"مريم" لـ نيسم جلال وأسلوب: لأنّ الخوف هناك

06 يوليو 2021
جاءت كلمات بصيغة قصصية على لسان امرأة معتقلة (العربي الجديد)
+ الخط -

مطلع الشهر الماضي، أطلق الثنائي الموسيقي نيسم جلال وأسلوب، فيديو على "يوتيوب" لعمل جديد يحمل عنوان "مريم" يشاركهما فيه عازف الكونترباص كلود شامشيان. تأتي "مريم" كتحية للنساء السوريات المعتقلات في سجون النظام السوري، وهي لوحة أدائية - قصصية، قائمة على العزف الموسيقي الارتجالي، وأداء "يجمع ما بين روح الجاز والغناء والشعر"، على حد تعبير أسلوب، واضع كلمات العمل.

تقول نيسم جلال، صاحبة فكرة العمل ومخرجته فنياً، إنّ "مريم" ولدت تأثّراً منها بالفيلم الوثائقي "سوريا: الصرخة المكتومة" من إخراج مانون لوازو، وإعداد مشترك مع الصحافية أنيك كوجان. غاصت نيسم بعمق في تفاصيل شهادات النساء في الفيلم، لا سيما أنّها كانت قد وضعت موسيقاه مشاركة مع خالد الجرماني. وتقول إنّها تأثرت بشكل كبير لأنّ الوثائقي تخطّى مسألة تسليط الضوء على استخدام النظام الاغتصاب كأداة حرب، بل تناول الفيلم شهادات في الظلّ لمعتقلات يتكتّمن على مسألة اغتصابهن في السجن خوفاً من جلب العار لأنفسهن وعوائلهن.
أمام هذا العنف المزدوج، تقول نيسم: "بعد مرور عشر سنوات على الثورة السورية، لا بد من أنّ نحكي عن قضية النساء السوريات المعتقلات التي قليلا ما يتم التطرق إليها، ولا بدّ من رفع الصوت عالياً في سبيل تحريرهن". فكرة "مريم" كانت واردة منذ سنوات قليلة، إذ كان الثلاثي؛ جلال وأسلوب وشماشيان، قد قدّموا في عدة عروض حية عملاً بعنوان "حكاية أنثى". حول ذلك، يقول أسلوب إنّ "مريم" كانت جزءاً من ذلك العمل، قبل أن تتحوّل إلى فكرة ناضجة موسيقياً وشعرياً بشكل مستقل.
بصرياً، صنع فيديو "مريم" عبر توثيق الأداء الحيّ، وقد تم تصويره في مسرح "بيت الموسيقى" La Maison De La Musique De Nanterre، وهو من إخراج غيل لو ماو وإنتاج Les Couleurs Des Son وHemera Films. "لم نرغب بصناعة فيديو يعتمد على تسجيل مسبق نرافقه بأداء تمثيلي، بل كنا نطمح إلى خلق عمل حيوي أكثر"، تقول نيسم، وتضيف: "أردنا أن يضم الفيديو روح العمل، لا سيما أنّ عزفي وكلود في العمل قائم على الارتجال بالتوازي مع أداء أسلوب".


ليس الارتجال والتناغم الموسيقي وحسب ما يميّز "مريم" فلكلّ من الموسيقيين الثلاثة حضور لافت، فرضه الإتقان والصدق في الأداء. كلمات العمل وضعها أسلوب بصيغة قصصية على لسان امرأة معتقلة، تروي وجعها وانكسارها أمام انتهاك حرمة جسدها من قبل "الوحش" الذي تنتصر عليه في النهاية بحريّتها: "تركت الجسم والعار عنده/ وروحي تطير وتصرخ حرّة". المتابع لمسيرة أسلوب، يعرفه كمؤدّ في مجال الراب وكمنتج موسيقي، إلّا أنّ أداءه في "مريم" يحمل طابع الإلقاء الشعري الحرّ، أو ما هو متعارف عليه بشعر الكلمة الحرة Spoken Word Poetry، وطعّمه أسلوب بأداء غنائي ملوّن، ما بين نمطي الحِدا والعتابا.

في المقابل، تضفي نيسم على آلة الفلوت حضوراً أدائياً تمثيلياً؛ فتحمّل أنفاسها همهمات وصرخات حيّة تحاكي وجع المعتقلات وغضبهن، فيما يشبع كونترباص كلود شامشيان المشهد بزخم الحرب ووطأة المأساة. هكذا، ولمدّة ثماني دقائق، تتناوب الكاميرا على الثلاثي ناقلة طاقة العمل الغنية موسيقياً وسط مشهدية آسرة رغم بساطة تأليفها المسرحي؛ خلفية سوداء وموسيقيون ثلاثة.
يذكر أنّ التعاون الأول ما بين أسلوب ونيسم جلال كان عام 2008، من خلال فرقة الراب "كتيبة خمسة" التي كان أسلوب من مؤسسيها، وهي فرقة نشأت في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين في لبنان قرابة عام 2003، واستمرت نشطة لعدة أعوام قبل أن يتفرّق أعضاؤها، في ما بعد، في بلاد الاغتراب.
أما نيسم جلال، الفرنسية - السورية، فهي مؤلفة موسيقية وعازفة فلوت وناي، كانت قد كوّنت مع أسلوب في فرنسا مجموعة "الآخرين" الموسيقية؛ مشروعهم الأساسي الذي يضم أيضاً كل من الدي-جي جوكاز لو، عازف الساكسوفون والإيقاع مهدي شعيب، فيريان ساي على آلة البيس وكليمون كليكيه على الدرامز أطلقت "الآخرين" أولى ألبوماتها عام 2018، وقد حصلت المجموعة مؤخرا على جائزة Musiques D’ici عن فئة موسيقى الشتات Diaspora Music Awards لعام 2020.فإلى جانب هويتها الموسيقية الخاصة، تتميز أعمال نيسم جلال وأسلوب؛ سواء الفردية أو الثنائية، بارتباطها الوثيق بقضايا الشعوب العربية وهموم شبابها، لا سيّما في سورية وفلسطين، الموطن الأصلي لكلّ من الفنانين بالترتيب. ولطالما تعاونا مع موسيقيين من المنطقة العربية من عازفين ومؤدي غناء وراب، نذكر منهم لين أديب، أبو غابي، جعفر الطفار.

في الوقت الراهن، يعمل أسلوب ونيسم على تطوير أعمال شبيهة بما قدّماه في "مريم" من حيث الأداء القصصي الموسيقي، وقد ينضم لهما فيها موسيقيون آخرون في عروض مسجلة وأخرى حية.

المساهمون