"تلفزيون سوريا" في عيده الثالث: انطلاقة جديدة

01 مارس 2021
في استديوهات تلفزيون سوريا (العربي الجديد)
+ الخط -

انطلاقة جديدة يشهدها "تلفزيون سوريا" في الذكرى الثالثة لتأسيسه هذا الأربعاء. فبعد ثلاثة أعوام على انطلاق القناة من إسطنبول في 3 مارس/آذار 2018، ها هي تطلّ على المشاهدين بحلة وبرمجة مختلفة. هذه الحلة ستحافظ على الأولوية التي منحها التلفزيون لقضايا السوريين، ولقيم الحرية والعدالة والكرامة التي حملتها الثورة السورية، لكنها ستنفتح بشكل أكبر على القضايا العربية والإقليمية، إلى جانب برامج تخصصية حول الصحة والاقتصاد والفن. كذلك توسّع المحطة شبكة مراسليها والمتعاونين معها لتزيد من الجرعة الإخبارية على شاشتها، بينما تعمل على تحويل موقعها الإخباري إلى جريدة إلكترونية لكل السوريين.

في حديث مع "العربي الجديد" يكشف مدير التلفزيون حمزة مصطفى أنّ الانطلاقة الجديدة بعد غد الأربعاء، هدفها الاستمرارية أكثر من الانقطاع "لأن كل قناة تلفزيونية تبدأ بمرحلة تأسيسية أو تجريبية تُصقل من خلال تجربتها وتختبر جاذبية المحتوى وخيارات التميز ضمن ما يطلق عليه دراسة السوق. وبهذا المعنى، فإن الاحتفال بالسنوية الثالثة للتلفزيون ستكون بمنزلة إعلان نهاية للمرحلة التأسيسية والانتقال نحو مرحلة الرسوخ والاستقرار لناحية الدورة البرامجية، والعمل الإخباري والصحافي بالدرجة الأولى، والجانب المؤسساتي بالدرجة الثانية". 

الانطلاقة الجديدة بعد غد الأربعاء هدفها الاستمرارية أكثر من الانقطاع

هذا التجديد في التلفزيون سينعكس بداية على الهوية البصرية التي سيلاحظها المشاهد على الشاشة. هذه الهوية "ستراعي معيارَي الوضوح والبساطة اللذين جرى استعادتهما أخيراً في الصناعة التلفزيونية، وتستفيد في الوقت عينه من الطفرة التكنولوجية. وهو ما سينسحب بالطبع على الديكورات الرئيسية. باختصار، سنولي ركيزتي العمل التلفزيوني، أي المحتوى والشكل، الاهتمام المتساوي المطلوب ليخدم كل منهما الآخر"، كما يوضح مصطفى. 

لكن أبعد من الشكل تقدم القناة دورة برامجية جديدة سبق أن أعلنت عنها على الموقع الإلكتروني. وبحسب مدير التلفزيون فإن هذه البرامج الجديدة صممت بعناية لتراعي بعدي الرصانة والتنوع وتستجيب كذلك للتحولات والتغيرات الكبيرة سياسياً، واجتماعياً، وسلوكياً التي طرأت على المجتمع السوري، خاصة مع وجود نحو سبعة ملايين لاجئ خارج سورية الآن، إضافة إلى مجتمعات الاغتراب السوري القديمة.

التجديد في التلفزيون سينعكس بداية على الهوية البصرية التي سيلاحظها المشاهد على الشاشة

عند إلقاء نظرة على البرامج الجديدة يتضح الاهتمام الكبير بالعمل التوثيقي، وهو ما يؤكده مصطفى قائلاً إنّ "حماية الذاكرة وحفظ السرديات، تنقيحها وتحقيقها، غاية صعبة تقع على عاتق المؤسسات لأن الأفراد ينأون بحملها عادة، وتلفزيون سوريا كمؤسسة إعلامية وطنية قرر أن تكون له مساهمته في هذا المجال. لذلك بالإضافة إلى الوثائقيات التي سيزداد حضورها، ستتضمن الدورة الجديدة برنامج "الذاكرة السورية" الذي سيوثق شفوياً تاريخ سورية بأبعاده المختلفة السياسية، والاجتماعية، الاقتصادية، والفنية، ليتعرف السوريون عن مكنونات وجوانب غائبة عن تاريخهم وخاصة في الحقبة الحديثة والمعاصرة".
أما إخبارياً سيبدأ اليوم على شاشة التلفزيون بنشرة جديدة تمام الساعة الواحدة فجراً ولمدة ساعة لتضاف إلى ثلاث نشرات رئيسية يومية، وستعتمد بشكل رئيسي على مساهمات شبكة المراسلين الرئيسين والمتعاونين المنتشرين في مختلف مناطق وجود السوريين في الداخل والشتات. كما تتضمن قراءة للصحف وأهم القضايا المتفاعلة في وسائل التواصل الاجتماعي، وستقدم بطريقة تفاعلية تتجاوز الرتابة المعتادة. إلى جانب مواجز حية وتسجيلية على رأس كل ساعة.

