"أهلاً رمضان"... كل شيء تغيّر منذ أكتوبر على "العربي 2"

"أهلاً رمضان"... كل شيء تغيّر منذ أكتوبر على "العربي 2"

05 ابريل 2024
عنوان البرنامج لم يجعل من فلسطين جزيرة معزولة (العربي 2)
+ الخط -
اظهر الملخص
- برنامج "أهلاً رمضان" يُبث من مدينة لوسيل القطرية على تلفزيون العربي 2، يركز هذا العام على تقديم الأبعاد الثقافية والاجتماعية والفنية لفلسطين، مع تقارير يومية من غزة، ويُعرض يومياً لمدة ساعتين.
- تحت إشراف محمد أسامة، البرنامج يغير هويته لتسليط الضوء على القضايا الاجتماعية والثقافية، مستضيفاً مجموعة متنوعة من الفنانين والشعراء لعرض التراث والثقافة العربية ومبادرات التكافل الإنساني.
- يتضمن البرنامج فقرات متنوعة مثل اسكتشات "أبو الورد"، مناقشات حول الفن والأدب، واستضافة نجوم من المسلسلات العربية، بالإضافة إلى فقرات تعليمية وترفيهية حول الطبخ والتقاليد الرمضانية.

على مدار ساعتين يومياً، عند الثامنة مساء بتوقيت القدس، كان برنامج "أهلاً رمضان" يقدم موسمه الجديد على تلفزيون العربي 2، من مدينة لوسيل القطرية، مستجيباً للأوضاع الراهنة وقد طغت على المزاج العربي العام منذ نصف سنة.

كان البرنامج في مواعيده السابقة جلسة سمر رمضانية، كما تجري العادة، بتقديم باقة من المواد الترفيهية المناسبة. غير أن هذه الدورة جاءت محمولة على عنوان رئيسي هو تقديم فلسطين، من نواحيها الثقافية والاجتماعية والفنية، خصوصاً في التقارير اليومية "من غزة".

في هذا السياق، يقول مدير البرامج في "العربي 2"، محمد أسامة، في حديث إلى "العربي الجديد"، إن الاستعدادات لبرنامج "أهلاً رمضان" غيّرت هويته لهذا العام وفي وقت حرج، "إذ كان الربع الأخير من العام الماضي، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، يدفع حتماً نحو الخروج بموسم في الحد الأدنى من المظاهر الاحتفالية"، موضحاً أن الجدول الزمني الضاغط وضع القائمين على البرنامج أمام امتحان تقديم ما يضمن الجودة، في ظل تحديات الصعوبات اللوجستية وإيجاد خطط بديلة للعمل.

ويشير محمد أسامة إلى أن عنوان البرنامج "لم يجعل من فلسطين جزيرة معزولة بسبب حرب الإبادة على قطاع غزة، بل اشتبكت كل الخارطة العربية في إطار مشترك من الفن الملتزم والفلكلور والدراما التي أسهمت في صوغ الروح الجمعية، إضافة إلى التقارير التي تحكي تجارب اجتماعية عن الحياة اليومية ومبادرات التكافل الإنساني، مثل الترفيه الفني عن الأطفال في مدرسة محاصرة داخل غزة، أو طبيب الفقراء، وقد عاينّا نموذجين منهما في مصر ولبنان".

إعلام وحريات
التحديثات الحية

وتناوب مذيعو "العربي 2" على تقديم الحلقات، وهم منى وهبي وآلاء كراجة وميلاد حدشيتي وسارة خان ورشيد ملحس وهبة شحادة وعهد حسّان وأمين بن حمزة ورانيا الدريدي ودانيا ارشيد، وهو من إخراج هادي أبي وردة، وإنتاج المثنى القاضي وأحمد أباه، وإعداد عبد الحي السعيدي.

منذ الحلقة الأولى من البرنامج، ظهر زجّالون من فلسطين ولبنان، وكانوا الأكثر حضوراً في فقرات "أهلاً رمضان"، بما عرضوه من مبارزات زجلية شهيرة في المناسبات الاجتماعية، وكذلك استعادة فنون الحداء والعتابا والميجانا والدلعونة.

الصورة
زجل
ظهر زجّالون من فلسطين ولبنان (العربي 2/يوتيوب)

كما طبعت شخصية "أبو الورد" في اسكتشات "بائع الورد" الفلسطيني دورة هذا العام بطابعها الكوميدي اللطيف، لقيامها على لعبة فنية جذابة بطلها بائع باقات الزهور المتجول (عامر حليحل) على دراجته الهوائية، والذي "يحتل" يومياً واجهة محل زهور، ما يسبب ضيق صاحب المحل الخائف على رزقه. إلا أن "أبو الورد" يلجأ في كل مرة إلى حيلة الحكاية.

