إدريس الروخ: "صارمٌ مع نفسي قبل أي أحد"

12 سبتمبر 2021
الروخ: "منذ خضت الإخراج، عبر المسرح، تعرفت إلى أسراره" (جلال مرشدي/ الأناضول)
+ الخط -

 

حجم الأدوار التي لعبها الممثّل والمخرج التلفزيوني إدريس الروخ، داخل الشاشة الصغيرة، تجعله في طليعة الفنانين المغاربة الذين حظوا باحترام الجمهور لسنوات. وعلى الرغم من النقد الذي وُجّه له، بسبب مسلسله "بنات العساس" (2021)، الذي حظي بأعلى نسبة مُشاهدة في الأشهر القليلة الماضية في المغرب، إلا أن تعدّد الفنّان في ذاته قاده دوماً إلى البحث عن مواطن الإبداع بين المسرح والسينما والتلفزيون، وإنْ كانت قدرته على التمثيل أكبر.

والحقيقة أن الروخ بذل مجهوداً في مسلسله "بنات العساس" على مستوى اشتباكه مع الواقع المغربي وما يحبل به من أهوال، ما جعله يجترح صورة تلفزيونية، لا تنأى بمُنطلقاتها وجماليّاتها وشخصياتها عن قاع المجتمع الذي نعيش فيه. قدرة سردية مُذهلة، يُغذّيها بعمق بصريّ يرتكز على تأطير الصور وجعلها تستوطن كيّان المُشاهد.

كيف تصف تجربة الإخراج في "بنات العساس"؟

علاقتي بالإخراج مركبة، فيها الكثير من الانشغال والاهتمام بالمحتوى. ولم تأت التجربة لتملأ سطراً، بل لتكتب مرحلة مهمة في حياتي، بكل أبجديات اللغة البصريّة وتراكيبها. إنها رغبة في جعل الحلم واقعاً، وإنتاج صور ولقطات ومشاهد بأحاسيس قوية تنتشر هنا وهناك. منذ خضت الإخراج، عن طريق المسرح، تعرفت إلى أسراره، إذ علمني كيف أتغلب على ضعفي، وكيف أجابه المستحيل لتطويعه. ومسلسلي "بنات العساس" كان ذلك الحلم الذي جعلته واقعاً يصل للجماهير بمحبة وصدق.

كيف تستطيع التوفيق بين التمثيل والإخراج؟

المسألة غير مُعقّدة، وليست صعبة بالدرجة التي قد توحي بها. لأنّي ممثل، أعشق تقمّص الأدوار الصعبة والمُركّبة، وأعطيها الوقت، لكي أشتغل بأريحية على تلوينها وتكوينها وتقوية مشاعرها. وإن حدث واشتغلت في عمل تلفزيوني من إخراجي، أكون مُلمّاً بتفاصيل الأداء أكثر فأكثر، لأنّ ذلك يتماشى وقناعاتي الشخصية. لأنّ ايماني بخلق عالم مركب وقويّ يدفعني لأن أكون صارماً مع ذاتي قبل أي أحد.

من هذا المنطلق، كيف تأتى لك التفكير في تأليف مسلسل تلفزيوني بعد سنوات طويلة من العمل داخل جملة من الأعمال السينمائية والتلفزيونية العالمية؟

التفكير في عمل مميّز ومختلف وعميق قادر على دخول قلوب الجماهير يتطلّب آليات إنتاج عمل درامي أو كوميدي يراعي الجودة والخلق والإبداع، وفي طليعتها فكرة مختلفة يسهر على ديباجتها وخلق عوالمها كاتب بخيال خصب، وبنفس مستفيض، وبرغبة في التنوّع وحبكة مواضيع قريبة من تساؤلات الآخر. السيناريو المشغول بحرفية عالية وتجربة ميدانية وبلاغة تخيليّة يكون الأصدق. وحتى أتمكّن من تقديمه إلى الجمهور، ينبغي أنْ يكون هناك إنتاج ذكي، ومنشغل بهموم العمل، ومتفتّح على متطلبات الإبداع، وقادر على مسايرة الرغبة في تقديم الأفضل. 

