أولمبياد بكين: تدابير مشددة ترافق الصحافيين‎‎

04 فبراير 2022
على المشاركين، وبينهم الصحافيون، فحص حرارتهم يومياً (أنطون نوفوديريزخين/TASS)
+ الخط -

تنطلق دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في العاصمة الصينية بكين، اليوم الجمعة، فيما لا تزال الأضواء تسلط على التدابير الأمنية التي ترافق تحضير وسائل الإعلام لتغطية البطولة. ففي وقت يفترض أن يقدم الحدث الدولي الذي ينظم مرة كل أربع سنوات، مادة دسمة للصحافة العالمية، تحولت الصحافة نفسها إلى موضوع وعنوان بارز في هذه الدورة. حيث تواترت تقارير عن إجراءات وتهديدات غير مسبوقة في ما يتعلق بتغطية الحدث الأولمبي، الأمر الذي أثار تساؤلات جديدة حول حقوق الإنسان وحرية الصحافة في الصين.

وحذّرت سبع لجان أولمبية هي الأميركية والبريطانية والكندية والسويسرية والسويدية والألمانية والهولندية، وفودها المشاركة في البطولة من رياضيين، مسؤولين، وصحافيين، من أنه لا ينبغي أن تأخذ معداتها الإلكترونية المعتادة إلى بكين، بسبب مخاوف تتعلق بالتجسس والقرصنة، وأن تستخدم بدلاً من ذلك المعدات التي يمكن التخلص منها بعد الحدث. 

وكان مركز "سيتيزن لاب" الكندي المتخصص في الأمن السيبراني، قد أشار إلى تطبيق "ماي 2022" الذي يُطلب من كل شخص يحضر البطولة تنزيله على هاتفه المحمول، قائلاً إنه بإمكان السلطات الصينية اختراق الهواتف الخاصة وأجهزة الكومبيوتر من خلال هذا التطبيق، والوصول إلى سجل المكالمات والرسائل النصية والبريد الإلكتروني والصور الفوتوغرافية والملفات والتطبيقات الأخرى الموجودة على الهاتف. وحذر المركز الكندي من أن المراقبة المحتملة لا تنتهي مع البطولة والإقامة في الصين، بل قد تستمر حتى بعد عودة المشاركين إلى بلادهم.

تحذيرات أمنية سيبرانية من تطبيق "ماي 2022" المخصص للأولمبياد

هذه التحذيرات أثارت مخاوف مئات الصحافيين، وطرحت تساؤلات حول التدابير الأمنية التي ترافق تحضيراتهم لتغطية البطولة، منذ وصولهم إلى أرض الصين ودخولهم في "الفقاعة الأولمبية" المعزولة عن العالم الخارجي، حتى نهاية الدورة التي تعقد هذا العام على وقع مقاطعة غربية بسبب سجل الصين في مجال حقوق الإنسان، بالإضافة إلى الظروف الاستثنائية التي تمر فيها البلاد بسبب جائحة كورونا.

بروتوكولات العمل داخل فقاعة الأولمبياد

افتتحت الصين رسمياً القرى الأولمبية التي ستقيم فيها الوفود المشاركة في أولمبياد بكين، في التاسع والعشرين من يناير/كانون الثاني الماضي، وهي عبارة عن فقاعة واقية، تُعرف باسم "الحلقة المغلقة"، وتهدف إلى عزل المشاركين عن السكان المحليين، بسبب مخاوف من انتشار فيروس كورونا. 

ولكن كيف وصل الصحافيون إلى الصين وما هي الإجراءات والبروتوكولات المتبعة داخل الفقاعة الأولمبية؟ بحسب دليل اللجنة الأولمبية الدولية، يجب على الصحافيين البدء في مراقبة صحتهم قبل 14 يوماً من السفر وذلك من خلال  تطبيق "ماي 2022" الذي أنشأته اللجنة المنظمة في بكين. وداخل التطبيق، يجيب الأفراد على أسئلة متعلقة بالأعراض (الحمى والسعال الجاف والصداع ودرجة الحرارة)، والتي يتم تحديثها على مدار أسبوعين قبل التوجه إلى المطار.

القرى الأولمبية في أولمبياد بكين هي عبارة عن فقاعة واقية، تُعرف باسم "الحلقة المغلقة"، وتهدف إلى عزل المشاركين عن السكان المحليين

بعد ذلك، يُطلب من الصحافيين إجراء اختبار كوفيد-19 قبل 72 ساعة من الإقلاع. يجب أن يكون هذا الاختبار سالباً. كما يجب ملء نموذج لتلقي الكود الصحي الأخضر الذي يخبر السلطات الصينية بأن المسافر غير حامل للمرض، وبالتالي يستطيع حضور دورة الألعاب الأولمبية.

بمجرد وصول الطائرة إلى مطار بكين، يتم التحقق من درجة حرارة جميع الركاب، وتحتاج الصين إلى مسحة أنف ومسحة من الحلق لضمان الدقة. بعد ذلك يتم نقل الصحافيين إلى الفندق الذي يقيمون فيه. يُطلب من الأفراد الانتظار داخل غرفهم حتى استلام اختباراتهم السالبة، ويستغرق هذا الأمر 24 ساعة.

لا يستطيع الصحافيون تجاوز الحلقة المغلقة، فالتنقل يقتصر بين فنادقهم والأماكن الأولمبية، ويتم نقلهم بواسطة حافلات خاصة. ما يعني أنهم لا يستطيعون التفاعل مع السكان المحليين أو الزوار الآخرين أو أي شخص غير موجود للمشاركة الأولمبية فقط. وتحاط القرى الأولمبية بسياج أخضر مرتفع، بالإضافة إلى عناصر الأمن وكاميرات المراقبة، ما يضمن عدم مغادرة المشاركين للحلقة المغلقة.

