"صانع السلام" والعدالة الناقصة

16 فبراير 2022
لم يستغن جون سينا عن دوره كبطل خارق مثير للتساؤلات (HBO)
+ الخط -

لم يعد دوين جونسون (ذا روك)، المصارع الوحيد الذي انتقل من الحلبة إلى الشاشة؛ إذا بدأ جون سينا، أيضاً، اقتحام الشاشة الذهبيّة منذ عام 2015، ليصبح مع فيلم The Suicide Squad، جزءاً من عالم DC السينمائي، بدور "صانع السلام" (Peacemaker).
لم يستغنِ سينا عن دوره كبطل خارق مثير للتساؤلات، إذ بدأت مؤخراً شبكة HBO، ببث الموسم الأول من مسلسل "صانع السلام"، الذي يشارك فيه سينا بدوره ذاته، وكمنتح مساعد أيضاً، لنكتشف أكثر تاريخ هذه الشخصية العنصرية، التي تقتل بعمى، من دون أن تبوح بما تخفيه وراءها من مأساة.
يتبنى صانع السلام شعاراً يقول: "أنا مستعد لقتل كل رجل وامرأة وطفل في سبيل تحقيق السلام"، ساخراً من باتمان وسوبرمان؛ فصانع السلام لا يمتلك معياراً أخلاقياً، ومستعد للتضحية بأي أحد في سبيل تحقيق العدالة، ما يجعله دوماً موضع شكّ، والخيار الأخير في أي مهمة يتوقف عليها مصير لعالم.
تمثّل هذه الشخصية الصورة الكاريكاتوريّة للأبيض المتعصب، ذاك الذي يسكن في مقطورة خارج المدينة، ويوزع الإهانات على كل الأقليات من حوله، والسبب أن والده "زعيم الأمة النازيّة"، دربه على القتال منذ صغره، فهو لا يمتلك قوى خارقة، بل مهاراته وما يقدمه له أبوه من اختراعات، كخوذته الشهيرة، تلك يحاول صانع السلام دوماً توظيفها بأفضل صورة كي ينال رضا والده، الذي كان ولا يزال يرى فيه "مجرد كتلة لحم كان عليه التخلص منها لحظة ولادته".


علاقة صانع السلام مع والده إشكالية، وتهدد المهمة الجديدة المناطة به، وهي محاربة غزو فضائي من قبل "فراشات" تحتل أجساد البشر، وتحاول استبدالهم، ليخوض سلسلة من المغامرات شديدة الدموية والكوميديّة، التي تعيدنا إلى مسلسل "الفتيان" وما يحويه من محاولات لتحطيم صورة البطل الخارق المفرط في أخلاقيته.
يتخلل المسلسل مشاهد من فيلم The Suicide Squad، خصوصاً اللحظة التي يقتل فيها صانع السلام زميله وقائد المجموعة ريك فلاغ، لأجل تحقيق المهمة، وعدم إفشاء أسرار العملية. يترافق ذلك مع السذاجة المفرطة التي يتمتع بها صانع السلام، وتتخللها أحياناً لحظات من الوعي الذاتي، وسعي إلى تغيير أسلوبه في العمل؛ إذ يرى أن عليه التوقف عن قتل البشر، أشراراً وأخياراً، والتركيز فقط على الكائنات الفضائية، إلى جانب السعي إلى ضبط سلوكه ولسانه العنصري، ذاك الذي ورثه عن والده، الذي لا يفوت مناسبة لإهانة آسيوي أو أسود، أو امرأة. في النهاية، هو زعيم النازيين الجديد، الفئة التي أثبتت خطرها في الولايات المتحدة.
لن نشير إلى أحداث المسلسل، لكن لا يمكن إنكار أن السذاجة والعنف الساخر يتركاننا دوماً على وشك الانفجار ضحكاً، إذ يقدم جون سينا أداءً ينال الإعجاب، مستفيداً من مهارته الجسدية و قدرته على التحامق في ظل أكثر المواقف خطراً، ناهيك أن الشخصيات المحيطة به غريبة الأطوار، ولا تعامله بوصفه البطل الخارق، ذا الهالة المريبة التي تحيط به، فهو محط تساؤل واستهزاء أحياناً، ولا ينبض بقواعد الأخلاق الجديدة، المتمثلة بالصوابية السياسية واحترام خصوصية كل فئة، هو متنمر، مفرط في عاطفيته التي تتحول إلى غضب، وعاجز عن حل مشكلاته الخاصة، فيلقيها على عاتق الآخرين.

يحيل المسلسل إلى نظريات المؤامرة، خصوصاً تلك التي يؤمن بها المتعصبون البيض، كالدولة العميقة، والعمليات السريّة غير القانونيّة، بوصفها جزءاً من تكوين الدولة التي تحاول إبعاد "البيض". هؤلاء، بعد أن يلتقوا بزعيمهم والد صانع السلام، نكتشف أنه شرير مقنع باسم "التنين الأبيض"، وزي أتباعه ليس إلا تحويراً للرداء التقليدي الذي يرتديه عادة أفراد جماعة الـ KKK العنصريّة، فالعدو هنا لا يتمثّل بالفضائيين فقط، هناك أيضاً فئة من البشر، التي لم ينفع معها الكلام ولا العواطف، لكن ربما صلة القربى تحل المشكلة، فبالنهاية، وهذا ما يقوله صانع السلام، التنين الأبيض والده، وجزء من "الأسرة".

المساهمون