"أبي" الإيراني: شهادة بصرية رائعة رغم قسوتها

16 اغسطس 2024
بكاه أهنكراني: "لاحقاً أعرف لماذا لا أزال أخشى هوليوود" (أمين محمد جمالي/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- فيلم "أبي" للمخرجة الإيرانية بكاه أهنكراني، يعرض في مهرجان أمستردام الدولي للأفلام الوثائقية، ويهديه إلى والدها الذي تصفه بالمقاتل الحقيقي.
- الفيلم يعكس سيرة عائلة إيرانية قبل وبعد الثورة الإسلامية، مروراً بالحرب الإيرانية-العراقية، ويصور تناقضات الحياة بين الأمل والقسوة.
- "أبي" شهادة بصرية حميمة، تجمع بين الفرح والقهر، وتعرض تأثير الثورة والحرب على الأفراد، مع تساؤلات حول مصير الشخصيات وصور من الحرب.

 

تستهلّ الإيرانية بكاه أهنكراني فيلمها القصير "أبي"، المشارك في مسابقة الأفلام الوثائقية القصيرة في الدورة الـ36 (8 ـ 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2023) لـ"مهرجان أمستردام الدولي للأفلام الوثائقية"، وبعد إهدائه إلى والدها، بقولها إنّ هذا الأخير "مُقاتلٌ حقيقيّ" (المفردة الإنكليزية Warrior تُترجم عربياً إلى مجاهد ومحارب أيضاً)، وإنّه "لم يخَفْ من شيءٍ".

في هذا تحديدان يجعلان "أبي" (2023، إنتاج إيراني تشيكي، 19 دقيقة) مُثيراً لمُشاهدةٍ، يُفترض بها أنْ تتحرّر منهما، مع حماسةٍ لمعرفة ما الذي تبغيه أهنكراني في فيلمٍ عن والدها، وله ومعه. فيلمٌ إيراني لن يتحرّر كلّياً من سياسة واجتماع وعيش، في بلدٍ محكومٍ بصرامة. هذا قول مُكرّر. "أبي" غير مبتعدٍ عن هذا كلّه، فجمشيد (الوالد) محورٌ وحيد لنصّ (كتابة أهنكراني وإحسان أبْديبور) يعكس سيرة عائلة، قبل الثورة الإسلامية (7 يناير/كانون الثاني 1978 ـ 11 فبراير/شباط 1979) وبعدها، وصولاً إلى اللاحق على نهاية الحرب الإيرانية ـ العراقية (1980 ـ 1988)، بعد مرورٍ فيها.

 

 

تلك الحرب تحديداً تصدم جمشيد، السينمائي المتحمّس للثورة والمنخرط فيها، والملتحق بالحرب إيماناً بدولته الجديدة ومبادئها وسلوكها. صديقه الحميم داود، الممثل في أفلامٍ له، يُعرّفه على مانيجه، التي تُصبح زوجته ووالدة أهنكراني. الصدمة قاسية. المسار المؤدّي إليها متناقض ومرتبك. فالبداية مفعمة بحبّ وحيوية واشتغال وآمال وكفاح، والحرب حربٌ بكلّ ما فيها من نضال وقسوة وعنف، ثمّ الخيبة صانعةُ قهر وانكسار، بل تحطّمٌ وانهيار. والابنة، صغيرةً، غير مُدركةٍ تفاصيل، والكامن فيها ذكريات وصُور بعضها غير واضح كلّياً. فهناك داود، الذي يختفي فجأة، فيُقال لها إنّه في هوليوود، قبل اكتشافها لاحقاً بوقتٍ طويل، مصيره، فيُطرح سؤالٌ: "أتكون هوليوود، في الحقيقة، سجن "إيفن"؟ (أحد أسوأ وأعنف سجنٍ في إيران). التساؤل التالي ربما يكون أقسى، إذْ تقول أهنكراني، بلسان الراوية التي هي، إنّها لاحقاً ستعرف لماذا ستبقى خائفةً من هوليوود.

شهادة بصرية حميمة، وصوت الراوية يُزيد من حميميتها وجمالها، رغم كلّ قسوة وقهرٍ يُنهيان أعواماً من فرحٍ وهناء. أرشيفٌ بصري وسمعي يصنع "أبي"، والروايةُ حكايةٌ تعكس سِيَر أفرادٍ (أب وأم وابنة وصديق) وبلدٍ. فرحٌ بنجاح الثورة الإسلامية دافعٌ إلى وضع صورة الإمام الخميني في الصالة الأساسية للمنزل. الحاصل لاحقاً (إعدام معارضين لمسالك في الثورة، واكتشاف قبر جماعي لهم، والمعروف أنّ هناك نحو 200 ألف إيراني يقتلهم الجيش الإيراني، كما يُكر في نهاية الفيلم) مُدمِّر لجمشيد، وصديقه متوارٍ في سجنٍ، والقهر غالبٌ. تلك الصورة ستُزال، وستوضع مكانها صورة الصديق الغائب. هذا غير عابرٍ. صُور من حربٍ، والابنة تبحث فيها عن والدها.

"أبي" فيلمٌ قاسٍ، وجمالياته البديعة غير مانعةٍ شعوراً بمعنى الخيبة والقهر.

المساهمون