يتجه معظم الرؤساء الأميركيين بعد انتهاء فترة ولاياتهم إلى كتابة مذكراتهم، أو الرسم، أو حتى خوض عالم الإنتاج السينمائي والتلفزيوني. لكن هذه ليست حال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي يبدو أنه لم يتخط إلى الآن قرار إبعاده عن منصات التواصل الاجتماعي، وتحديداً "تويتر"، حيث كان يغرّد طوال الوقت عن كل شاردة وواردة. إذ أعلن، الأربعاء، إطلاق شبكته الخاصة للتواصل الاجتماعي، واسمها "تروث سوشال" TRUTH Social، للتصدي لـ "استبداد" عمالقة التكنولوجيا.
وقال ترامب، في بيان، إنه "أنشأ (تروث سوشال) للوقوف في وجه استبداد عمالقة التكنولوجيا" الذين "استخدموا سلطتهم الاحادية لإسكات الأصوات المنشقّة في أميركا". وأضاف "نعيش في عالم تتمتع فيه حركة (طالبان) بحضور كبير على (تويتر)، بينما يتم إسكات رئيسكم الأميركي المفضل. هذا غير مقبول"، وهذه الحجة نفسها التي عرضها ترامب في التماس قدمه لقاض فيدرالي في ولاية فلوريدا الأميركية، خلال أكتوبر/تشرين الأول الحالي، لإجبار منصة "تويتر" على إعادة حسابه.
والمنصة التابعة لـ "مجموعة ترامب للإعلام والتكنولوجيا" تقدم أيضاً خدمة فيديو حسب الطلب، كما جاء في البيان. وستكون متاحة في مرحلة تجريبية بموجب دعوة، اعتباراً من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، قبل الإطلاق المعمم في الربع الأول من عام 2022، ما يشير إلى أن التطبيق بات متاحاً للطلب المسبق على متجر التطبيقات "آب ستور".
وقال ترامب الذي كان لديه 35 مليون متابع على "فيسبوك" و24 مليوناً على "إنستغرام"، قبل حظره، "أنا متحمس لبدء مشاركة أفكاري على (تروث سوشال) قريباً".
و"تروث سوشال" ليست المحاولة الأولى لترامب في هذا المجال، ففي مايو/أيار الماضي أطلق لفترة وجيزة مدونة كانت في الواقع مجرد علامة تبويب على موقعه حيث جمعت بياناته، قبل أن يغلقها بسبب سخرية مراقبين مقتنعين بأنها الشبكة الاجتماعية الموعودة، وفقاً لوكالة "فرانس برس".
"ديجيتال وورلد أكويزيشن كوربوريشن"
ذكر البيان نفسه أن "مجموعة ترامب للإعلام والتكنولوجيا" ستندمج مع شركة "ديجيتال وورلد أكويزيشن كوربوريشن"، لإدراجها في البورصة. و"ديجيتال وورلد أكويزيشن كوربوريشن" شركة استحواذ ذات أغراض خاصة، أي شركة ليس لديها نشاط تجاري، وهدفها جمع الأموال عن طريق دخول البورصة ثم الاندماج مع شركة ترغب في أن تدرج في البورصة، وهي مجموعة دونالد ترامب الجديدة في هذه الحالة.
"ديجيتال وورلد أكويزيشن كوربوريشن" مدرجة في مؤشر "ناسداك". ووفقاً للبيان فإن مجموعة دونالد ترامب الجديدة ستبلغ قيمتها 875 مليون دولار أميركي.
الرئيس التنفيذي للشركة هو باتريك إف. أورلاندو. ووفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز"، أورلاندو موظف سابق في عدد من المصارف الاستثمارية، بينها "دويتشه بنك"، حيث تخصص في تداول الأدوات المالية المعروفة باسم المشتقات. وأنشأ بنك الاستثمار الخاص به "بينيسري كابيتال" عام 2012، وفقاً لإيداع تنظيمي. وكشف أورلاندو، لـ "نيويورك تايمز"، أنه يمتلك ما يقرب من 18 في المائة من أسهم الشركة.
المدير المالي للشركة هو لويس أورليانز-براغانزا، وهو عضو في الكونغرس الوطني البرازيلي.
قواعد "تروث سوشال": ممنوع الحديث عن "تروث سوشال"
تنص الاتفاقية التي على مستخدمي المنصة المرتقبة الالتزام بها عند إنشاء ملفات التعريف الخاصة بهم أنه "لا يمكنهم الاستخفاف، أو التشويه، أو إلحاق الضرر، بنا أو بالمنصة". وتلفت بنود أخرى إلى أنه لا يمكن للمستخدمين "مضايقة، أو إزعاج، أو ترهيب، أو تهديد، أي من موظفينا، أو وكلائنا المشاركين في توفير أي جزء من الموقع"، وأن المنصة "تحتفظ بحقها في إزالة اسم المستخدم الذي تحدده، أو استعادته، أو تغييره، إذا قررت، وفقاً لتقديرها الخاص، أنه غير مناسب أو فاحش أو مرفوض بأي شكل آخر".
