أحجية اختفاء سيدة الألغاز أغاثا كريستي

18 فبراير 2022
قُصاصة من صحيفة نشرت خبراً عن اختفاء كريستي الغامض (أرشيف هولتن / Getty)
+ الخط -

 

لا تزال روايات ملكة جرائم القتل والغموض، أغاثا كريستي، تحقق أرباحاً في هوليوود الحديثة، وسط كل التحديات. فعام 2017، حقق فيلم إحدى أشهر رواياتها، "جريمة في قطار الشرق السريع"، نجاحاً كبيراً في شباك التذاكر، وحصد ما يزيد على 350 مليون دولار في جميع أنحاء العالم، بميزانية قدرها 55 مليون دولار. واليوم يعرض فيلم "الموت على ضفاف النيل" المقتبس من روايتها كذلك.

يعود بنا نجاح الأفلام التي تعرض روايات كريستي إلى اللغز الأكثر إثارة في حياتها، واختفائها المفاجئ في ديسمبر/كانون الأول عام 1926 الذي استحوذ على خيال نسبة لا يُستهان بها من الجمهور البريطاني. ربمّا لأنّها جعلتهم يختبرون على أرض الواقع تجربة الشخصيات التي شاركتها معهم في قصصها.

في ليلة من ليالي ديسمبر/ كانون الأوّل 1926، وفي ظلّ غياب سكرتير كريستي وصديقها المقرّب كارلو، فتك الحزن بها لفقدانها والدتها وغياب زوجها في وقت واحد. كان زوجها أرتشيبالد كريستي (أرتشي) على علاقة بامرأة تدعى نانسي نيل. وفي أغسطس/ آب، طلب من كريستي الطلاق. بعد مشادة بين الزوج والزوجة في الثالث من ديسمبر، غادر أرشي لقضاء عطلة نهاية الأسبوع مع الأصدقاء. في وقت لاحق من تلك الليلة، غادرت هي المنزل، تاركة ابنتها روزاليند للخدم، ومن دون أن تبلغ أحداً بوجهتها.

لم يُفسّر سرّ اختفاء أغاثا كريستي بشكل كامل لغاية اليوم، على عكس الألغاز في رواياتها التي كان يحلها عادة المحقق هرقل بوارو أو الآنسة ماربل. وفي أعقاب اختفائها، كان كل من أرشي كريستي وعشيقته نانسي نيل موضع شك. اختفت الروائية، وعُثر على سيارتها مهجورة على بعد بضعة أميال من منزلها، وداخلها بعض ملابسها، فبدأت عملية بحث وطنية شاملة عنها. وتبيّن في نهاية المطاف، وبعد مرور 11 يوماً، أنّها وصلت بطريقة ما إلى محطّة أنفاق "كينغس كروس" في لندن، حيث أخذت القطار وتوجّهت إلى مدينة هاروغيت شمالي بريطانيا، وحجزت فندقاً تحت اسم عشيقة زوجها. وكانت تعاني من فقدان الذاكرة، لذلك لم يكن لديها إجابات منطقية عن اختفائها 11 يوماً أو أي تفسير لأفعالها.

"كانت في حالة شرود بسبب الصدمة أو الاكتئاب"، يقول كاتب سيرتها الذاتية أندرو نورمان. ومع ذلك، لا يزال آخرون يعتقدون أن أفعالها كانت متعمدة، وربما كانت تهدف إلى مضايقة زوجها وإحراجه.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

توفّر لنا السجلات المحفوظة في الأرشيف الوطني البريطاني تفاصيل أكثر دقة للأحداث الغريبة التي وقعت في ديسمبر 1926. يظهر تقرير الشرطة ما يأتي: "عُثِر على السيارة في وضع يشير إلى وقوع أحداث غير عادية، إذ كانت في منتصف الطريق أسفل منحدر عشبي، بعيداً عن الطريق الرئيسي، مع غطاء محركها مدفوناً في بعض الأعشاب. كما لو كانت قد فقدت سيطرتها على القيادة. وعُثر في السيارة على معطف فرو وصندوق ملابس يحتوي على مواد مختلفة للسيدات، ورخصة قيادة تشير إلى أن المالكة هي السيدة أغاثا كريستي من سونينجديل، بيركس".

وتبيّن وثائق الأرشيف الوطني أنّ استجابة الشرطة المفرطة بعد عودة كريستي أثارت مخاوف في بعض الأوساط التي رأت أنّ الشرطة بالغت في إهدار الوقت والمال بحثاً عنها. وفي 25 فبراير/ شباط، طلب السيد نيل ماكلين، النائب عن غلاسكو جوفان، من وزير الداخلية، معلومات عن عدد أفراد شرطة العاصمة الذين شاركوا في البحث عن السيدة أغاثا كريستي، والوقت المستغرق والتكلفة الإجمالية، بما في ذلك رواتب الضباط بالتفصيل.

تظهر المستندات المتعلقة بهذا الطلب، في ملف وزارة الداخلية المحفوظة في الأرشيف الوطني، رد وزير الداخلية: "لم يكلّف أي فرد من شرطة العاصمة بشكل خاص لهذا الغرض، ولم تتكبد شرطة العاصمة أي تكلفة. نُشر وصف الشخص المفقود في المعلومات بالطريقة المعتادة". وجاء هذا الرد برسالة من نائب رئيس شرطة ساري، ويليام كينوارد، بتاريخ 9 فبراير 1927. وأوضح بالتفصيل الإجراءات التي اتخذتها الشرطة رداً على الاختفاء، وأكّد أنّ الطائرات التي قيل إنها شاركت في البحث لا علاقة لها بالشرطة، لافتاً إلى أن التقارير الصحافية قد بالغت في وصف استجابة الشرطة الفعلية.

أمّا زوجها، أرتشي كريستي، فقال آنذاك إنّ سبب اختفاء كريستي المفاجئ، أنها كانت تعاني من اضطراب عصبي وفقدان الذاكرة. ورفض طلب الشرطة للمساهمة في تكاليف البحث، مبرّراً ذلك بالقول إن الأمر "يتعلق بالكامل بالشرطة".

كان سبب اختفاء أغاثا كريستي موضوع نزاع حاد على مرّ السنين. راوحت التخمينات بين الانهيار العصبي الناجم عن وفاة والدتها، والإحراج من علاقة زوجها، أو أنها كانت حيلة دعائية للترويج للمؤلفة الناجحة التي كانت لا تزال مغمورة آنذاك. لكن لم يتردد زوجها، أرتشي، في ذلك الوقت، في الإعلان أن زوجته تعاني من فقدان الذاكرة ومن احتمال حدوث ارتجاج في المخ. وهو ما أكده فيما بعد طبيبان.

بعدها تطلّق الزوجان، وذهب كل منهما في طريقه. ولم تمرّ فترة وجيزة، حتى تزوّج أرتشي نانسي نيل، وتزوجت كريستي عالم الآثار السير ماكس مالوان. ولم يتحدث أحد عن الاختفاء مرة أخرى. في الواقع، لم تذكر كريستي هذه الحادثة، حتى في سيرتها الذاتية التي نُشرت بعد وفاتها في نوفمبر 1977. وبالتالي إن أكثر ألغاز كريستي إثارة للاهتمام بقي من دون حل!

المساهمون