"بلاك بينك": كل شيء يذوب في السم الوردي

28 اغسطس 2022
تُدخل "بلاك بينك" الآلة الكورية التقليدية جيومونغو (شونغ سونغ جون/ Getty)
+ الخط -

الرهان الأكبر في عالم الـ"كي بوب" لا يتعلق بنجاح فرقة ووصول أغانيها إلى العالمية؛ فالمناخ العام مُهّيأ لهذا النمط الموسيقي منذ عدة أعوام، وبإمكان أي فرقة كورية جديدة، إذا ما أنتجت أغنية تلتزم بالمعايير الجمالية التجارية التي تستسيغها الذائقة العامة أن تعثر على طريقها نحو الانتشار العالمي، حيث تضيع بين عشرات الأغاني الكورية الدراجة. لذا، بات الرهان الأكبر الآن هو على مدى قدرة فرق الـ"كي بوب" على مقاومة عامل الزمن والاستمرار لأطول فترة ممكنة في القمة.

هذا الرهان بدت فرقة "بلاك بينك" أنها ستخسره سريعاً، عندما أصدرت ألبومها السابق، الذي حمل اسم The album عام 2020. فعلى الرغم من أن العمل صدر في أوج تألق الفرقة، وبعدما حطمت العديد من الأرقام القياسية بأغانيها المنفردة التي أصدرتها بين عامي 2018 و2020، إلا أن الألبوم فشل فشلاً ذريعاً، وبالكاد تمكنت أغنية واحدة منه من تحقيق نجاح معقول، لكنه لا يُضاهي النجاحات التي حققتها الفرقة بالأغاني المنفردة، التي ضمنت بعضها ضمن الألبوم.

بدا ذلك مؤشراً على أن موجة "بلاك بينك" قصيرة، لا تنجح إلا في الإنتاجات الخاطفة والسريعة. وبالتالي، سيكون مصيرها الزوال السريع. ربما بدت هذه القراءة منطقية لأفراد الفرقة أنفسهن، اللواتي بدأن يبحثن عن نجاحات فردية، وذهبت كل منهن بخط منفصل، لا يتضارب مع مشروع "بلاك بينك" كما أكدت كل التصريحات، لكنه بدا كمسار بديل قد تلجأ إليه الفتيات لكسب أكبر وقت ممكن من النجاح.

هذه السيناريوهات والقراءات النقدية في عالم الـ"كي بوب"، تحكمت نوعاً ما بأغنية "بلاك بينك" الجديدة المنفردة، Pink Venom، التي لخصتها جيني بكلمة واحدة، في المؤتمر الصحافي الذي سبق إطلاق الأغنية، فالأغنية تمثل للفرقة "الثقة".

منذ نشأتها، دافعت "بلاك بينك" عن المرأة، ودعت إلى تعزيز الثقة بالذات من خلال موسيقاها التي تسبب الإدمان، وفي مقاطع الفيديو الموسيقية المثيرة التي انتشرت على نطاق واسع.

في الأغنية الجديدة، لا تبدو "بلاك بينك" تبتعد كثيراً عن الأفكار التي تتبناها، ولكن هناك تغييرا ملحوظا في كيفية تعاملها مع فكرتها الأساسية؛ فالأغاني السابقة كانت تبدو كهتافات تطلقها الفرقة مع تصفيقات قاسية، جعلتها تتعرض لانتقادات منذ أغنيتها العالمية الأولى How you like that، التي مزجت فيها بين الأصوات النسائية الرقيقة والمارشات العسكرية، لأن الأفكار بدت استعراضية وجوفاء، يصعب التقاط الروح الجادة فيها، لذلك تبدو "بلاك بينك" أنها تخطو خطوة جديدة في Pink Venom نحو الأمام، لتستفيد من الانتقادات السابقة التي طاولتها وتطور أسلوبها.

هكذا يبدو تأثير النقد واضحاً في الأغنية الجديدة، بطريقة تشبه -نوعاً ما- ما حدث مع تايلور سويفت في ألبوم Reputation؛ إذ دفعها النقد نحو اكتشاف آفاق فنية جديدة، لتعكس بأغنية Look what you made me do الملامح التي ساهم النقد برسمها حينذاك. عنوان أغنية سويفت تستعيره "بلاك بينك" في المقطع الافتتاحي من أغنية Pink Venom، لتبدو أنها تعيش شيئاً شبيهاً بعصر "السمعة" الذي تحدثت عنه سويفت؛ لتبدو ردة فعل "بلاك بينك" من خلال الفيديو كليب، أن الانتقادات دفعتهنّ للأمام، حتى وإن جاءت الدفعة متأخرة، ليظهرن في الكليب أكثر تعجرفاً من أي وقت مضى.

في الأغنية الجديدة نجد أن "بلاك بينك" تتبنى أسلوباً صوتياً مختلفاً في البداية، يميل أكثر نحو البساطة، مع المحافظة على الجرأة والحدة التي تتمتع بها الفرقة، من دون أن تفسد البساطة اللحنية صوت موسيقى الهيب هوب الحاضر دائماً في أغاني "بلاك بينك" بفضل المنتج تيدي بارك. هذه البساطة تستمدها "بلاك بينك" بالعودة إلى مساحات أكثر أصالة، ومن خلال العودة تحديداً إلى الآلة الموسيقية الكورية التقليدية "جيومونغو"، التي تعزف عليها جيسو في اللقطات الأولى من الفيديو كليب. لتبدو الروح الجديدة للفرقة بيد جيسو، العضو الوحيدة من "بلاك بينك" التي لم تقدم أغاني بمفردها.

هذا الارتداد نحو الثقافة المحلية أعطى "بلاك بينك" دفعة قوية نحو الأمام، ولا سيما أنه لم يؤثر بشكل حاد على الستايل الموسيقي الخاص بالفرقة، الذي لم يتغير البتة في مقاطع الراب على وجه الخصوص. وهنا تجدر الإشارة إلى أن "بلاك بينك" تحافظ على بنية أغنية الـ"كي بوب" اللغوية، وتحافظ على المزيج بين الكلمات الكورية والإنكليزية، لتبدو أنها تتخذ مساراً مختلفاً تماماً عن منافستها "بي تي إس"، التي حاولت في العامين الماضيين أن تخرج من دوامة موسيقى الـ"كي بوب" ولعنتها مع الزمن من خلال إنتاج أغان كاملة باللغة الإنكليزية.

وفي كلمات الأغنية، تبدو "بلاك بينك" هذه المرة أكثر إدراكاً لمكانتها الثقافية محلياً وعالمياً، فلا تخلو كلماتها من الإشارات إلى العلامات التجارية الفاخرة والثروة، التي يمكن للمرء أن يأخذها قبل أن تلتف الأغنية على نفسها لتنفجر بوجه القيم الاستهلاكية؛ فترد بالأغنية أسماء علامات تجارية مثل "كوكو شانيل"، التي تحضر تصميماتها في الكليب أيضاً، لكن ضمن سياق يتداعى فيه كل شيء ويذوب في سم فتيات "بلاك بينك" الوردي الذي تضيع معه قيمة كل شيء.

المساهمون