في مراوحة بين اللونين الأبيض والأزرق، تحاكي الأقفاص الموجودة في بهو محل العم هادي العرفاوي، ذي السبعين عاماً، ألوان مدينة سيدي بوسعيد التونسية، التي تعد وجهة سياحية عالمية لجمال إطلالتها على البحر الأبيض المتوسط وطابعها المعماري المميز.
يتنقل الرجل داخل ورشته الصغيرة وسط أدوات الصنع وعلب الطلاء البيضاء الموضوعة بشكل عشوائي أعطى الورشة ميزة فريدة، فبدت كلوحة فنية بلا زوايا تحددها.
مراحل الصنع
يبدأ العم هادي، الذي يمارس هذه المهنة منذ خمسة وخمسين عاماً، صنع القفص بالتفكير في حجمه وطوله أولاً ليحدد المقاسات، ثمّ يشرع في قصّ الخشب بآلة صغيرة بعد أن يرسم الشكل المناسب، وهو الشكل المقوس الذي يميز أقفاص سيدي بوسعيد. وبعد تجميع الأشكال الخشبية، يقوم بقياس سبائك الحديد وقصها حسب حجم القفص الذي يريد صنعه، ثم يحيط به القوالب الخشبية ليبدأ القفص في التشكل، لكن الأمر يتطلب جهداً وتركيزاً عاليين.
وفي ما يخصّ مدة التصنيع، يقول هادي إنّها تتراوح بين يوم وأسبوع حسب حجم القفص، فبعد التركيب، تأتي مرحلة التزويق التي تتطلب الكثير من الصبر والتركيز، فالقفص يربط بقطع نحاسية صغيرة يقطعها الرجل بحذر لتكون متساوية، ثمّ يشدّ بها أسلاك القفص كي لا تتباعد بعضها عن بعض، فضلاً عن الجمالية التي تضفيها عليه، والتي لا تكتمل إلا بتلوين القفص بلوني مدينة سيدي بوسعيد الأبيض والأزرق.
يقول العم هادي إن آخر مرحلة بعد التلوين هي التجفيف، حيث يضع أقفاصه أمام محله لتجف تحت أشعة الشمس ويراقبها بين الفينة والأخرى، فهو حريص أيّما حرص على تقديم منتوج مميز.
أقفاص غزت العالم
يجهز العم هادي عدداً من الأقفاص ليقوم ببيعها في معرض في تركيا، ورغم قلة صانعيها، يقول إن أقفاص سيدي بوسعيد ما زالت تلقى رواجاً كبيراً خارج تونس، وقد غزت الأسواق الأوروبية والعربية، وحتى في اليابان، وهي تعد منتوجاً مميزاً يستخدم كقطع ديكور أو لتربية العصافير في المنازل الفخمة والقصور.
وبفعل تجربته الطويلة في المجال، ما زال العم هادي يجوب العالم لبيع أقفاصه المميزة رغم كبر سنه. يقول لـ"العربي الجديد": "لم أذهب يوماً إلى دولة وعدت ببضاعتي ولو بقفص واحد، بل بالعكس تنفد البضاعة من يوم العرض الأول، وذلك بسبب ندرة هذه الأقفاص وصنعها اليدوي، إضافة إلى ثمنها الذي يعد في المتناول إذا ما قورن بمشقة صنعها".
ولا يقتصر عمل العم هادي في ورشته الصغيرة على صنع أقفاص سيدي بوسعيد فقط، بل يستغل المواد ذاتها لصنع أطباق تقليدية مميزة تقدم فيها الحلويات في المناسبات الدينية والأفراح، كما يصنع أيضاً فوانيس جميلة مختلفة الأشكال تلقى رواجاً كبيراً من قبل التونسيين والأجانب على حد سواء.