"قائمة التشغيل"... حكايات "سبوتيفاي" ومستقبله المتخيّل

25 أكتوبر 2022
تخبرنا كل حلقة قصة "سبوتيفاي" من وجهة نظر مختلفة (نتفليكس)
+ الخط -

عرضت منصة نتفليكس، أخيراً مسلسل The Playlist (قائمة التشغيل)، السويدي - البريطاني. العمل المُتخيل، الذي يستند إلى قصة حقيقية، وكتاب Spotify Untold الصادر العام الماضي، يخبرنا عبر ست حلقات، عن كيفية تأسيس منصة سبوتيفاي للموسيقى في استوكهولم عام 2006، في ذات الفترة التي تعرض فيها موقع The Pirate Bay للمحاكمة والملاحقة القضائية، بسبب انتهاكه قوانين حقوق الملكية، وإتاحة الموسيقى للجميع، مجاناً.
هذا الصراع بين يوتوبيا The Pirate Bay، ورغبة مؤسس "سبوتيفاي"، دانييل إيك، بإنشاء منصة موسيقية، قانونيّة، سريعة (أي دون زمن تحميل)، وذات قدرة على تلبية رغبات الجميع، ومنافسة سيليكون فالي، تتحول إلى معركة مع شركات التسجيل الموسيقية، تلك التي تمتلك حقوق الموسيقى، وتحارب "سبوتيفاي"، وThe Pirate Bay، وكل من سولت له نفسه الاستماع إلى الموسيقى مجاناً.
الحلقات الست مقسمة مفاهيمياً. كل واحدة منها تخبرنا الحكاية من وجهة نظر مختلفة، فالمعركة تقنية وفكرية وقانونيّة. لن نخوض في تفاصيل كل حلقة، لكن اللافت هو إيمان كل الفاعلين (المبرمج، والمحامي، وصاحب الفكرة، ورجل الأعمال، والموسيقي... إلخ) بضرورة مجانية الموسيقى. وكأنها حق إنساني لا يجوز احتكاره من قبل شركات التسجيل.
غيّر تطبيق سبوتيفاي شكل الصناعة الموسيقيّة. صحيح أنه تحول إلى شركة تُتهم بالاحتكار، لكنه ركّز على المجانية والقانونيّة، في زمن تعجز فيه السلطة عن ضبط القرصنة، إلى حد استهداف المستهلكين أنفسهم وملاحقتهم قانونياً، أي عوضاً عن حل مشكلة القراصنة والموسيقى المسروقة، اتُهم من يستمعون إليها باللصوصيّة، وهنا يكمن الفراغ الذي سده سبوتيفاي في السوق.


يشير المسلسل في الحلقة الأخيرة المعنونة بـ"الفنان"، والمتخيّلة كليّاً (تدور أحداثها في 2024)، إلى تحوُّل سبوتيفاي إلى منصة احتكار تتحكم بالسوق العالمي، ومتواطئ مع شركات الإنتاج الموسيقي التي تحرم الفنانين من الأرباح، وتتركهم على حافة الفقر، ما جعل سبوتيفاي نفسه ضمن التاريخ المتخيل محط الانتقادات، بل وخرجت مظاهرات ضده في شوارع استوكهولم، وكأنه شركة إنتاج لا تقيم وزناً إلا للربح. وهذا ما يثير الاهتمام في المسلسل؛ الموسيقيون دائماً محرومون ومعذبون، لكنهم في هذه الحلقة، تحولوا إلى طبقة عمال ضمن صناعة تستغلهم، سواء كنا نتحدث عن منصات البث أو شركات الإنتاج.
تحول الموسيقيين إلى طبقة، يعني وضع شروط لتعريف الموسيقي أو الفنان، الأمر الذي يبدو إيجابياً، لكنه أيضاً يخلق شروطاً قد لا يتمكن الجميع من الانصياع لها. فتعريف الفنان من وجهة نظر اقتصادية وقانونيّة، يعني تحوله إلى عامل، فهل هذا ما يريده الموسيقيون؟
اللافت أيضاً هو الرغبة بمنافسة وادي السيليكون. هذا التوجه الأوروبي كنّا قد رأيناه سابقاً في مسلسل "واير كارد"، الذي يتحدث عن الفضيحة التي لاحقت شركة الدفع الإلكتروني الألمانية، وتبين لاحقاً أنها وهمية. لكن في حالة "سبوتيفاي"، المال لم يكن الأهم، بل فُرض على المنصة التحول إلى نموذج للعمل ضمن قوانين وادي السيليكون، عوضاً عن أن يكون خدمة مجانيّة.
وهنا نعود إلى مفهوم الخصوصيّة وبيانات المستخدمين، فذوقهم هو "السلعة" التي تقول "سبوتيفاي" إنها لا تستخدمها، لكن القاعدة الذهبية ما زالت قائمة، كل خدمة مجانيّة، تعني أن المستخدمين أنفسهم هم السلعة، وليست الموسيقى التي يسمعونها، وهذا ما يتضح في خدمات الـ PlayList المدفوعة، والتي يكسب على أساسها "سبوتيفاي" المال.

تنوع وجهات النظر في المسلسل، يكسب كل حلقة استقلالية وقدرة على الإضاءة على جوانب مختلفة من "العمل"، بعكس المسلسلات والأفلام المشابهة التي تركز على عبقرية أو نذالة شخص واحد، كما في فيلم "الشبكة الاجتماعية" (2010)، الذي يركز على مارك زوكربيرغ، أو فيلم "ستيف جوبز" (2015)؛ فتعدد وجهات النظر يكشف عن ثقافة "العمل"، بصورة أدق أسلوب إنشاء الـ Start up، والصراعات المختلفة من أجل الحصول على المال لاستثماره، والأهم، الحفاظ على الفكرة نفسها من "الأعداء" الذين إما يريدون تدميرها أو شراءها.

ما يكشفه المسلسل، أن كل وجهات النظر ولو اختلفت، لا بد من الإيمان بقيمة الفكرة نفسها من أجل النجاح، وتذليل الرغبة الحقيقية بالتغيير (في حالتنا هذه تغيير سوق الموسيقى)، وليس مجرد كسب الملايين ثم بيع الشركة والانتقال إلى فكرة أخرى.

المساهمون