ما أن انتهت فرقة أُبيدر من عزف مقطوعة موسيقية حملت اسم "فلسطين"، في حفلتها الموسيقية التي دشّنت فعاليات مهرجان فلسطين الدولي بدورته الثالثة والعشرين، مساء الأربعاء الماضي، حتى انهمرت دموع العازفين والمغنين الذين في غالبيتهم يحطّون على أرض الوطن لأول مرة، وهم أبناء الجيل الثالث للاجئين الفلسطينيين، كما عدد كبير من الحضور.
وقدّمت الفرقة "أُبيدر" في مقطوعتها، مقاربة جديدة لقصيدة الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان "الفدائي"، التي اشتهرت كمقدمة لمسلسل "التغريبة الفلسطينية" لكاتبه وليد سيف وإخراج الراحل السوري حاتم علي، عبر تلحينها على مقامات الفلامنغو، بمرافقة الراقصة الإسبانية فيرونيكا ريفيرتي.
حال الاحتلال دون اكتمال الفرقة، والحضور الملتصق دوماً للتوأمين الموسيقيين المؤسّسين لـ"أُبَيْدر"، بمنع دخول الفنان أُبيّ البيطار، ليعزف بيدر أبو نصّار، للمرّة الأولى من دونه.
وكان الفنان بيدر أبو نصّار، كشف في حوار معه، احتضنه مركز خليل السكاكيني، مساء الخميس من الأسبوع الماضي، أن حكاية ارتباطه بأبيّ بدأت منذ الولادة، فهما ولدا في ذات اليوم، وفي نفس المستشفى، وإن كانت عائلة بيدر تعيش حينها في مخيم الحسين للاجئين الفلسطينيين في العاصمة الأردنية، وعائلة أبيّ تقطن جبل التاج في شرق عمّان، لكن "غرابة" الاسمين بالنسبة للفريق الطبي جعلت العائلتين تتعرفان على بعضهما البعض، ليلتقيا بعد عشر سنوات في نفس المركز الموسيقي، ويبدآ رحلة صعبة، حتى تأسيس "أُبيدر".
والفرقة التي اسمها مزيج من اسمَي مؤسّسَيْها، تحمل مشروعاً فنيّاً يهدف إلى استدامة الشعر الأندلسي العربي في إطار موسيقى الفلامنغو. إذ تعمل في المساحات الفنيّة بين الحضارات عبر تسليط الضوء على التقاطعات الموسيقية فيما بينها، من خلال إظهار قوّة الثقافة الموسيقية الأندلسية.
تأسست الفرقة عام 2009، وتضم فنّانين من فلسطين والأردن وإسبانيا والسويد، وسجّلت العديد من المؤلفات الموسيقية، كما عملت على التأليف والتوزيع الموسيقي لعدد من الفنانين العرب، فيما فاز ألبوم الفرقة الموسوم بـ"إلى قرطبة" بالميدالية الذهبية في جوائز الموسيقى العالمية العام الماضي.
كانت الفرقة تفكّر في أن تتراجع عن العرض بعد منع أُبيّ من دخول وطنه، لكنهم قرروا تحدّي الاحتلال بالموسيقى، فعزفوا وغنّوا الوطن.
وكشف بيدر: "كان صعباً علينا، وعليّ خاصة أن أقدّم عرضاً دون أن يكون أُبيّ على يساري.. هذا العرض الأول لي الذي لا يرافقني فيه منذ انطلقنا، لكنّه الاحتلال، وكان من الصعب أن العرض في فلسطين، التي هي بلدنا، والتي مدّنا جمهورها الذي فاضت عن سعته القاعة بطاقة هائلة... عازف الناي الذي كان بيني وبين مقعد أبيّ الفارغ، يزور فلسطين للمرّة الأولى، وحين التقى بعمّته المسنة لأول مرّة في حياة كليهما، احتضنته واحتضنها، وتركنا من دون حتى أن يودعنا ويحتفل بنجاح الحفل معنا ومع الجمهور، أو يلتقط صورة مشتركة مع "أُبيدر".. كأنه طار إلى كوبر بلدته القريبة من رام الله رفقة عمّته".