ما الذي يتعين على الصحافيين القيام به يومياً؟

حول هذا السؤال، يقول الصحافي ح. م. المتواجد في الفقاعة الأولمبية لتغطية الحدث، والذي طلب عدم الكشف عن هويته، في حديثه لـ "العربي الجديد"، إن العمل داخل القرية الأولمبية أشبه بالعمل داخل مستشفى عسكري: "الكثير من عناصر الأمن والأكشاك والأطقم  الطبية، وأناس يلبسون البدلات الواقية البيضاء طوال الوقت. فضلاً عن عدم السماح لنا بالذهاب إلى الخارج أو التنقل بحرية في الداخل، إذ يخضع ذلك لمواعيد محددة وبوسائل تحددها الجهات المنظمة". 

ويضيف: "قبل الوصول إلى هذا المكان كنت أظنها رحلة سياحية، لكن اتضح أن الأمر أكثر صعوبة وتعقيداً، لأن عدم السماح لنا بمقابلة الناس سيسقط الكثير من التقارير المميزة التي ترصد تفاعل السكان المحليين مع الحدث الأولمبي وبعض الجوانب الثقافية والتاريخية والاجتماعية في حياة الصينيين".

جميع الصحافيين في أولمبياد بكين مطالبون بإجراء اختبارات كوفيد مرة كل 24 ساعة

وعن الإجراءات المطلوبة يومياً، يوضح أن "جميع الصحافيين مطالبون بإجراء اختبارات كوفيد مرة كل 24 ساعة، من أجل تفعيل الرمز الصحي على الهاتف المحمول، لأنه دون ذلك لن يستطيع الشخص مغادرة غرفته في الفندق. وفي حال كانت نتيجة الاختبار موجبة، يتم نقل المصاب إلى فندق منفصل مخصص للحجر الصحي إذا لم تظهر عليه أعراض. أما إذا ظهرت أعراض مثل ارتفاع درجة حرارة الجسم والسعال، فيتم نقله إلى المستشفى، ولا يغادر إلا بعد تقديم اختبارين سالبين في غضون 24 ساعة".

فقاعة الأولمبياد "ليست سجناً"

من جهته، يقول أستاذ العلاقات العامة في جامعة شاندونغ، تيان ووي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "ما يشاع حول اعتزام الصين التجسس على أجهزة الصحافيين والمشاركين في البطولة، مجرد إدعاءات غربية في إطار المناكفات السياسية ومحاولة تشوية العرس الأولمبي الذي تستضيفه بكين". ويضيف أن "هذه الإدعاءات تفتقر إلى الأدلة، وأن الصين تعهدت بمعاملة الصحافيين وفقاً للقواعد والمعايير التي حددتها اللجنة الأولمبية الدولية".

لا يستطيع الصحافيون تجاوز الفقاعة، ما يعني أنهم لا يستطيعون التفاعل مع السكان المحليين أو الزوار الآخرين أو أي شخص غير موجود للمشاركة الأولمبية فقط

ويشير إلى أن "عزل المشاركين في فقاعة مغلقة، يأتي ضمن سياسة صفر كوفيد المشددة التي تتبعها البلاد منذ شهور من أجل مكافحة فيروس كورونا، ولا علاقة لها بهواجس أمنية تجاه الصحافيين"، مستحضراً عمل الصحافة أثناء أولمبياد بكين 2008، الذي لم يخضع، حسب قوله، لأي عوائق أو تدابير خاصة.

ويلفت الأستاذ الجامعي إلى أن "الجهة المنظمة توفر في المركز الإعلامي داخل القرية الأولمبية، لجميع الصحافيين خدمات الوصول إلى جميع منافذ الإنترنت المحظورة في البلاد، مثل فيسبوك وتويتر". يقول إنّ "الفقاعة الأولمبية ليست سجناً، بل مجمعاً يضم 680 مرفقاً و82 فندقاً، مجهزة جميعها بأحدث التقنيات التكنولوجية في العالم".

وكان "نادي المراسلين الأجانب في الصين"، قد حذر في تقرير سنوي له، الإثنين الماضي، من أن حرية الإعلام في البلد الآسيوي آخذة في التدهور بسرعة فائقة. وجاء في التقرير أن الصحافيين المقيمين هناك يواجهون جمهوراً عدائياً بشكل متزايد، وأشكالاً جديدة من الترهيب عبر الإنترنت، والتهديد بترحيلهم بسبب تقاريرهم الإعلامية. وأفاد الصحافيون، وفق التقرير، بأن التهديدات القانونية أصبحت شكلاً شائعاً من أساليب التخويف التي كانت في السابق أقل في الصين مما كانت عليه في بلدان أخرى. وذكر التقرير أنه يمكن منع الصحافيين الأجانب الذين يواجهون إجراءات قانونية من مغادرة البلاد، مشيرين إلى تناقص عددهم بسبب إجراءات الطرد أو رفض التأشيرات، ومعاناتهم خلال تغطية أخبار الصين.

يُشار إلى أن الصين جاءت خلال عام 2021 في الترتيب السنوي لمنظمة "مراسلون بلا حدود" لحرية الصحافة، في المرتبة 177 من أصل 180 دولة مصنّفة. وهي تعدّ بين الدول الأكثر سجناً للصحافيين حول العالم.

المساهمون