أما من ناحية المضمون سيواصل التلفزيون تغطية الشأن السوري بتفرعاته المختلفة محلياً وإقليمياً ودولياً، وهو، بحسب مصطفى "ما يميزنا ضمن تفضيلات المشاهدين. لكن سورية كبلد وكشؤون سياسية أيضاً لم تكن يوما منعزلة عن محيطها، ولطالما كانت فاعلة أو متفاعلة مع المستجدات الإقليمية والدولية. كما أننا ننظر إلى سورية بوصفها وحدة سياسية تنتمي ثقافياً وقيمياً للحضارة العربية الإسلامية التي سمحت لجميع المكونات العرقية والاثنية بالتفاعل والتعبير عن نفسها حضاريا. وعليه، ستكون الشؤون العربية والإقليمية، وخاصة دول الجوار حاضرة في مساحتنا الإخبارية والبرامجية وقد خصصنا برنامجاً أسبوعياً هو "المؤشر" لهذا الغرض، فيما سيتخصص برنامج "منتدى دمشق" الأسبوعي بالقضايا السياسية السورية التي صاحبت وتصاحب السوريين في دربهم الصعب نحو دولة الحرية".

وعند الحديث عن الشأن السياسي السوري والانقسام في الشارع المحلي الذي ينعكس تلقائياً على اصطفافات وسائل الإعلام  يقول مصطفى إن "تلفزيون سوريا مؤسسة إعلامية تتبنى في سياستها التحريرية قيم الحرية والكرامة والديمقراطية التي هي قيم عالمية تبنتها ثورة عام 2011، ونحن نعرّف أنفسنا بالانحياز لهذه القيم في مواجهة الديكتاتورية القائمة في دمشق ومختلف سلطويات الأمر الواقع. وعلى هذا الأساس نحن لسنا مؤسسة للمعارضة بالمعنى الحركي أو التنظيمي فهذه مهمة النخب السياسية، بل نساهم في نضالات السوريين التراكمية نحو دولة المواطنة والديمقراطية. من هنا، نتوجه إلى جميع السوريين دون استثناء وبخاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام كون الاهتمام بهم وقضاياهم هو هدف وغاية تحتل أولوية عملنا، وفي هذا فليتنافس المتنافسون".

 سيواصل التلفزيون تغطية الشأن السوري بتفرعاته المختلفة محلياً وإقليمياً ودولياً

وفي عامه الثالث تبدو إدارة التلفزيون مدركة تماماً للأهمية الكبيرة لمواقع التواصل التابعة للقناة، حيث تقوم رؤيتها على وجود علاقة تكاملية ما بين التلفزيون بوصفه (الشاشة الكبيرة) ووسائل التواصل الاجتماعي (الشاشة الصغيرة)، "فالأولى تقدم المحتوى والثانية تروجه وربما تترجمه بلغتها بما يسمح ربما بإعادة تدويره تلفزيونياً مرة أخرى. ورغم حداثة عمره والقيود التي بدأت منصات التواصل بفرضها وخاصة منصة فيسبوك، فقد حقق "تلفزيون سوريا" طفرات في الحضور والانتشار على مختلف منصات التواصل الاجتماعي، وبدأنا نقطف الثمار تدريجياً وفي طريقنا لتصدر المشهد الإعلامي السوري من ناحية المشاهدات، الوصول والتفاعل، كما أن لنا الآن الحصة الأكبر في إنتاج الفيديو عن سورية وهو ما سنعززه خلال هذا العام". 

انطلاقاً من هذا الواقع سيركز محتوى الـ"نيو ميديا" إلى جانب التغطيات اليومية، على فقرات وبرامج قصيرة مختلفة تغطي مساحة واسعة من المواضيع وفي مقدمتها الكوميديا السياسية والاجتماعية.

