في الإنتاج السينمائي العراقي، هناك عدد من أفلام التحريك (الأنيمايشن). سينمائيون شباب عديدون يعملون في صناعة هذا النوع، في أفلامٍ قصيرة، وبداية هذا الفن مع المخرج فيصل الياسري، في فيلمه الطويل "الأميرة والنهر" (1982).
أنس الموسوي أحد المخرجين الشباب المتميّزين في هذه الصناعة. بدأ في مجال التصميم الإعلاني والتلفزيوني، منذ عام 2005. حصل على شهادات خبرة من معاهد فنية وتنموية في العراق وإيران. عمل في قنوات فضائية ومؤسّسات فنية في العراق وخارجه. ثم انتقل إلى السينما، وتحديداً في مجال التحريك، مطلع عام 2016، كمخرج. له أفلامٌ عدّة، شاركت في مهرجانات سينمائية عراقية وغير عراقية، وفاز بجوائز مختلفة. كما أنّ له 11 مشروعاً، منها "قصّة حياة" و"آريس" و"عيون" و"الروليت الروسية" و"ماذا أنا" و"كلكامش العظيم"، و5 أفلام: "الفراشات تموت محلّقة" و"رقصة الثلج" وIAD و"حُرّ" و"هناك أجمل". التقته "العربي الجديد" في حوارٍ عن تجربته في هذا المجال:
هذا الفن جديد في العراق. كان للشباب سبق في خوض غماره، بإنجازهم أفلاماً قصيرة. هل هناك أعمالٌ تستحق الإشادة؟
هذا الفنّ قديم. بدأت تجلياته في بداية القرن الماضي، وتطوّر ليكون فنّاً مهمّاً، كما نراه اليوم. حقّق أعلى نسب مُشاهدة، كما حقّق أرباحاً في شبّاك التذاكر في العالم. إنّه في العراق فنّ جديد نسبياً. عام 1982، أُنجز أول فيلم تحريك (أنيمايشن) مهمّ، بعنوان "الأميرة و النهر"، لفيصل الياسري، ثم انقطع بعده الإنتاج السينمائي لهذا النوع، حتّى ما بعد عام 2003، مع أعمالٍ تلفزيونية وإعلانية، كان لي نصيب منها بمسلسل كرتوني بعنوان "الرحلة الشيقة"، مؤلّف من 12 حلقة، بمعدّل 10 دقائق للحلقة الواحدة. أما سينما الـ"أنيمايشن"، فأكثر حداثة، إذْ إنّ أول الأفلام القصيرة للشباب أُنجز بعد عام 2008، تقريباً. الأعمال كلّها، بحسب رأيي الشخصي، أعمال بسيطة إلى الآن. هناك شباب يعملون على تجارب مهمّة، ويعيشون تنافساً مستمرّاً في صناعة أعمالٍ ترتقي إلى العالمية.
هل يُمكن القول إنّ إحجام الشباب عنه ناتجٌ بسبب التكاليف الكبيرة لصناعته؟ أم بسبب التعامل معه باستهانة واستخفاف، مثلاً؟
الأمران صحيحان. أبسط الأعمال تحتاج إلى كوادر يملك أصحابها مواصفات معينة، واختصصات مختلفة، ليتمكّنوا من إنجاز عمل قصير، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف، ومحدودية توفّر أجهزة التحريك والحواسيب الضخمة التي تُعالج هذه الرسوم والحركات. أمّا التفاعل مع هذا الفنّ فلا يبلغ المستوى المنشود، لصعوبة إنتاجه وتعقيده. إلى الآن، يعتبر كثيرون أنّ هذا الفنَّ بسيطٌ، يحاكي مزاج الأطفال، ولا يُنظر إليه بموضوعية واهتمام، كما يحصل في بقية دول العالم.
إلى الآن، يعتبر كثيرون أنّ فنَّ التحريك بسيطٌ، يحاكي مزاج الأطفال، ولا يُنظر إليه بموضوعية واهتمام، كما يحصل في بقية دول العالم
التمويل وتكاليف الإنتاج الكبيرة، هل كانت سبباً في محدودية انتشار هذا النوع السينمائي في العراق؟
تُعتبر هذه التفاصيل من أهمّ أسباب محدودية إنتاجه، بالإضافة إلى صعوبة التعامل مع برامج صناعته، التي تُعتبر من أكثر البرامج الحاسوبية تعقيداً. في العراق مثلاً، لا توجد مراكز علمية متخصّصة بهذه الصناعة، رغم أنّ معدل استخدام الحاسوب فيه مرتفع، بحسب ما تقوله بعض الإحصاءات العالمية. كذلك دراسة الحاسوب في المدارس العراقية لم ترتق بعد إلى ما يحصل في دول كثيرة أخرى في العالم. فالبرامج المقرّرة للتدريس تقليدية، إلا في الدراسة الجامعية. هذا فضلاً عن أنّه لا توجد اختصاصات في هذه الصناعة، وانعدام الترويج والدعاية لها. بشكل عام، ثقافة تمويل الأعمال الفنية، ومنها الأفلام السينمائية، بين أصحاب الرساميل، تكاد تكون معدومة. فما بالك بتمويل فيلم "أنيمايشن"، يراه البعض مجرّد ألعاب إلكترونية لا غير.
