شارك المصري محمد دياب في إخراج الحلقات الأولى والثالثة والسادسة من الموسم الأول لمسلسل "فارس القمر" Moon Knight الذي أنتجته شركة مارفل. استطاع دياب أن يقدم وصفة ناجحة في العمل الذي صُوّر بين المجر والأردن. وعلى الرغم من أن الرواية مبنية على الأساطير المصرية القديمة، فإن دياب نجح في تعويض غياب العنصر المكاني، لأسباب رقابية وسياسية حالت دون تصوير العمل في مصر، مستثمراً أدواته في إضفاء الطابع المصري على أجواء المسلسل بأسلوب متميز ومعاصر.
الموسيقى التصويرية واحدة من أبرز الأدوات التي استغلها دياب في توصيف علاقة الزمان والمكان بأحداث المسلسل ومقتضياته السردية. اللغة الموسيقية التي عهدت إلى المؤلف والملحن المصري هشام نزيه دخلت في توثيق أنماط أصلية تقارب واقعاً محدّداً، من دون إهمال للمسات معاصرة، تستوي معها رؤية جذابة في طرح قصص الأبطال الخارقين. مكونات العمل، من قصص وشخصيات وسيناريو، تستلزم تعبئةً موسيقية كهذه. ولا بد من جرأة في تضمين هذه التعبئة، ورفع سوية الاشتغال إلى مستوى التنفيذ العالمي، من دون وقوع في فخ الحاجة الهوليوودية لتصديق الفعل والأداء كنتاج عربي مصري.
انطلاقاً من المعزوفات الأوبرالية، مروراً بأغاني عبد الحليم حافظ ونجاة الصغيرة وصباح ولطيفة التونسية، وصولاً إلى المهرجانات المصرية والأغاني الصعيدية، هذه الخلطة كان يمكن تسميتها بـ"محسّنات التنفيذ"، لولا مهارة التوزيع والتنسيق بين دياب ونزيه.
أسلوب التشكيل الموسيقي، سواء في تترات البداية والنهاية أو في معرض الحلقات والمشاهد، دفعت بتكوين روح الشارع المصري ومروياته الشعبية والأسطورية من دون انحيازٍ لتعريبٍ، أو تسويغٍ شخصي يتعدى المسوغ الدرامي، ضمن مسار اشتغال عالمي، لم يألفه محبو هذا نوع من الأعمال، سواء أكانوا عرباً أم أجانب.
في سياق آخر، أحسن دياب توظيف المؤثرات البصرية من دون استنزافها إلى درجة المغالاة التي تستهوي صناع هذا النوع من الأعمال. ولعل عمليات الإضاءة والألوان كانت في غاية الدقة والبساطة، إذ قدمها دياب ضمن لغة بصرية مبسطة، تلبي الأبعاد النفسية للقطات وللممثلين، ولا سيما بطل الحكاية، الممثل أوسكار أيزاك الذي قدم شخصيتين، هما ستيفن غرانت ومارك سبيكتور، باعتبار أنه مصاب بـ"اضطراب الهوية التفارقي".
وبرزت إلى جوار البطل شخصية ليلى الفولي التي أدتها الممثلة المصرية الفلسطينية مي القلماوي. لاقى أداء الأخيرة حفاوة جماهيرية واسعة. وفاجأت شخصيتها متابعي المسلسل في الحلقة الأخيرة، أثناء صراع الإله كونشو (إله القمر عند المصريين) مع الإلهة آميت (إلهة الموتى عند المصريين). حصلت ليلى على قدرات خارقة، ساندت بها البطل خلال صراعه مع آرثر هارو (إيثان هوك) خادم الإلهة آميت.
توظيف هذه الشخصية أضاف طابعاً خاصاً على مجريات الأحداث والصراع الدائر بين الشخصيات الأخرى. التزم دياب في تقديم هذا النموذج بمعاينة بسيطة تلبي متطلبات الجمهور، وتغذي نوعية العمل باللقطات المثيرة والحماسية.
وفي مكان آخر، انتزعت الشخصية اهتمام النقاد والجماهير العربية على وسائل التواصل الاجتماعي، ودخلت بذلك القلماوي تاريخ السينما والتلفزيون كأول امرأة عربية خارقة في العالم العربي، وفي عالم مارفل السينمائي، رغم أن تاريخ الأدب الجاهلي يزخر بشخصيات ذات قدرات خاصة وخارقة، بقيت رهينة الكتب والسير والأشعار، أشهرها "زرقاء اليمامة" التي اشتهرت بين شعراء العرب والقبائل العربية قديماً بحدة نظرها وقدراتها البصرية الخارقة.
نال دياب فرصة تقديم شخصية عربية خارقة في عمل أميركي، تشير معطيات نجاحه إلى احتمالية كبيرة بإدخال شركة مارفل شخصيات عربية خارقة في المستقبل، بعد تجربتها الأولى هذه.