 عاماً.
ضمن الفرضية السابقة، يظهر استهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي لمجموعة من الخيام في رفح، الذي أودى بحياة أكثر من 40 فلسطينياً، أشبه برسالة واضحة لا شكّ فيها. لا بيت ولا خيمة يمكن أن يشفعا للغزيّ. المجزرة التي ارتكبت في أقل من نصف ساعة، وصفها محامي الجيش الإسرائيلي بـ"الحادث المريع". إنه "حادثٌ" تزامن مع قرار محكمة العدل الدوليّة بوقف العملية العسكريّة في رفح "فوراً".
الاستهداف المباشر للمخيم، يُقرأ على عدة مستويات، هو تأكيد الإبادة الجماعية بوصفها جهداً مستمرّاً عبر الزمن، فالهدف هو الأجساد نفسها، ونفيها من كل مساحات الحياة، مهما كانت هشة كحالة المخيم، فضلاً عن أن هذا الاستهداف نفسه لا يمكن وصفه بأقل من "بصقة" في وجه القانون الدولي ومؤسساته. ببساطة، ما من قوة قادرة على إيقاف ماكينة القتل. الاستهداف يعني أيضاً أن لا مساحة آمنة. كل الخرائط والمربعات والتقسيمات التي يبثها جيش الاحتلال الإسرائيلي محض هراء... الغزيّ أينما كان هو مشروع قتيل .
مرعبة الصور التي انتشرت بعد الغارة الإسرائيلية؛ لا نرى حطاماً... كل شيء رماد. الحريق ينفي الآثار لتغدو كلّها رماداً. أجساد وذكريات وما تبقى من ممتلكات للنازحين، أضحت غباراً خانقاً.
احتراق المخيم، أي مخيم، هو قتل لآخر رمق للحياة. وهذا بالضبط ما يجعل من الإبادة تستحق وصف "أم الجرائم"... و"جريمة الجرائم" ليست إلا قتلاً يمتد عبر المكان والزمن. لا وضعية محددة للغزيّ يمكن أن يتخذها كي يكون محمياً أو على الأقل بعيداً عن ماكينة الإبادة. الهدف هو نفي الحياة واحتمالاتها.
الحياة التي نتحدث عنها هنا لا نعني بها Life/vie ، بل نشير إلى المعنى اليوناني، Zoe، وهي كل أشكال الحياة لدى البشر والكائنات، وأحياناً الجمادات، كالمكان والأغراض العاطفية، تلك التي حملها معهم الغزيون كآخر علامة على هوياتهم ومنازلهم التي قصفت، تلك التي حين نتأمل بالصور نكتشف بين الرماد الأسود ألواناً، كالأخضر أو الوردي الفاقع، ربما هي علب طعام، أو لعبة أطفال، لكن الأكثر لفتاً للنظر والسؤال الذي لا يمكن تفاديه: بأي مياه أطفئت الحرائق؟
بعيداً عن جهود الإطفاء في إحدى الصور، نشاهد طفلاً يرمي الماء على الحريق، لون الماء أصفر مائل إلى البنيّ. أي ماء هو هذا، لا نعلم بدقة إن كان ماء شرب، ولا نعلم في ظل شح المياه وتلوثه، هل خاطر سكان الخيام بمياه الشرب لإطفاء الحريق أم لا. لكن لون المياه نفسه لا يمكن تجاهله. ما مصدرها؟ ما شدة التلوث الذي تعرضت إليه لتكسب هذا اللون؟ وهنا بالضبط يظهر أثر الإبادة، كل مصادر الحياة ملوثة ومهددة، بل يُترك الغزي، ضحية الإبادة، أمام سؤال: هل أطفئ الحريق بمياه ملوثة أم أحفظها لاحقاً للشرب؟
إن كانت الإبادة الجماعية جريمة ضد الإنسانيّة، فإحراق الخيام هو جريمة ضد "العالم" بأكمله بالمعنى السياسي. هو علامة على أن لا أرض تصلح للاختباء أو حفظ ما تبقى من حياة. خيام تُحرق في غزة، خيام تدمر في الجامعات، خيام تغرق إثر المطر، وكأننا في عالم وصل إلى حدّ حرمان أحدهم حتى من الخيمة، ولا مساحة سوى القبر الجماعي للفرار.

يذكر أن حصيلة الشهداء في قطاع غزة ارتفعت إلى 36050 شهيداً منذ بدء الحرب، بحسب وزارة الصحة التي أشارت إلى أنه "وصل للمستشفيات 66 شهيداً و383 إصابة" خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة حتى صباح الاثنين.

المساهمون