"ذا دايلي ستار"... نهاية صحيفة لبنانية أخرى

02 نوفمبر 2021
نعت "دايلي ستار" لبنان في عدد خاص خلال أغسطس 2019 (جوزيف عيد/فرانس برس)
+ الخط -

بثلاثة أسطر، أنهت إدارة "ذا دايلي ستار" اللبنانيّة 69 عاماً من عمل الصحيفة، وجزءاً من تاريخ الصحافة اللبنانيّة، وعقود ووظائف جميع الموظفين الحاليين. يوم الإثنين، الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني، تلقّى العاملون في "ذا دايلي ستار"، والذين بينهم حوالى 10 صحافيين، وموظفين إداريين، رسالةً عبر البريد الإلكتروني من الإدارة، تبلغهم فيها باتخاذ قرار بإغلاق الصحيفة وتسريح جميع الموظفين. وجاء في رسالة رئيس التحرير نديم اللادقي، التي حصل "العربي الجديد" على نسخة منها: "بقلب حزين، يؤسفني أن أبلغكم أنه قد تم اتخاذ قرار بتسريح جميع الموظفين في دايلي ستار اعتباراً من 31 أكتوبر 2021. نحن نعمل على إنهاء الترتيبات الخاصة بالتعويضات ودفع المستحقات في أسرع وقت ممكن. سيتم إخطاركم بالتفاصيل في الوقت المناسب. لقد كان لي الشرف والامتياز للعمل مع كل واحد منكم وأتمنى لكم كل التوفيق في هذه الأوقات الصعبة".

هكذا، وبهذه البساطة، أبلغت الإدارة أفراد طاقمها بإنهاء وظائفهم، لا بل إغلاق الصحيفة، من دون حتى عقد اجتماع موسّع لشرح ما جرى وما خلفيّاته وأسبابه، حتى لو كانت معروفة مسبقاً بالنسبة لهم، إذ إنهم يعانون من تأثيراتها منذ حوالى عامين. ينقسم الصحافيون في مشاعرهم حول إغلاق الصحيفة اللبنانيّة بعد أكثر من 60 عاماً على صدورها، كونهم يرون في ذلك خطوة أخرى في طريق اندثار الصحافة اللبنانيّة العريقة. لكنّهم في الوقت نفسه، يعبّرون عن غضبهم من طريقة تسريح الصحافيين وعدم منحهم مستحقاتهم لأشهر. إذ أثار ذلك الإجراء غضب موظفي الصحيفة، كما صحافييها السابقين، وسخط الصحافيين اللبنانيين الذين حاولوا، عند سماع الأخبار، التشاور في خطواتٍ لدعم صحافيي "دايلي ستار"، إن بخطواتٍ احتجاجيّة، أو ترشيح فرص عمل جديدة، خصوصاً في ظل الأوضاع الاقتصاديّة والمعيشيّة الصعبة التي يعاني منها لبنان، والتي دفع موظفو الصحيفة ثمنها على مدى السنوات الماضية. 

في اتصال مع "العربي الجديد"، رفض اللادقي التعليق على القضيّة، مكتفياً بعبارة "لا تعليق". كما رفض موظفون حاليون شملهم التسريح من الصحيفة التصريح، كونهم ما زالوا لا يعرفون ماذا سيحلّ بهم وبمستحقاتهم حتى الآن، خصوصاً أنّ بعضهم لم يتقاضوا أجورهم منذ أشهر، كما لا يعرفون كيف سيكون شكل التعويضات التي تحدّثت عنها الصحيفة، فيما شكّك صحافيون في احتمال دفع الصحيفة لهم أيّ مستحقات في الأصل. لكنّ موظفين سابقين تحدثوا لـ"العربي الجديد"، شريطة عدم الكشف عن هوياتهم، لأسباب مهنية وشخصية، شارحين كيف أنّ هذا الإغلاق مؤسف لكنّه كان متوقعاً، وكيف اعتمدت إدارة الصحيفة نمط التسريح التعسفي واستغلال الموظفين في الآونة الأخيرة، إذ حرم كثيرون من مستحقاتهم.

عامان من الأزمة المستفحلة

عام 2019، اشتدّت الأزمة داخل "دايلي ستار". لم تكن الصحيفة تدفع للموظفين مستحقاتهم لأشهر، فحاولوا تنظيم إضرابٍ احتجاجيّ، قبل أن تقوم الإدارة، في ديسمبر/ كانون الأول، بإيقاف تجديد عقد الصحافي الأميركي بن ريد، الذي اتّهم بالوقوف وراء تنسيق التحرك حينها. احتجّ صحافيون على هذا الصرف التعسفي، خصوصاً أنّ القوانين تضمن لهم حريّة الاحتجاج، فاستقال عدد من الموظفين تضامناً مع ريد، وكان بينهم صحافيون لبنانيون وأجانب لامعون، هم حالياً موزّعون على وسائل إعلام محليّة وعالميّة.

