أملٌ معطوبٌ في واقعٍ مُحطَّم

18 ديسمبر 2020
بيروت: أي ميلاد وأي احتفال وأي سينما؟ (مروان طحطح/ فرانس برس)
+ الخط -

 

أيام قليلة تفصل الآن عن نهاية عامٍ مليء بالقهر والألم والتمزّق والخراب. العالم منهمكٌ في مقارعة وباءٍ، وفي مواجهة أزمات يولّدها الوباء لصرامةٍ معتَمَدة في مواجهته، أو في محاولة مواجهته. لبنان يعاني أزماتٍ خانقة قبل تفشّي الوباء، وأثناء انتشاره في أمكنة ونفوس وذوات. الموت، الذي تُسبّبه حالاتٍ أخرى، يتسرّب في ثنايا ذاتٍ، وقلق تفكيرٍ، وخوف مَشاعر. موتٌ كهذا يحضر، وإنْ بتواضع، ليُذكِّر برحيلٍ يظنّ أنّ الناس ينسونه.

لن يحول أي سببٍ للموت دون مزيدٍ من وجعٍ ولوعة. فالموت موت، وكلّ راحلٍ يحفر زعلاً في أعماق مُحبّين ومعارف. الانهيارات كثيرة. الفقدان قاسٍ. العزلة ضاغطة. الخراب خانق. أيامٌ تفصل الآن عن نهاية عامٍ مشؤوم، فيبدو الموت كأنّه متنفّسٌ، وإنْ يبقى الموت مُقلِقاً، وزياراته منبوذة.

الأيام السابقة على نهاية عامٍ مشؤومٍ غير واضحةٍ. لا احتفالات تُذكِّر بأزمنةٍ غابرةٍ، ولا كلام عن سهرةٍ تُجيز سلطةٌ إقامتها في ملاهٍ، لكنْ من دون رقصٍ، فالرقص أداة أسرع لانتقال العدوى، كقولٍ للسلطة. لا حجوزات مسبقة لتمضية ليلةٍ أمام "بار" في ملهى، فالجلوس أمام الـ"بار" ممنوع، بينما الوقوف مسموح لأنّ الجلوس يُطيل إقامة الساهر، وهذا تسهيل لانتقال العدوى أيضاً، بحسب نظامٍ حاكمٍ في بلدٍ مُنهار. تمديد السماح بالتجوّل نصف ساعة يومياً صدمةٌ لأناسٍ، يتمرّدون على قراراتٍ مُثيرة للسخرية، بانتظار إلغاء المنع نهائياً مع اقتراب عيدين لن يحتفل بهما كثيرون، إما لفقرٍ أو عوزٍ أو حزن أو قهر أو كآبة أو تمزّق أو قرفٍ. وإنْ يحتفل البعض، فلتنفيسٍ، ولو مؤقّتاً، عن شعور بمهانةٍ مُستدامة.

 

 

أحياء قليلة في بيروت تتزيّن بما يوحي باحتفالٍ. الميلاد مُقبلٌ ببطءٍ لا يُحتَمل. صخب أولادٍ ينتظرون حامل هدايا يأتيهم بها من بعيد، كعادة قديمة، ينعدم كلّياً فللانهيار دويّ أقوى، مع أنّ أناساً يريدون صخباً كهذا ليُصمّوا آذانهم عن دويّ الانهيار. الأحمر الذي يرتديه ملتحٍ أبيض يتوافق، بغرابة، مع أحمرٍ سائلٍ من جسد مدينة، ومع أبيضٍ تنفضّ روحها عنه. عربة العيد سيارة إسعاف معطّلة، والزينة صوت استغاثة غير صادح. فالشجرة المعتادة محروقة، والمغارةُ المتواضعة تُغلق أبوابها، وتتهيّأ لفصلٍ جديدٍ من أذى وتقوقع.

هذا مشهدٌ لبنانيّ مُشلّع. لا سينما تستوعبه، ولا مشاريع أفلام تهضمه، ولا حماسة اشتغال سينمائيّ تصنعه. مشهدٌ قاتمٌ، رغم شعاعٍ ينبثق من سينما تُصنع بهدوء، ومن مشاريع تُكتَب بسكينة، ومن حماسة تُصان بحبّ، وباشتغال يُنفَّذ بشغفٍ. مشهدٌ قاسٍ، رغم هوسٍ في التبرؤ من الانكسار والخيبة، والهوس يصنعه أناسٌ يظنّون أنّ تجاهل الموت يمنع الموت من التمدّد في الأمكنة التي يُريد، عندما يُريد.

لكنْ، ألن يكون هذا كلّه أملاً معطوباً في واقعٍ مُحطّم؟

المساهمون