"موت أميرة" وحصار سوسن بدر

19 مارس 2021
سوسن بدر في مشهد من فيلم "موت أميرة" (يوتيوب)
+ الخط -

في أواخر السبعينيات، أنجز المخرج الإنكليزي أنتوني توماس فيلم "موت أميرة" من بطولة الفنانة سوسن بدر، إلى جانب مجموعة من الممثلين المصريين والعرب والأجانب، مثل محمد توفيق، وسمير صبري، ونبيل الحلفاوي، وعبد الله محمود، وصلاح جاهين.

القصة الأساسية للفيلم تدور حول الأميرة السعودية مشاعل بنت فهد التي تمردت على التقاليد، وهربت مع حبيبها. لكن استمرارها في الهروب فشل، فقبض الأمن السعودي عليها وحكم عليها بالإعدام مع حبيبها.

هذا في ظاهر الفيلم. أما في عمقه، فيشير إلى ما هو أخطر من ذلك بكثير. فهو يقدم قراءة اجتماعية سياسية لشكل الحكم وقتذاك، بل ويتجاوز هذا العمق إلى النقد القاسي ليس للسعودية وحدها، بل لكل الذهنية التي تتحكم في المنطقة العربية.

أعتقد بما لا يدع مجالاً للشك أنّ الفيلم سبّب غضباً حقيقياً عند الحكومة السعودية. فحاولت السلطات منع عرضه، ونجحت في ذلك بالفعل في جميع أنحاء العالم تقريباً. إذ استطاعت بكل ما أوتيت من مال وسلطة، إجهاض أي محاولة لظهور الفيلم إلى النور. لكن لم تستطع السعودية معاقبة المخرج، الذي نجح في تسريب الفيلم الموجود حالياً على "يوتيوب".

هذه ليست كل المأساة، فالمأساة الحقيقية مسّت الممثلين المصريين الذين وضِعوا على القائمة السوداء، ومنعوا من التمثيل. وعلى رأس هؤلاء البديعة سوسن بدر. اختيرت هذه الأخيرة للمشاركة في مسرحية "سك على بناتك" (1980)، وكانت بالفعل قد بدأت البروڤات مع فؤاد المهندس، لكن الفرقة اضطرت إلى أن تعتذر منها عن استكمال البروڤات لوجود قرار بمنعها من العمل الفني بكل أشكاله. وإثر هذا الحصار، اضطرت بدر أن تهاجر إلى لندن، وتبتعد تماماً عن الوسط الفني في مصر.

عادت بعد سنوات لكي تبدأ من الصفر، بينما تحوّلت بنات جيلها إلى نجمات. تحملت شظف العيش واضطرت لقبول أدوار صغيرة لا ترقى لمستوى موهبتها. وبعد سنوات عجاف، استطاعت أن تكتسب ثقة المنتجين والموزعين، والأهم من يملكون سلطة صناعة القرار الفني. شيئاً فشيئاً، انفك الحصار الجهنمي المضروب حولها وبدأت تخرج من دائرة التهميش والظل إلى دائرة النور  لتتوسطها، وتقدم لنا إبداعاتها التي لا تُنسى.

لكن ما حدث مع سوسن بدر، وهذا الأسلوب المكارثي الذي مورس بحقها، حدث لآخرين مع اختلاف الحكاية والتفاصيل، لكن بقيت المأساة واحدة.

ولهذا، أرجو أن نتخلص من مكارثية "موت أميرة".

المساهمون