قضى "واتساب" عاماً كاملاً في الكفاح ضد مخاوف الخصوصية والغرامات، في سبيل الحفاظ على سمعته كتطبيق آمن وأفضل من منافسيه. مع اقتراب عام 2020 من الانتهاء، شرع "واتساب"، المملوك لــ"فيسبوك" (ميتا حالياً) في إبلاغ المستخدمين بمراجعة شروطه المحدثة والموافقة عليها بحلول الثامن من فبراير/شباط 2021، وإلا سيجري وقف حساباتهم أو حذفها، ثم بدأت سلسلة المصاعب.
استنكر المدافعون عن الخصوصية هذه الخطوة، مشيرين إلى سجل "فيسبوك" في التعامل مع بيانات مستخدميه، وشرع المستخدمون في الهجرة نحو تطبيقات المراسلة المشفرة مثل "سيغنال" و"تيليغرام".
الارتباك حول الإشعار زاد من تعقيده تاريخ "فيسبوك" في الحوادث المتعلقة بالخصوصية، وأجبر "واتساب" على توضيح تحديثه للمستخدمين وتأجيل فرضه. ودافعت خدمة المراسلة التي تضم ملياري مستخدم حول العالم عن نفسها بالقول إن ما حصل هو سوء فهم للقواعد الجديدة، مؤكدةً أن هدفها هو مساعدة التجار في تحسين التواصل مع زبائنهم عبر "واتساب".
وعلى الرغم من هذه الشروحات وإرجاء العمل بالقواعد الجديدة حتى 15 مايو/ أيار الماضي، هجر مستخدمون كثر "واتساب" إلى المنصات المنافسة.
معارك قضائية بالجملة
أدخلت الشروط الجديدة وغيرها تطبيق "واتساب" أروقة المحاكم، وكبدتها غرامات باهظة. وتلقت الشركة الأم سيلاً من الشكاوى، من جانب منظمة حماية المستهلك الأوروبية وغيرها. وفرضت أيرلندا، حيث المقر الأوروبي لـ"فيسبوك"، غرامة قيمتها 225 مليون يورو (267 مليون دولار أميركي) على "واتساب"، لانتهاكه قوانين خصوصية البيانات في الاتحاد الأوروبي. واستأنف "واتساب" الحكم، ولكنه أعاد كتابة سياسة الخصوصية الخاصة به لتوضيحها أكثر.
وفرضت تركيا غرامة قيمتها مليون و950 ألف ليرة تركية (أكثر من 197 ألف يورو)، لعدم اتخاذ "الإجراءات اللازمة لتجنب معالجة البيانات الشخصية بشكل يخالف للقانون". كما فرضت محكمة روسية غرامات على "واتساب"، إلى جانب "فيسبوك" و"تويتر"، يصل إجمالي قيمتها إلى 35 مليون روبل روسي (نحو 473 ألف دولار أميركي)، لرفضها فتح مكاتب في روسيا وتخزين البيانات الشخصية للمستخدمين الروس في خوادم على أراضيها.
وجلس ممثلو "واتساب" على الكرسي المقابل في دعوى رفعتها ضد الحكومة الهندية في نيودلهي، في مسعى منها لمنع دخول إجراءات جديدة حيز التنفيذ ستجبرها على انتهاك حماية الخصوصية.
بين الربح والخصوصية
يشكل "واتساب" الذي استحوذت عليه "فيسبوك" في 2014 ورقة استراتيجية أساسية للشبكة التي أسسها مارك زوكربيرغ. وتسعى الشبكة العملاقة إلى زيادة الإيرادات المالية من تطبيق المراسلة، بينما لا يزال خالياً من الإعلانات، المصدر الأكبر للأرباح.
وتعتزم الشبكة العملاقة استخدام التطبيق كمنصة للتجارة الإلكترونية مع أدوات مهنية لخدمة الزبائن، بحيث توسع نطاق خاصية "المتاجر" ليشمل "واتساب" في عدد من الدول.
وفي المقابل، حاولت الشركة استعادة بعض من سمعتها كتطبيق مشفر وآمن من خلال خدمات تقوي الخصوصية أكثر. وبات التطبيق يسمح الآن للصور ومقاطع الفيديو بالاختفاء بعد مشاهدتها لمرة واحدة، علماً أن التطبيق لن يخبر المستخدم بأن المرسَل إليه قد أخذ "لقطة شاشة" (سكرين شوت) للمحتوى الذي أُرسل إليه، كما يمكنه أن يسجل المحتوى بكاميرا أخرى.
وأعلنت الشركة الأم أن بعض المستخدمين يمكنهم تشفير الرسائل المخزنة على "غوغل درايف" أو "آيكلاود" من "آبل"، على أن توفر الميزة تدريجياً للأشخاص الذين لديهم أحدث إصدار من "واتساب". وأعلن زوكربيرغ أخيراً عن منح مستخدمي تطبيق "واتساب" خيار إخفاء رسائلهم بعد 24 ساعة من توجيهها.