معروفٌ أنّ "الـ"أنيمايشن" كان، بدايةً، أحد الفنون السينمائية، قبل أنْ يُستخدم لاحقاً في التلفزيون. هل اكتسب الأهمية الآن، بوصفه نوعاً سينمائياً مُعترفا به؟
منذ أول تجلٍّ لفنّ الـ"أنيمايشن"، كان فنّاً سينمائياً. ورغم أنّ له استعراضات أخرى في المجالات التلفزيونية والإعلانية، إلا أنّه ظلّ مُحافظاً على سمته الأساس، بكونه فنّاً سينمائياً محبّباً للمُشاهدين، بمختلف أعمارهم، ومحقّقاً أعلى الإيرادات والأرباح، عادة. أمّا أغلب المهرجانات السينمائية العالمية، فتتعامل مع فنّ الـ"أنيمايشن" بكونه نوعاً سينمائياّ قائماً بحدّ ذاته، تُخصّص له لجان اختيار، وحكّام متخصّصون، وتُمنح لبعض أفلامه المختارة جوائز، وبالتالي يُعتبر نوعاً مهمّاً من أنواع السينما.
هل بدأت أنت بالـ"أنيمايشن" الإعلاني مثلاً، قبل أنْ تتّجه الى السينما؟
بالنسبة إليّ، بدأتُ بفنّ الـ"أنيمايشن" التلفزيوني، قبل أنْ أتحوّل لاحقاً إلى تقديم أعمال إعلانية. لا أزال مستمرّاً في صناعة "أنيمايشن" الإعلان. لكنّ اهتمامي الأكبر منصبٌّ على سينما التحريك ـ "أنيمايشن"، التي أعمل فيها منذ نحو سبعة أعوام من دون انقطاع.
يعتمد هذا النوع من الأفلام على أن يمتلك كلُّ صانعٍ له أسلوبه الخاص في رسم الشخصية. هل توافق على هذا الرأي؟
نعم طبعاً. فرغم أنّ أنواع الـ"أنيمايشن" كثيرة ومختلفة، كـ2D Animation، و3D Animation، وClay Animation، و"ديجيتال أنيمايشن"، وغيرها، إلا أنّ لكلّ مُصمّم أو رسّام أو مُحرّك طريقةً يراها مناسبة للتعامل مع أدواته، وتميّزه عن غيره.
في بعض المهرجانات المحلية في العراق، يُلاحظ استقبال بعض أفلام الـ"أنيمايشن" الذي يعتمد على مشاريع تتضمن شخصيات مقلّدة. ما تعليقك؟
للأسف، فإنّ قلّة المتخصّصين بهذا الجانب في العراق، من المشرفين على المهرجانات السينمائية، ساعدت في انتشار المزوّرين وسارقي حقوق الملكية الفكرية في عرض أعمالٍ لهم بعنوان "أعمالهم الخاصة". أتمنّى على مسؤولي هذه المهرجانات المحلية أنْ ينتبهوا إلى هذه المشكلة الكبيرة، وأنْ يتعاملوا معها بحكمة، فهم يساهمون بتشويه هذا الفنّ، ونقل صورة سيئة عن صنّاعه العراقيين أمام الخارج، من دول وجهات سينمائية ومخرجين وغيرهم.
هل ترى في الأفق مستقبلاً لهذا النوع من الأفلام في العراق؟ ما هي بالضبط معوقاته؟
لا أرى، بقدر ما أتمنّى. إنّ أصعب ما يعوق إنتاج هذا النوع من السينما، أي "أنيمايشن" محترم، كامنٌ في الإنتاجية العالية نسبياً إزاء بقيّة الأنواع السينمائية. إنتاجية تصل إلى مئات آلاف الدولارات الأميركية، في بلدٍ لا يدعم المشاريع الأصغر من هذه بمئة ضعف. أشير إلى أنّ هناك شغفاً لدى شبابٍ كثيرين. لكنْ، للأسباب التي ذكرتها، لا يستطيع هؤلاء تحقيق أحلامهم.