يشير صحافي سابق في الصحيفة إلى أنّ هناك موظفين لم يتقاضوا أجورهم منذ أكثر من 6 أشهر، موضحاً أنّ الإدارة منحت الموظفين إجازةً لمدة أسبوعين، الشهر الماضي، في محاولةٍ منها لمنع خروج "صور سلبية" من المكتب في هذه الفترة. فقد أعلنت الصحيفة، في 13 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، التوقف عن تحديث الموقع الإلكتروني، من دون الخوض في الأسباب والتفاصيل، أو الإعلان عن نيّة الإغلاق هذه. في تلك الفترة، منح الموظفون هذه الإجازة، قبل أن يصلهم بريد إلكتروني في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني يفيدهم بوقف إصدار الصحيفة وتسريحهم. وكان موظف في "دايلي ستار" قد أبلغ "العربي الجديد"، حينها، بأنّهم لا يعرفون سبب التوقف لكنّهم يربطونه بالأزمة الاقتصادية، مشيراً إلى أنّ "الرواتب الحالية تدفع بالليرة اللبنانية، وخُفضت قيمتها بالدولار الأميركي، لاحتسابها على سعر صرف 3900 ليرة، لنبقى كأننا ما زلنا نعمل على أساس سعر الصرف الرسمي 1500 ليرة". يشار إلى أن سعر الصرف الرسمي في لبنان لا يزال 1500 ليرة للدولار الأميركي، بينما تخطت قيمته العشرين ألف ليرة في السوق السوداء.

تكرر صرف الموظفين تعسفياً من الصحيفة وحرمانهم من مستحقاتهم وصولاً إلى إغلاقها

وتقول صحافية سابقة في "ذا دايلي ستار" إنّ عدم دفع الرواتب حصل على عدة مراحل في الآونة الأخيرة. وتضيف "الموظفون اللبنانيون هم الأكثر حرماناً، لأنه عندما انهارت الليرة اللبنانية ولم تعد الصحيفة تدفع المستحقات بالدولار الأميركي، الموظفون الأجانب فيها كانت لديهم احتمالات أخرى، وغادر أغلبهم، لكن الموظفين اللبنانيين ومن لم تكن لديهم فرصة للعمل في مكان آخر علقوا في العمل هناك. هذا الأمر مؤسف للغاية". وتشير إلى أنّ "أغلب العاملين هناك حالياً هم لبنانيون وموظفون محليون كانوا يعتمدون على هذه الوظيفة، بالرغم من أنهم كانوا يتقاضون أقل مما يستحقون، لكنهم يحتاجون للتأمين الصحي وللتعويضات، إلا أنهم كانوا أكثر من تعرض للاستغلال في النهاية".

تاريخ متعثر

تأسست "ذا دايلي ستار"، وهي الصحيفة المحليّة الوحيدة الناطقة بالإنكليزيّة، عام 1952 على يد كامل مروّة، الذي كان آنذاك أيضاً مالك ورئيس تحرير صحيفة "الحياة". واجهت الصحيفة خلال تاريخها صعوبات أدت إلى توقف صدورها، كان أولها خلال الحرب الأهليّة اللبنانيّة، كون مكتبها كان في وسط الأحداث، ثم استؤنف نشاطها في نوفمبر 1983 مع أبناء كامل مروّة حتى منتصف عام 1985، عندما أصبحت صحيفة أسبوعية. ثم أعيد إصدارها عام 1996 خلال فترة إعادة الإعمار بعد الحرب. 

في يناير/ كانون الثاني عام 2009، علّقت الصدور لمدة أسبوعين، بسبب الصعوبات الماليّة، واستأنفت نشاطها في الشهر التالي بفضل الاتفاقات مع الدائنين بشأن سداد الديون المتراكمة. عام 2010، قامت مجموعة من رجال الأعمال المقربين من عائلة الحريري بشراء الصحيفة، وهي اليوم مملوكة بشكلٍ غير مباشر للعائلة، عبر شركة "دي إس هولدينغ" المملوكة بدورها لشركة "ميدل هولدينغ" التي أسسها سعد الحريري، رجل الأعمال ورئيس الوزراء اللبناني السابق.

في فبراير/ شباط عام 2020، توقفت عن طباعة نسختها الورقية لأسباب مالية، وفي 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، توقفت عن تحديث موقعها الإلكتروني.

واحدة من كلّ

إغلاق صحيفة "دايلي ستار" يطوي صفحةً جديدة من تاريخ الصحافة اللبنانيّة، ويُضاف إلى صفحات أخرى طويت تاركةً وراءها تاريخاً وتحسراً وتساؤلات عن مصير المهنة في البلد الذي اعتُبر لسنواتٍ طويلة مقراً للصحافة العربية والعالمية. فقد أغلقت صحيفة "السفير" في نهاية العام 2016، وصحيفة "الأنوار" توقفت في نهاية العام 2018، فيما أغلقت صحيفة "الحياة" اللندنية اللبنانية المنشأ مكاتبها في بيروت في يونيو/ حزيران 2018. وتوقفت صحيفة "المستقبل" عن الصدور في الأول من فبراير/ شباط 2019، ثم "تلفزيون المستقبل" في 20 أيلول/ سبتمبر 2019، وسط أنباءٍ عن عودة ورشة عملٍ لإعادته للبث قبيل الانتخابات النيابية المرتقبة. وفي شباط 2020، توقفت إذاعة "راديو وان" الناطقة بالإنكليزية.

المساهمون