تُقيم مؤسسة الدوحة للأفلام سلسلة عروض لأعمال سينمائية مُستقلة، تُعرض في إحدى الصالات التجارية في العاصمة القطرية، بشكل غير منتظم. آخر الأفلام المعروضة كان الشريط الفرنسي "صانعة الورود" (The Rose Maker) للمخرج بيير بينود.
في ساعة ونصف، يحكي "صانعة الورود" (2021)، قصة امرأة تمتلك مزرعة ورود على وشك أن تُفلس، لأنّ معظم منافسيها ينتمون إلى طبقة رجال الأعمال، وعملهم في زراعة الورود وتهجينها، ليس سوى جزء صغير من مملكة رأسمالية كبيرة يجلسون على عرشها. بينما إيف (أدت دورها كاثرين فروت)، لا تملك شيئاً سوى مزرعة صغيرة ورثتها عن والدها الراحل، ولديها موظفة واحدة فقط تساعدها، لأنها لا تستطيع تحمّل الإنفاق على موظفين آخرين.
تشارك إيف سنوياً في مسابقة مختصة بالورود، يربح فيها من يستطيع تهجين وردة جديدة، لها ألوانها الخاصة، والأهم عطرها المميز والمختلف والنادر. أحد منافسي إيف، لامارزيل، هو الفائز دوماً، كونه يملك الإمكانيات المالية لرعاية مزرعته الكبيرة، ولديه كادر من الموظفين القادرين على تهجين الورود والإتيان بما هو جديد. يسعى لامارزيل إلى الاستحواذ على مزرعة إيف، وتحويلها إلى موظفة لديه، لكن ابنة الطبقة الوسطى، ترفض التخلي عن إرث والدها، وتقول في كل مرّة: "أفضّل أن أقفل المزرعة، على أن أبيعها إلى رجل وغد مثله".
الموظفة الوحيدة التي تعمل لدى إيف، فيرا، جاءت بفكرة من شأنها أن تُنقذ المزرعة من الإفلاس أو البيع. عثرت على ثلاثة أشخاص، هم فريد وسمير وناديج، خرجوا من السجن، وعليهم أن يتطوعوا في عمل مفيد للمجتمع، ويُظهروا حسن السلوك، لإقناع السلطات بإخلاء سبيلهم نهائياً. سيعمل هؤلاء الثلاثة، مجاناً، في المزرعة مع إيف. وسيكون على الأخيرة، أن تعلّمهم كل ما يتعلّق بالورود ورعايتها وتهجينها وزراعتها في البيوت البلاستيكية.
وهنا، تبدأ المغامرة. فريد له ملفّ أمني سيئ؛ إذ أدين مراراً بتهم السطو على متاجر والسرقة والاقتحام. كيف لشاب مثل هذا، أن يتلقى أوامر من امرأة، وكيف له أصلاً، بتاريخه العنيف، أن يعمل في مجال يتناقض كلياً مع شخصيته؟
ما قد يُنقذ المزرعة من الإفلاس، هو تعاون هذا الفريق، من أجل إنتاج وردة مميزة، تمنح إيف الاستحقاق بالفوز في المسابقة التي يستولي على جائزتها كل عام لامارزيل. بطبيعة الحال، المهمة ليست سهلة، تدريب ذلك الثلاثي وتعليمه كل ما يتعلق بالورود، إلى جانب خوض تحدّي إنتاج وردة جديدة ومميزة تستطيع المنافسة لنيل الجائزة، خصوصاً أن المزرعة صغيرة وإمكانياتها محدودة، وتخوض وحيدةً بين حيتان رأسماليين، لديهم مزارعهم الكبيرة والإمكانيات على إنتاج آلاف الورود سنوياً.
يتأرجح الفيلم بين الدراما والكوميديا، فنشهد كثيراً من المواقف الطريفة، إلى جانب الصراعات الإنسانية. المتدرّبون الثلاثة ينتمون إلى الطبقة المسحوقة، ولديهم أحلامهم وطموحاتهم البسيطة، ولديهم مواهبهم التي لم يعلموا بوجودها لولا مساعدة إيف لهم على اكتشافها في مزرعة الورود. سمير رجل في الخمسين من عمره، وكل ما يريده هو بيت يؤويه لبقية عمره. فريد يريد أن يلتقي بوالديه اللذين تخليّا عنه. والثلاثة يعملون جاهدين مع إيف، لعلّهم يحصلون على عقود عمل دائمة في تلك المزرعة، فبالتالي يستطيعون توفير ما يكفي من المال لتحقيق هذه الأحلام، وهي فعلياً حاجات أساسية لأي إنسان، لا أكثر.
بدورها، إيف التي تنتمي إلى الطبقة الوسطى، كل ما تريده هو إنقاذ المزرعة من الإفلاس والإغلاق أو البيع. وباحتقارها للامارزيل المتعجرف، ستفعل كل ما بوسعها كي لا يتسحوذ على مزرعتها.
يعالج الفيلم تلك الطبقية في فرنسا، من خلال هذا الحكاية البسيطة، لكنها مفارقة وتتعدد عناصرها وطبقاتها، إذ يضيء العمل على المهاجرين وأحوالهم وأحلامهم، وعلى معركة الطبقة الوسطى في مواجهة تلك التي تعلوها، وتسعى إلى تحطيم وابتلاع كل ما يظهر في طريقها.