كل ما سبق، وكل الخطط الجديدة التي سيتابعها المشاهد ابتداءً من يوم الأربعاء، كانت نتيجة أشهر طويلة من التجريب والاختبار، على صعيد المحتوى والتحرير. وهو ما ساهم في تقدّم ترتيب الموقع الإلكتروني التابع للقناة ونسب مشاهداته في الفترة القصيرة الأخيرة "أستطيع القول بتواضع إن نجاح الموقع فاق حتى توقعاتنا، فنموه الطبيعي كان لافتاً إلى درجة جعلتنا نتبوأ صدارة المواقع الإلكترونية السورية جميعها لناحية الترتيب العالمي وعدد الزيارات رغم أن المحتوى الموجود جله سياسي ويغيب عنه المنوع، وقد تجاوزنا في ذلك أيضاً، جميع مواقع التلفزيونات والصحف التي تعتمد على الخبر السوري في حضورها وانتشارها".

سيركز محتوى الـ"نيو ميديا" على فقرات وبرامج قصيرة مختلفة

هكذا يرى حمزة أن الموقع رافعة التلفزيون الأهم في ظل الشتات السوري، و"لدينا خطط طموحة تقنياً وتحريرياً بنيت على دراسة لتجربة المستخدمين الحاليين بما سوف يساهم بجعل موقع تلفزيون سوريا، صحيفة السوريين الإلكترونية، وهو بالمناسبة يعد اليوم مرجعاً لا غنى عنه لمن أراد أن يبقى على قيد المتابعة أو يفهم تعقيدات المشهد السوري".

وفي إطار جذب شرائح أوسع من المشاهدين، اختار التلفزيون توسيع مساحة المواد المنوّعة وتحديداً الدرامية على شاشته. ويقول "المنافسة في مجال الدراما أمر مرهق على تلفزيون محلي يعي حدوده ماليا، لكننا اخترنا الحضور الانتقائي من خلال حيازة الأعمال التي أثرت في وعي السوريين لذاتهم وبلدهم وأصبحت جزءا من الذاكرة التي تستعاد باستمرار. على هذا الأساس كان تكريم المخرج الراحل حاتم علي ببث عدة أعمال له مجدداً، وهو أقل الواجب كما يقال. فالراحل حظي بإجماع قل نظيره وطنيا، إجماع أزعج رئيس النظام السوري نفسه الذي أدرك أنه وجوده وعائلته لن يكون إلا عابرا في الذاكرة الجمعية لشعب يصر على الحياة. ونبث حاليا ساعتي دراما على أن تضاف لهما ساعة ثالثة خلال شهر رمضان، كما انتهينا من تجهيز برامج قصيرة وفقرات اجتماعية وتوعوية، ودينية، وفنية تناسب تغير عادات المشاهدين خلال الشهر الفضيل، من دون أن يشمل التغيير برامجنا الرئيسية ونشرات الأخبار".

تعطي إدارة "تلفزيون سوريا" في الانطلاقة الجديدة أهمية كبيرة جداً لعمل المراسلين والمتعاونين

تعطي إدارة "تلفزيون سوريا" في الانطلاقة الجديدة، أهمية كبيرة جداً لعمل المراسلين والمتعاونين. وهو ما يؤكده مدير القناة حمزة مصطفى لـ"العربي الجديد" قائلاً: "يدرك العاملون في مجال الإعلام التلفزيوني الدور المحوري للمراسل، فهو المورد الرئيسي للمادة التلفزيونية والخبر الخاص وبدونه تفتقد غرف الأخبار ديناميكيتها وحيويتها إلى درجة صارت القنوات التلفزيونية تتباهى بأعداد مراسليها وانتشارهم. من هذا المنطلق، قررنا الاستثمار بالمراسلين لتجاوز نقطة ضعف لازمت التلفزيون خلال مرحلة التأسيس، ووصلنا إلى نحو 20 مراسلاً حالياً، مع طموح كبير لزيادة عددهم خلال هذه السنة. 

وقد خصصت الدورة البرامجية الجديدة برنامجاً تحت اسم "عين سوريا" يعرض أسبوعياً أربع قصص تفرّد مراسلو "تلفزيون سوريا" بالإضاءة عليها. وبالإضافة إلى المراسلين، أسسنا شبكة واسعة من المتعاونين، وصل عددهم إلى 70، لتغطي أخبار الموقع والتلفزيون في المناطق التي يصعب الوصول إليها، كما هو الحال في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، ومناطق المهجر السوري البعيدة، ومناطق الإدارة الذاتية إذ ما تزال ترفض السلطة القائمة منحنا ترخيصاً لمزاولة العمل رغم ادعاءات قادتها عن الحرية والتجربة الديمقراطية". 

المساهمون