الحكاية المشوقة هي التي تجعل الشخص المتبرّم مذعناً ومتشوقاً ليعرف نهايتها، فيغفر لهذا المتطفل خفيف الروح. في كل مرة، يكون تصوير الحلقة في مكان واحد، هو واجهة المحل الغنية بصرياً بالألوان، لكن هذا ليس سر اللعبة، فالحكاية التي تُروى لشخص أو شخصين أحياناً استلّها كاتب النص من المتداول الشفوي الفلسطيني، وتشتمل بطبيعة الحال على مفردات محلية وأسماء أماكن، ومنها القرى المهجرة، يضيء عليها بأسلوبه الحكائي الحيوي بعيداً عن الدرس المباشر.

ويتسع المكان بكراسيه الثلاثة الصغيرة والطاولة المتواضعة، ليصبح ملايين المشاهدين طرفاً في الجلسة الحميمة عبر كسر الجدار الرابع الذي يواصله أبو الورد وهو يحكي ما ورثه من جده الغزّي، وقد كان مصيره أنْ يمّم شطر الجليل الأعلى شمال فلسطين وبقي هناك.

الصورة
أبو الورد
الممثل والمخرج الفلسطيني عامر حليحل بشخصية "أبو الورد" (العربي 2/يوتيوب)

على مساحة العالم العربي، توافرت فقرات كثيرة وضيوف جدول هذه الدورة الاستثنائية. وهذا الاستثناء يأخذ في الاعتبار ملاحظة الشاعر والمترجم التونسي آدم فتحي، بأن الفن والأدب الملتزم لا نتذكره إلا في اللحظات الحرجة، كالتي نعيشها هذه الأيام. ومع ذلك، قال فتحي في إحدى حلقات البرنامج، وهو الشاعر الذي شكل ثنائياً معروفاً مع مواطنه المغني لطفي بوشناق، إن فكرة الأدب الملتزم والفن الملتزم تنطبق على أي فعل إبداعي يرى التزامه من هذه الناحية أو تلك. غير أنه -وفق ما أضاف- جرى العرف أن هذا الوصف لصيق بالفنان والشاعر الذي صبّ اهتمامه تحديداً في القضايا الاجتماعية، ولم يكن سبيله فقط "الترفيه أو الكتابة للبلاط".

في هذا السياق، حضرت مسيرة الثنائي الغنائي الأشهر في العالم العربي، وهما المغني الشيخ إمام (1918-1995) والشاعر أحمد فؤاد نجم (1929-2013). واستضاف البرنامج من يمكنهم إطلاعنا على بعض ما خفي عنا من أيام الثنائي في حوش آدم، الحارة القديمة في حي الغورية في القاهرة، فكنا مع سيد مهدي عنبة الكاتب ورئيس جمعية محبي الشيخ إمام، وعيسى شعبان ابن شقيق الشيخ إمام، وقد غنّى جملة من أشهر ما حفظنا، ومنها "يا فلسطينية والبندقاني رماكوا"، والصحافية نوارة أحمد فؤاد نجم التي صدر لها العام الماضي كتاب "وانت السبب يابا... الفاجومي وأنا"، والفاجومي هي الكُنية التي اشتهر بها والدها الشاعر نجم.

تناول ثلاثتهم ما هو خاص في علاقاتهم الشخصية بالشاعر والمغني، وما هو مشترك بينهم، وما يشاركهم فيه ملايين الناس، بعد أن كان مكان سكنهما في حوش آدم مفتوحاً للناس؛ فإذ به ينفتح من هذا المكان إلى ضمائر وقلوب الشعوب العربية، وقد وجدت فيهما تعبيراً فنياً على أرصفتهم وتجمعاتهم الشعبية، وليس في الصالونات.

يخبرنا سيد مهدي عنبة بأن الشاعر كتب 212 قصيدة ولحّن الشيخ إمام منها 153، بما يشير إلى أن هذا الثنائي شق دربه منذ 1962 بالأغنية العاطفية "أنا أتوب عن حبك"، والأغنية الاجتماعية، وصولاً إلى الأغنية السياسية بعد هزيمة يونيو التي أودعتهما السجن، وواصلا الغناء لفلسطين ولمصر، بوصفهما مجالي تعبير عن الانحياز لقيم الحرية والعدالة والمقاومة، وبما لاقى قبولاً واسعاً في الأقطار العربية الأخرى، لا لشيء إلا لأن هذا الانحياز هو المنطق الطبيعي للصراع.

كما عززت الأغنية وعي المتلقي العربي تجاه قضاياه وجماليات الفن عموماً المستلهمة من المشترك الجمعي، فإن لمؤلف الدراما المصري محمد جلال عبد القوي موقفاً أكثر جذرية، حين قال في مكالمة هاتفية للبرنامج إن الدراما "أمن قومي عربي بوصفها تخاطب الفكر وقبله الوجدان". وعبد القوي هو الذي عرفنا من مسلسلاته مثل "غوايش" (1986) و"المال والبنون" (الجزء الأول، 1991) و"نصف ربيع الآخر" (1996)، وغيرها الكثير له ولكتاب آخرين.