يستند "بنات العساس" إلى حكاية اجتماعية تعري واقع المجتمع المغربي، لكن ألا ترى أنّ الدراما الاجتماعية في المغرب استنفدت مادتها على مستوى التخييل الدرامي، أم أنّ طرق التناول والمعالجة والاشتغال تُميّز هذا المسلسل عن ذاك؟

قصّة "بنات العساس" تُقدّم لنا مادّة اجتماعية ذات مرجعيات تاريخية، وتدخلنا في علاقات مع العديد من الظواهر الاجتماعية التي يجب أنْ نتطرّق اليها بإيجابياتها وسلبياتها، لفتح باب النقاش داخل الأسرة المغربيّة. فالمسلسل تناول ما يحدث عامّة في واقعنا وواقع العديد من الثقافات التي تُشبهنا بحذر شديد، وخصوصاُ من الجانب النفسي/العاطفي، وترابط الأحداث وتشابك العلاقات واحتدام الصراع الدرامي. كل ذلك بصور وحساسية مرهفة.

تُطالعنا شخصيات يبدو أنّ المُشاهد المغربي تعوّد عليها بصرياً. هل تعتقد أنّ الوجوه المألوفة تصنع مسار المسلسل التلفزيوني في ذهن المُشاهد العربي؟

أعتقد أنّ العمل الدرامي أو السينمائي لا يُمكن أنْ ينتشر بشكل أو بآخر إلا بوجود الممثّل كجسر تواجد وكقناة تفاعلية مع الجمهور. الممثل الجيّد هو من ينقل تلك الأحاسيس المفعمة بالصدق للجمهور، ويرسم معايير ومفاهيم القصّة بشكل مختلف حسب ما تمليه طبيعة القصّة وأحداثها. الممثّل المحترف، المُتمكّن من أدواته الفنيّة والتعبيرية، يؤثّر إيجابياً في منظومة العمل كله. ولا يمكن، بأيّ حال من الأحوال، التخلّي عن الوجوه المبدعة، بل يجب الاعتناء بها.

ماذا عن التجارب الجديدة خريجة معاهد التمثيل الرسمية والخاصّة، هل ترى أنّها نالت حظّها من الأدوار، خاصّة أنّ التلفزيون اليوم يبدو محتكراً من وجوه محددة؟

في المغرب مواهب وطاقات في مجال التمثيل، وأشخاص لديهم المُقوّمات للانخراط والمُشاركة في أعمال تلفزيونية وسينمائية، وهذا ما أهلهم فعلاً للعب أدوار هامّة أخيراً في أعمال مخرجين وثقوا في مواهبهم. مسألة الحظ لا تتعلّق فقط بفرصة أو بأخرى، أو بانتظار يقصر أو يطول، أو بشخص ما قد يفتح لك الباب للدخول إلى عالم التلفزيون أو السينما. يجب أنْ تستمر المَواهب والطاقات في أداء أدوار تجد مداها في المُستقبل، وإلا تتوقف عند عمل بعينه أو فرصة دون أخرى. يجب أنْ يصاحب ذلك عزم وتحد واجتهاد متواصل وبحث مستمر وانفتاح على تجارب الآخر. من جهة أخرى، كلّما تزايدت الانتاجات الدرامية، كلّما تزايد البحث عن وجوه جديدة، وكلّما كان حضور الشباب مهمّا داخل الأعمال التلفزيونية. إذْ إنّ كل ما نخرجه أساسه نصوص مبنية على شخصيات تتحوّل إلى فعل مصوّر.

الجمهور المغربي لا يتوقّف عن نقد مشروع الدراما، وهو حقٌ مشروع، لكنّه غير مُبرّر، ويبدو أحياناً مُفتعلاً. لماذا تعيش الدراما المغربيّة واقعاً مزدوجاً ومُتناقضاً بين مسلسلات يحبّها الجمهور وينتقدها النقاد، والعكس؟

النقد هو أساس التفاعل الإيجابي مع مُكوّنات العمل التلفزيوني. والنقد البنّاء المًصاحب للتحليل والتفسير وشرح المُعطيات الفنيّة والتقنية والبصريّة، هو بطريقة ما رحلة في عوالم المُبدع وما يُقدّمه على الشاشة الصغيرة. كما يُساهم في فتح الباب أمام النقاش على مصراعيه، بل أكثر من ذلك يُساعد المُخرج التلفزيوني في تأمّل ما يُنجزه ويعيد طرح السؤال على مُنجزه الإبداعي. النقد ليس بالضرورة البحث عن خلل، بل وضع الأصبع على مكامن القوّة، وقد يرشدك لفهم مختلف عما أبدعه المُبدع، وقد يُصاحب ذلك بنظرية فلسفية أو اجتماعية لدرجة يُصبح الناقد مرآة حقيقية لما يُقدّمه المُخرج أو الممثّل. لكن مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، هناك الكثير ممن يجلسون وراء هواتفهم أو الكومبيوتر ليُدمّروا عملاً تلفزيونياً لم يشاهدوه. وهذا ليس نقداً، لأنّه لا يدخل في إطار علمي أكاديمي.

المساهمون