لم يكن للجيل المولود في الثمانينيات وأوائل التسعينيات نشيد عربي حقيقي، كما كانت الحال مع الأجيال التي سبقته. وحدها أوبريت "الحلم العربي"، عرّفتهم على ما يفترض أنها مشاعر عربية موحّدة، ضدّ الاحتلال، وضدّ الظلم وضدّ الحصار.
في الشهرين الأخيرَين، ومع استعادة القضية الفلسطينية لزخمها العربي، نتيجة محاولة تهجير سكّان حي الشيخ جرّاح في القدس المحتلة، ثمّ العدوان الإسرائيلي الوحشيّ على قطاع غزة، بدا لافتاً عودة الأغنية نفسها إلى التداول على مواقع التواصل الاجتماعي.
نعود في ما يلي إلى قصة هذه الأوبريت، التي رغم سذاجة كلماتها في مقاطع كثيرة، ورغم تحوّل بعض المغنين فيها من منادين بـ"الحلم العربي" إلى مهللين للتطبيع أو ساكتين عنه، تبقى نقطة فاصلة في التأريخ للأغنية العربية الوطنية الحديثة.
أذيع العمل للمرة الأولى عام 1998 برعاية وإنتاج إمارتي (الحليف العربي الأقوى للاحتلال حالياً). لكن الزخم الحقيقي لـ"الحلم العربي" كان مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، والالتفاف العربي الشعبي حول الفلسطينيين. في تلك الفترة، كانت قنوات الموسيقى الفضائية بدأت البث. هكذا، منحت قناة "مزيكا" هواءها لبثّ العمل، ما أعطاه انتشاراً في مختلف أنحاء العالم العربي.
لكن، قبل الانتشار الكبير، كيف بدأت قصة هذه الأغنية؟ بعد انتهاء الانتفاضة الأولى، وعقد اتفاقية أوسلو عام 1993، بدا للعالم أنّ القضية الفلسطينية دخلت في سبات. في تلك الفترة تحديداً، كما يروي كاتب الأغنية، مدحت العدل، في مقابلة سابقة:
"خطرت فكرة لأحد المنتجين أن يطلق مسابقة بين نجوم الغناء لاختيار أفضل عمل غنائي في عام 1996، على أن يجتمع كل النجوم المشاركين في حفل واحد يغنون فيه بعد ذلك، أغنية واحدة. هكذا، قرر المنتج أن يقدّم أوبريت، بين أبرز نجوم العالم العربي، وتقدّم هذه الأوبريت في حفل توزيع الجوائز في أبوظبي، بإخراج الموهوب طارق العريان".
رغم سذاجة كلماتها في مقاطع كثيرة، ورغم تحوّل بعض المغنين فيها من منادين بـ"الحلم العربي" إلى مهللين للتطبيع أو ساكتين عنه، إلا أنها تبقى نقطة فاصلة في التأريخ للأغنية العربية الوطنية الحديثة
ويضيف العدل: "سلّمت شركة الإنتاج نصاً للشاعر الكبير عبد السلام أمين، لكن لسبب أو لآخر لم يتوافق النص مع عقلية العريان الذي كان شاباً في تلك الفترة، فطلب مني أن أكتب نصاً يتلاءم مع المهرجان كما سمّوه". وقتها، فكّر العدل كما يقول، بأن اجتماع كل هؤلاء الفنانين فرصة لن تتكرّر، "وإذا كانت السياسة قد فرقتنا فالفن قادر على أن يجمعنا، وجلست للكتابة، ولأنني ابن المشروع الناصري لوحدة العرب، قررت كتابة الحلم العربي".
بدأ حلمي بكر وصلاح الشرنوبي في تلحين العمل. ويحكي بكر في عدد من اللقاءات التلفزيونية أن الأغنية كانت محاولة لتقديم شيء يشبه أغنية لمايكل جاكسون، تارة يقول إنها أغنية we are the world، وفي لقاء آخر يقول إنها أغنية Heal the World، في كلتا الأغنيتين الكلام يدور على السلام للعالم بأجمعه، وذلك يوضح فكرة أوبريت الحلم العربي، مع تلحين المقاطع التي كتبها مدحت العدل إلى جانب ثلاثة مقاطع كتبها الشاعر الإماراتي سالم سيف الخالدي. وقع الاختيار على حميد الشاعري كموزع موسيقي للعمل، وهو الاختيار الأهم، وأحد أبرز الأسباب في نجاح الأغنية في وقتها، واستمرار النجاح لمدة سنوات.
