"أكسل سبرينغر" تتربّح من المستوطنات الإسرائيلية

06 فبراير 2024
تظاهرة مناصرة لفلسطين في برلين: "الحرية لفلسطين" (خليل ساغيركايا/ الأناضول)
+ الخط -

أحد أساليب ألمانيا للتكفير عن ماضيها المظلم في القرن العشرين هو Staatsräson، أي "مصلحة الدولة العليا"، أو "مبرر وجود الدولة"؛ عام 2008، وصفت المستشارة أنغيلا ميركل العلاقة الخاصة بين ألمانيا والاحتلال الإسرائيلي بـStaatsräson، وذلك في خطاب ألقته أمام الكنيست الإسرائيلي، بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس الكيان الصهيوني. وقالت ميركل حينها: "هذه المسؤولية التاريخية لألمانيا جزء من مبرر وجود بلدي. وهذا يعني أنه بالنسبة لي بصفتي مستشارة لألمانيا، فإن أمن إسرائيل غير قابل للتفاوض على الإطلاق".

هذا "الالتزام" الذي يشمل أيضاً وسائل الإعلام الألمانية تصاعد بعد عملية طوفان الأقصى التي نفذها مقاومو "القسّام"، الجناح المسلح لحركة حماس، في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وحرب الإبادة التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين في قطاع غزة منذ ذلك التاريخ.

وتجسد مؤسسة أكسل سبرينغر (Axel Springer)، وهي دار النشر الأكبر في أوروبا، هذا "الالتزام". فأصحاب صحيفة بيلد الرائدة في ألمانيا يتخذون موقفاً لا يتزحزح في تأييد إسرائيل. في واحدة من افتتاحيات صحيفة "دي فيلت" اليومية، المملوكة لـ"أكسل سبرينغر"، أخيراً، كتبت: "فليبارك الله جيش الدفاع الإسرائيلي". وكتب الرئيس التنفيذي للمؤسسة في "بوليتيكو"، المملوكة أيضاً لـ"أكسل سبرينغر"، أن هتاف "فلسطين حرة، من النهر إلى البحر" يمثل دعوة إلى "الإبادة الجماعية لليهود"، وهو موقف يتماشى مع إعلان الحكومة الألمانية، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أن الهتاف غير قانوني.

ومع ذلك، أشار موقع ذي إنترسبت الإخباري، أمس الاثنين، إلى أن "الدفاع عن إسرائيل ضد الانتقادات الموجهة إليها بشأن انتهاكات حقوق الإنسان أمر، والتربح من تلك الانتهاكات أمر آخر... ويبدو أن هذا بالضبط ما تفعله أكسل سبرينغر".

وبيّن الكاتب والصحافي المستقل، هانو هاونستين، أن موقع الإعلانات الإسرائيلي Yad2، التابع لـ"أكسل سبرينغر"، ينشر قوائم لعقارات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك الشقق المعروضة للإيجار أو للبيع في المستوطنات الإسرائيلية التي تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي.

ففي ديسمبر/كانون الأول الماضي مثلاً، نشرت شركة Yad2 إعلاناً في صحيفة تجارية إسرائيلية للترويج لبيع المنازل على موقعها. وكتبت في الإعلان بالإنكليزية: "من النهر إلى البحر"، وأرفقته بخريطة لدولة الاحتلال ولفلسطين. ولا تحتوي الخريطة على "الخط الأخضر" أو أي علامات أخرى تفصل بين حدود إسرائيل، المعترف بها دولياً، والأراضي الفلسطينية المحتلة. وأضاف الإعلان تحت شعار "من النهر إلى البحر"، باللغة العبرية: "Yad2 يساعدك على التطلع إلى الأمام وبناء مستقبل في منزلك التالي في إسرائيل".