قدم الناقد الفني المصري عاصم بكري فقرة "ركن الدراما" في كل حلقات البرنامج، ومن ذلك لمحة عن مسلسل "نزيف التراب" الذي يُعرض حالياً، وهو فلسطيني أنتج بعد حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة. وقال بكري إن العمل مسلسل موازٍ لمسلسل حقيقي تنزف فيه الدماء والتراب، وإنه جرى تصويره تحت تهديد جيش الاحتلال اليومي.

قامت فكرة "ركن الدراما" على استعادة أعمال رسخت في الذاكرة، حتى أن الأسماء التي اشتغلت عليها، سواء كتابة أو إخراجاً أو تمثيلاً، بقيت إلى اليوم خارج التصنيف، لكأنها قادمة من مرحلة الحلم.

الصورة
ركن الدراما
الناقد الفني المصري عاصم بكري في فقرة "ركن الدراما" (العربي 2/يوتيوب)

وفي واحدة من ملاحظات الكاتب والإعلامي عارف الحجاوي، مقدم برنامج "سيداتي سادتي" على "العربي 2"، قال إن المسلسلات المبكرة بالأسود والأبيض عرّفتنا إلى طبقة وسطى باتت غير موجودة في الأعمال الحديثة. وسلط ركن الدراما الضوء على أعمال مثل "الشهد والدموع" (1983 من جزءين) إخراج إسماعيل عبد الحافظ، و"ليالي الحلمية" (5 أجزاء منذ 1987) كتبه أسامة أنور عكاشة وأخرجه إسماعيل عبد الحافظ، و"لن أعيش في جلباب أبي" (1996)، إخراج أحمد توفيق، و"عمر" (2012) إخراج حاتم علي وكتبه وليد سيف.

واستضاف البرنامج العديد من نجوم تلك المسلسلات، مثل رشوان توفيق وسميرة عبد العزيز وسامح الصريطي وآثار الحكيم ومحمد رياض. كما لم يغفل ركن الدراما المعلَم الأساسي في مواسم رمضان وهو "الفوازير"، وقد انتهى عهدها مطلع الألفية الجديدة وحلّت محلها برامج ترفيهية أخرى مثل الكاميرا الخفية.

وعلى غير عادة مواسم البرنامج، ألغيت الفقرات المنوعة من مسابقات وجوائز عينية وفقرات غنائية طربية، واكتُفي هذا العام بفقرة مسابقة الطبخ التي نتعرف من خلالها إلى الأطعمة الخاصة بكل بلد عربي، بالتماشي مع تقارير أخرى عن سلال المونة والأطعمة الرمضانية، كنوع من مظاهر التكافل الاجتماعي بغية توزيعها على المحتاجين.

أما ضيوف الحلقات فقد حملوا وحُملت إليهم شؤون وشجون الأدب والفن والصحافة والعمل الاجتماعي وتقاليد رمضان.

في الشعر، حدثنا الشاعر الموريتاني أبي ولد أدب عن سبب تسمية موريتانيا بـ"بلد المليون شاعر"، قائلاً إنها تعود إلى تقرير لمجلة العربي الكويتية الشهرية عام 1967، وكان عنوان التقرير هكذا، فدرجت التسمية منذ ذلك الوقت.

وتناول رئيس تحرير "العربي الجديد" معن البياري الانسحاب من قراءة الصحافة الورقية لفائدة الصحافة الإلكترونية المتوافرة في الموبايل والحاسوب، ما فرض تحديات كبيرة على صانع المادة الإعلامية، ليستجيب لحساسية جيل جديد لم يعد ينتظر صباح الغد لمعرفة ماذا جرى أمس.

ومن المغرب، حضرت موسيقى الكناوة ذات الأصول الأفريقية التي اندمجت في المجتمع المغربي. ومن تونس فن المالوف الموسيقي. وتناولت إحدى الحلقات فن النهمة البحري في الخليج العربي، إذ كان النهام يرفّه عن البحارة بأغاني النهمة، لمدّهم بالقوة في أثناء عملهم بحثاً عن اللؤلؤ.

الصورة
ابتهالات
ابتهالات دينية للفنان والباحث الموسيقي المغربي رشيد غلام (العربي 2/يوتيوب)

كما حضر المسرح العربي في عدة فقرات، ومنها تجربة الكاتب والممثل المسرحي اللبناني زياد عيتاني الذي قدم اسكتش من مسرحية "بيروت بيت بيوت"، يدين نزوع البشر للقتل والاستحواذ والسيطرة، ومن ذلك ارتكاب إخوة النبي يوسف جريمتهم وتلفيق التهمة للذئب، وهو في لقاء البرنامج معه تحدث عن الربيع العربي كمفصل تاريخي جعله يغادر الصحافة إلى المسرح بحثاً عن مساحة تعبير أفضل.

وفي ختام الحلقات كل مساء لا بد من صوت الفنان والباحث الموسيقي المغربي رشيد غلام في ابتهالاته الدينية التي اشتهر بها، يصاحبه الناي مرة والقانون مرة أخرى، فتنتهي الحلقة بتوشيحة تناجي على نسق "طرقتُ باب الرجا والناس قد رقدوا" في انتظار مساء جديد.

المساهمون