اختيار الشاعري جاء بناء على نجاحاته في السوق العربي عامة، والمصري خاصة. وكان "الكابو" في ذلك الوقت يتربع على عرش الأغنية المصرية، بقدرته على تقديم فنانين وأغان تحقق نجاحات ساحقة على مستوى المبيعات أو على مستوى الانتشار. وزّع الشاعري العمل تماماً كما كان يوزّع ألبومات نجوم التسعينيات: صناعة مذهب الأغنية بجملة لحنية بسيطة، يمكن من خلالها جذب أذن المستمع، ويسهل ترديدها وغناؤها. لذلك، اقترح جملة لحنية ينهي بها المذهب الرئيسي للأغنية، وهي الجملة التي لم تكن مكتوبة من الأساس، وتطلب تدخل من العدل لإضافتها. يحكي العدل عن ذلك قائلاً: "هنا، اقترح الشاعري أن ننهي هذا الدخول بجملة لحنية سهلة وبسيطة تصبح هي المرجع الذي نعود إليه بعد كل كوبليه، واقترح هو جملة موسيقية سهلة ورائعة كتبت عليها كلاماً جديداً، وهي: ده حلمنا طول عمرنا حضن يضمنا كلنا كلنا".
واستمر العمل على الأوبريت ما يقارب الشهرين من تلحين وتوزيع واختيار الفنانين من أغلب بلدان العالم العربي وعمل البروفات وتسجيل العمل.
اكتمل العمل وأذيع في المهرجان الأول لجائزة الغناء العربي في الإمارات، برعاية وكيل وزارة الإعلام حينها، عبدالله بن زايد آل نهيان، وبحضور الفنانين وتقديم حسين فهمي. نقف هنا مع خبر في جريدة "الأخبار" في شهر يناير/كانون الثاني1997، وفيه يصرح حلمي بكر: "لم يقدم في حفل المهرجان الأول لجائزة الغناء العربي في أبوظبي أخيراً ما يمكن أن تطلق عليه اسم أوبريت، أستطيع أن أقول إنه أغنية جماعية مثل نشيد الوطن الأكبر". واضح أن الأوبريت لم يلق نجاحًا مستحقًا في عرضه الأول، خاصة أن المهرجان لم ينجح بالشكل المتوقع له أيضًا، كان ذلك في عام 1996.
في عام 1998، أعيد طرح الأوبريت مرة ثانية، وإضافة العديد من اللقطات الأرشيفية، في محاولة لإعادة العمل للساحة الفنية، وبدأت محاولات عرضه في القنوات التلفزيونية، وفي حفلات تصنع خصيصاً له. في نهاية تلك السنة، جهزت ساحة الشهداء في بيروت لتقديم الحلم العربي مباشرة، ضمن حفل فني كبير باسم صوت المليون عربي، برعاية رئيس الحكومة اللبنانية الراحل رفيق الحريري، وبحضور عدد كبير من المطربين والمطربات. وعلى هامش الحفل، حدثت مشاكل كثيرة في اختيار المطربين وفي التنظيم، ووصلت إلى الاشتباكات وتدخل قوات الجيش اللبناني لوقفها.
مع نجاح العمل وتحقيقه انتشاراً هستيرياً، بدأت الخلافات تظهر بشكل أكبر: من استبعاد مغنين من بعض البلدان، وعلى رأسها السعودية وفلسطين، وصولاً إلى الخلاف بين منتج العمل، أحمد العريان، وصناعه، أبرزهم حلمي بكر. وقتها نشر خبر في مجلة "روزا اليوسف" (1999) بعنوان "بعد اتهامات متبادلة بالسرقة: من يشعل النيران في الحلم العربي؟". وفي متن الخبر، نجد تصريحاً لـ حلمي بكر: "إن تفسيري الوحيد لذلك، أن أحمد العريان يريد أن يستحوذ بمفرده على المكاسب المادية للأوبريت التي تبرعنا جميعاً بتقديمها، ولأنني اشترطت عليه ألا يطرح العمل في الأسواق إلا بعد موافقتي الكتابية".
وفي نفس الفترة، كانت هناك تساؤلات كثيرة حول عدم إذاعة الأوبريت على قنوات التلفزيون المصري، وتساءل حلمي بكر: "لماذا لم تذع الأغنية في اليوبيل الفضي لانتصارات أكتوبر". وكتب علاء الأسواني في جريدة الشعب عام 1999 مقالا عنوانه: "يا مديرة التلفزيون، أين الحلم العربي؟".
ربما بسبب كل هذا الجدل، ومع استمرار منع إذاعة الأوبريت في التلفزيون المصري، قرر حلمي بكر إعادة تقديمه أمام الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك في احتفالات نصر أكتوبر، بضم فنانين جدد، مثل أنغام، وغادة رجب، ومحمد رشدي، إلى جانب بعض المطربين المشاركين في التسجيل الأصلي مثل محمد الحلو، وذكرى، وأصالة، وتم تقديم العمل للمرة الأولى على قنوات التلفزيون المصري بمصاحبة كورال و أوركسترا أوبرا القاهرة، بقيادة الدكتور مصطفى ناجي.
وفي زحمة هذه الخلافات والأخذ والرد، جاءت الانتفاضة الثانية، لتجعل من الأوبريت ناطقاً وموحداً للمشاعر العربية، وها هي تعود إلى الواجهة اليوم مع الهبة الفلسطينية الجديدة في وجه الاحتلال، وفي وجه سلطة أوسلو، بينما يفتح منتجو العمل وممولوه الأصليون، أي دولة الإمارات، سماءها وأراضيها لاستقبال رئيس وزراء الاحتلال، على وقع تدمير منازل الفلسطينيين في حي سلوان.