قد يرى معلقون أن هذا الإعلان سرقة وقحة للهتاف المناصر للفلسطينيين وقضيتهم، لكن المسألة أبعد من ذلك. إذ أوضح هاونستين، في "ذي إنترسبت"، أن الإعلان يبين أن "أكسل سبرينغر" تجني الأموال من مشروع الاستيطان الإسرائيلي. فصحيح أنه يمكن للعديد من الأفراد نشر الإعلانات مجاناً على Yad2، لكن نشر بعض فئات الإعلانات، بينها تلك التي ينشرها وسطاء العقارات والتجار، ليس مجانياً.

عثر "ذي إنترسبت" على آلاف الشقق المعروضة للبيع والإيجار في المستوطنات غير القانونية بالضفة الغربية الفلسطينية المحتلة. ومن بين هذه الإعلانات، دفعت شركات الوساطة المالية مقابل أكثر من ألف إعلان، مما يعني أن شركة Yad2، وبالتالي "أكسل سبرينغر"، تربحان منها.

بعض الإعلانات، وفقاً لخبير مسح القوائم بطلب من "ذي إنترسبت"، مخصصة لمنازل في ما يسمى بالبؤر الاستيطانية، أو المستوطنات التي تعتبر غير قانونية بموجب القانون الإسرائيلي، وتظهر قوائم المنازل الأخرى على أرض فلسطينية خاصة، استولى عليها الجيش الإسرائيلي "لأغراض أمنية"، ولكن يسكنها الآن مستوطنون يهود.

وصرح مدير منظمة هيومن رايتس ووتش "في إسرائيل وفلسطين"، عمر شاكر، لـ"ذي إنترسبت"، أن "نشر الإعلانات التي تروج للصفقات العقارية في المستوطنات الإسرائيلية يساهم في انتهاكات حقوق الإنسان"، وخلص إلى أن الاحتلال الإسرائيلي والمشروع الاستيطاني يساهمان في تعزيز نظام الفصل العنصري. وأضاف شاكر: "صودرت الأراضي التي بنيت عليها هذه المستوطنات من الفلسطينيين. في نهاية المطاف، دعوتنا هي أن تنهي الشركة أنشطتها التي تساهم في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان". وأشار شاكر إلى أن الفلسطينيين لا يمكنهم عملياً الشراء أو الإيجار في المستوطنات اليهودية.

في المقابل، زعم متحدث باسم "أكسل سبرينغر" أن "لا مكان للتمييز" فيها. وأضاف أن "قواعد السلوك الخاصة بنا، والتي تنطبق على جميع الشركات في أكسل سبرينغر، متاحة بلغات عدة، بينها العبرية... تنص شروط استخدام Yad2 صراحة على أنه لا يجوز التمييز ضد أي شخص على أساس الجنس، أو الدين، أو العرق، أو العمر".

لكن عمر شاكر شدّد على أن الإعلانات المبوبة للمنازل في المستوطنات الإسرائيلية لا تستفيد من التمييز فحسب، بل تمكّن أيضاً المشروع الاستيطاني الإسرائيلي بأكمله، من خلال إنعاش أسواق العقارات في الضفة الغربية. وقال لـ"ذي إنترسبت": "الشركات المنخرطة في هذا الأمر تستفيد من نظام يميز منهجياً ضد الفلسطينيين، ويحرمهم من تصاريح البناء والموارد والطرق والبنية التحتية. إنها تساهم أيضاً في جعل المستوطنات أكثر استدامة اقتصادياً، وبالتالي زيادة ترسيخ الممارسات الاستيطانية".

على الموقع نشرت إعلانات لنحو 1300 شقة ومساحة تجارية في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة وحدها، حتى منتصف يناير/كانون الثاني الماضي. يمكن لمستخدمي Yad2 أيضاً العثور على نحو ألف شقة للإيجار في المستوطنات اليهودية. من بينها، تشكل المنشورات المدفوعة من شركات الوساطة أكثر من 800 قائمة بيع، وأكثر من 100 قائمة تأجير، وأكثر من 100 قائمة عقارات تجارية. يحتوي الموقع على خريطة يمكن البحث فيها حسب المنطقة، خريطة يبدو أن القرى والبلدات الفلسطينية غير موجودة فيها.

