بعد الإعلان عن استعادة الاتصالات الدبلوماسية بين تركيا ومصر، منذ قطع علاقاتهما في 2013، طُلب من القنوات المعارضة في إسطنبول "ضبط خطابها"، مما أثار قلق حقوقيين.
في خطوة مفاجئة تزامنت مع تعزيز العلاقات بين تركيا ومصر أخيراً، طلبت أنقرة من القنوات المصرية المعارضة في البلاد "ضبط خطابها الإعلامي"، مما أدى إلى حجب البرامج السياسية التي تعرضها هذه القنوات الليلة الماضية.
تبث قنوات "مكملين" و"وطن" و"الشرق" المصرية من مدينة إسطنبول التركية منذ سنوات، ولم يسبق أن طلب منها "ضبط خطابها". لذا، شكل الطلب التركي صدمة للمعارضة المصرية التي عملت خلال 7 سنوات في البلاد بأريحية تامة، وتحديداً في مجال الإعلام. وتدور أحاديث أخيراً في الوسط الإعلامي حول توجه تركي إلى وقف البرامج وإغلاق القنوات المصرية المعارضة، لكن نفت مصادر عدة صحتها، مشددة على ضرورة تغيير لغة الخطاب الإعلامي، ليناسب المرحلة التي تمر بها تركيا في طريق التقارب مع مصر.
وأثار الموقف التركي قلقاً انعكس عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة بين المستخدمين من الجاليات العربية المقيمة في تركيا، إذ عبرت عن مخاوفها إزاء أن يتبع هذه الخطوة أخرى في مجالات مختلفة. وكثرت التحليلات والأحاديث عن أن السياسة ومصالح الدول تعلو على مصالح الشعوب، فيما دافع آخرون عن الموقف التركي، مشيرين إلى أن ضرورة المرحلة تقتضي منه المرونة في التعامل مع السلطات المصرية.
وبينما لم توضح أي جهة رسمية تركية هذا الموقف، قال مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ياسين أقطاي، عبر منصة "كلوب هاوس" إنه "لا توجد أي إرادة تركية لإغلاق القنوات المصرية المعارضة، ولا توجد إرادة لاعتقال أي شخصية بطلب من مصر أو أي جهة خارجية للمتواجدين في تركيا". وأضاف أقطاي "المصريون في تركيا متواجدون بسبب قضية إنسانية، أو أنهم لاجئون، أو مهاجرون، أو سائحون، وحقوقهم محفوظة. موقف تركيا إزاء حقوق الإنسان مبدئي، ولا يوجد وراءه حساب آخر. ومن يوزع هذه الأخبار يريد الفتنة عبر قنوات في بلاد لا تتوفر حقوق إنسان فيها، يوجهون بهذا الاتجاه، ويأملون أن يكون هناك تسليم للمعارضة من تركيا"، قاصداً تناول قناة "العربية" خبر إغلاق القنوات.
ياسين أقطاي: لا نية تركية لإغلاق قنوات مصرية معارضة أو تسليم معارضين
وأشار إلى أن "تركيا تهتم باللاجئ من أي بلد عربي كان، وهو مرحب به، وتوفر له الكرامة الإنسانية. أريد أن أطمئن الجميع بعدم القلق من هذا الأمر... تركيا لم تعتقل، ولم تسلم، ولن تسلم أي أحد. هناك طلب، ومصر ترغب بالتوافق مع تركيا لاستخراج الثروات من شرق المتوسط، والمنطقة تحتاج إلى الاستقرار".
وأكد أقطاي "لا يوجد أي قرار بإغلاق القنوات، لكن لم يكن هناك متابعة لهذه القنوات سابقاً، وبعد قدوم الطلب وجدت السلطات ربما فجوة في البث. أعلم أنه لا يوجد قرار إغلاق، ربما يكون هناك نصيحة وتواصل مع القنوات محدودة، لكي يكونوا منتبهين ولا يعملوا على التحريض ويخففوا لغة الانتقاد. في النهاية، هذه قنوات ليست تحت سيطرة تركيا، ومع احترام المصالح لن تكون هناك مشكلة".
من جهة ثانية، قال رئيس "اتحاد القوى الوطنية المصرية" المعارض أيمن نور، لـ"العربي الجديد"، إن الكلام حول وقف البرامج السياسية المصرية في تركيا "غير دقيق"، مشيراً إلى أن "هناك حوارا بدأ الخميس معي، خلال لقاء مع بعض الجهات المسؤولة في تركيا، بصفتي رئيس (اتحاد القوى الوطنية المصرية)". وأضاف نور أن "الحوار كان حول ضبط لغة الخطاب في بعض القنوات التي تملك استديوهات لها في تركيا، والحقيقة أن هذه القنوات ــ خلافاً لما اثير وأشيع أخيراً ــ لا تبث من تركيا. القنوات المصرية تبث عبر الأقمار الصناعية الأوروبية والعربية، ولا يوجد بث عبر قمر (توركسات)".
أيمن نور: لم يتم التطرق إطلاقاً إلى وقف القنوات أو وقف برامج أو استبعاد إعلاميين، وأمامنا خيارات أخرى إذا ما شعرنا بأن هذا التغيير في لغة الخطاب لا يعبر عن رسالتنا التي من أجلها خرجنا من أوطاننا
وأوضح "توجد استديوهات وشركات إنتاج تركية تخضع للقانون التركي، وتسدد الضرائب، وتلتزم بما تلتزم به كل الشركات التركية. هذه الشركات موجودة منذ 7 سنوات. ما حصل الخميس لم يكن كما أثير أنه توجيهات أو تعليمات، بل بداية حوار لم يحصل خلال السنوات الماضية إطلاقاً".
وأفاد بأن الجانب التركي "طلب الالتزام بالقواعد المهنية والإعلامية من حيث الموضوعية وعدم توجيه عبارات تحمل معنى الإهانة أو السب لأشخاص أو لجهات، لكن هذا لا يعني توقف أو تغير توجه هذه القنوات. وأعتقد أن هذا الحوار كان محل قبول من جانبنا في إطار أنه ضبط ذاتي للغة الخطاب، وليس تغيير التوجهات أو إلغاء برامج أو استبعاد أو تسليم معارضين".
وأكد أيمن نور "لم يتم التطرق إطلاقاً إلى وقف القنوات أو وقف برامج أو استبعاد إعلاميين بعينهم أو تسليم معارضين أو أي كلام في هذا الاتجاه". وأضاف "نقدر أن هناك مصالح، وأعتقد أننا جميعاً نرحب بأي تقارب مصري تركي، أو أي مصالحة عربية عربية، أو مصالحة عربية إسلامية. ونعتقد أن مثل هذه الخطوات تحقق مصالح الشعوب، وهذا ما يعنينا، وبالتالي نتمنى أن هذه الخطوات تعود على شعوب المنطقة بالخير والحرية والديمقراطية. مواقفنا واضحة وثابتة (...) وسنستمر في الحوار مع الجانب التركي في إطار توضيح موقفنا ورؤيتنا".
ولفت في نهاية حديثه "أمامنا خيارات أخرى إذا ما شعرنا بأن هذا التغيير في لغة الخطاب لا يعبر عن رسالتنا التي من أجلها خرجنا من أوطاننا".