في الوقت نفسه، يُروج للمنصة، على متجر التطبيقات "آب ستور"، على أنها تشجع "محادثة عالمية مفتوحة وحرة وصادقة، من دون تمييز ضد الأيديولوجية السياسية"، وتنص على أن وجهات النظر السياسية المختلفة "مرحب بها".
عند معاينة التطبيق على متجر التطبيقات، يبدو "تروث سوشال" متطابقاً تقريباً مع "تويتر". يُطلق على الرسائل الموجودة على الموقع اسم "الحقائق"، وتبدو مشابهة للتغريدات، ويمكن إعادة نشرها بواسطة مستخدمين آخرين، مثل إعادة التغريد. يوضح رمز الموقع أنه يستخدم إصداراً غير معدل في الغالب من "ماستودون"، وهو برنامج مفتوح المصدر يسمح للأشخاص بتشغيل نظام أساسي اجتماعي عصامي.
وفي هذا الإطار، صرّح مطور البرنامج يوجين روشكو، لموقع "ذي إندبندنت"، بأنه طلب من محاميه تقييم ما إذا كانت "تروث سوشال" قد انتهكت حقوق الطبع والنشر الخاصة بـ "ماستودون"، ليتخذ الإجراء القانوني المناسب.
هل تنجح؟
يبدو أن معظم المراقبين متفقون على أن الفشل سيكون مصير "تروث سوشال"، فبعضهم وصفها بـ "الدعابة"، خاصة أن ترامب لا خبرة لديه في إدارة منصة إعلامية، كما أنه ليس هناك ما يشير إلى قدرته على جذب مستخدمين، وسط هيمنة المنصات الكبرى، فـ "تويتر" مثلاً لديها 200 مليون مستخدم.
كما أن ترامب لم يعد رئيساً، ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، في مايو/أيار الماضي، فإن محاولات البحث عن ترامب عبر محرك البحث "غوغل" هي الأدنى على الإطلاق منذ يونيو/حزيران 2015، وكذلك الحال بالنسبة لمستوى مشاهداته على قنوات الكابل التي قللت كثيراً من تغطية أخباره أخيراً، وخاصة بعد تفشي وباء "كوفيد-19".
مع الحظر وضدّه
كانت شبكات التواصل الاجتماعي العملاقة الثلاث، "فيسبوك" و"تويتر" و"يوتيوب"، فرضت حظراً على الملياردير الجمهوري في أعقاب الهجوم الدموي الذي شنّه جمع من أنصاره على مبنى الكابيتول حيث مقر الكونغرس، في السادس من يناير/كانون الثاني الماضي، في محاولة لمنع المصادقة على فوز منافسه الديمقراطي جو بايدن بالرئاسة. قُتل خمسة أشخاص أثناء الهجوم أو بعده بينهم شرطي، وكذلك متظاهرة على يد عنصر أمن بينما كانت تحاول فتح باب بالقوة داخل المبنى مع عشرات الأشخاص.
واستبعد موقع "تويتر" دونالد ترامب "إلى أجل غير مسمى بسبب أخطار جديدة بالتحريض على العنف"، ما أدى إلى عزله عن 89 مليون متابع. ووعد حينها ترامب بإنشاء شبكة تواصل اجتماعي، بعد غضبه من عدم تمكنه من الوصول إلى شبكة التواصل الاجتماعي المفضلة لديه التي استخدمها لحملته عام 2016، ولإعلان قرارات رئاسية مهمة، بالإضافة إلى إقالات مفاجئة.
ووصف الجمهوريون الإقصاء المفاجئ لترامب بأنه "رقابة"، في حين رحب به النواب الديمقراطيون والمجتمع المدني الأميركي. لكن في أوروبا، تعرضت الخطوة لانتقادات الجمعيات والقادة، بينهم المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، الذين عبروا عن القلق من نفوذ شركات التكنولوجيا على حرية التعبير.
كما أُقصيت الحركات الأميركية المؤمنة بنظرية المؤامرة الداعمة علناً لدونالد ترامب، والمنظمات المشاركة في أعمال الشغب، من الشبكات الرئيسية. ولجأت إلى منصات أقل شعبية، منها "بارلر". وكان "بارلر" استُبعد لأسابيع من قبل "غوغل" و"آبل" و"أمازون"، لأنه انتهك قواعدها الخاصة بالاعتدال في المحتوى الذي يحرض على العنف.