تشمل قوائم Yad2 العقارات المتاحة للشراء أو الإيجار في بعض المستوطنات الأكثر تطرفاً من الناحية الأيديولوجية بالضفة الغربية، بما في ذلك كوخاف هشاحر، وكدوميم، وتلمون، وشيلو، وإيلي، وبساغوت... واعتباراً من الأسبوع الماضي، على سبيل المثال، برزت على الموقع قائمتان للشقق في مستوطنة "بات عين ب"، شمال مدينة الخليل الفلسطينية، وقال الخبير في شؤون المستوطنات الإسرائيلية، درور إتكس، إنها بؤرة استيطانية في الضفة الغربية غير مصرح بها من قبل الحكومة الإسرائيلية.

هناك إعلان آخر رصده إتكس، يعرض الأراضي القريبة من البؤرة الاستيطانية القائمة "معاليه رحبعام"، في بؤرة استيطانية منفصلة تسمى بشكل غير رسمي "ناشال ديفيد 224"، والتي تم الاستيلاء عليها من الفلسطينيين وعرضها للبيع مباشرة.

إتكس الذي أسس "كيرم نافوت"، وهي منظمة إسرائيلية مكرسة لمراقبة بناء المستوطنات في الضفة الغربية، حدد أيضا قائمتين على الموقع للأراضي في المستوطنات التي استولى عليها الجيش الإسرائيلي في السبعينيات "لأسباب أمنية"، ولكن تباع الآن عن طريق السماسرة مقابل رسوم.

وقال إتكس إن "الفشل في التمييز بين البؤر الاستيطانية وتلك المستوطنات التي تعتبرها إسرائيل قانونية هو أمر روتيني". وأضاف: "لقد اتخذت إسرائيل قراراً منذ سنوات بالتضحية بسيادة القانون من أجل الاستيلاء على الأراضي وتكثيف وجودها الاستيطاني في الضفة الغربية". وأشار إلى أن عدداً من المسؤولين الإسرائيليين، وبينهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش والعضو في الكنيست سيمحا روتمان، يقيمون في منازل في المستوطنات تعد، حتى وفق القانون الإسرائيلي، غير قانونية.

يذكر أنه عام 2019، أعلنت شركة "إير بي إن بي" Airbnb أنها لن تنفذ قرارها السابق استبعاد الأماكن المتاحة للتأجير في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، وأنها ستتبرع بأي أرباح تحققها من المستوطنات لمنظمات الإغاثة العالمية.

وكانت الشركة قد أعلنت أنها ستحذف نحو 200 منزل في المستوطنات من قوائمها، استجابة لدعوات من الفلسطينيين الذين يطالبون بإقامة دولتهم في الضفة الغربية. وأبدت سلطات الاحتلال الإسرائيلي "أسفها" لهذا القرار، وجرى الطعن عليه أمام بعض المحاكم في الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.

ورأت حينها "هيومن رايتس ووتش" في "قرار الشركة بالاستمرار في السماح بإدراج قوائم المساكن في المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في الضفة الغربية المحتلة خطوة مدانة وتتسم بالجبن، وستكون بمثابة صفعة مفجعة أخرى لحقوق الفلسطينيين الإنسانية". وأضافت أن "هذا القرار هو تنصل مخجل للغاية من مسؤوليتها كشركة تحترم القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان أينما تعمل في أي مكان في العالم. كما أنه يكشف مدى خواء ادعاءاتها كشركة تقدر حقوق الإنسان". ولفتت إلى أن الشركة "تحاول أن تبرئ نفسها بالقول إنها ستتبرع بالأرباح إلى المؤسسات الخيرية، لكن ذلك لا يغير حقيقة أنه من خلال الاستمرار في جذب السياحة إلى المستوطنات غير القانونية، فإنها تساعد في تعزيز اقتصاد الاستيطان".

المساهمون