"الرجل الذي باع ظهره"... رحلة الإخراج والإنتاج نحو جوائز "أوسكار"

18 فبراير 2021
كوثر بن هنية: بذلت في الفيلم مجهوداً كبيراً سواء في كتابة السيناريو أو الإخراج (Getty)
+ الخط -

منذ فيلمها القصير الأوّل، "أنا وأختي والشيء" (2006)، لفتت المُخرجة التونسية كوثر بن هنية الانتباه في السينما العربيّة، بفضل ما راكمته من صور سينمائية ثريّة ومُكثّفة. وبقدر ما تخترق بن هنية جغرافيات عربية أخرى، تزداد شراهتها البصرية، حتى تُصبح الصورة السينمائية لديها آلة فوتوغرافية تكاد لا تتوقّف عن تصوير ما يعتمل في واقعها من أعطاب. هذا حاضرٌ في فيلمها الأخير، "الرجل الذي باع ظهره" (2020)، الذي اختارته "أكاديمية علوم الصورة المتحرّكة وفنونها" قبل أيام في اللائحة القصيرة لـ"أوسكار" 2021، في فئة أفضل فيلم أجنبي، وذلك في حكاية بعيدة عن المجتمع التونسي، لقربها من مهاجر سوري، يُقرّر الهرب إلى لبنان كي يتمكّن من السفر إلى بلجيكا للقاء حبيبته.

في حديث إلى "العربي الجديد"، تقول بن هنية: "وصول فيلمي إلى القائمة القصيرة للأفلام المرشحة لنيل جائزة أفضل فيلم أجنبي، تتويج بحدّ ذاته، خاصة أن اللجنة التي تختار الأعمال المُرشحة، لا تشاهد كل الأفلام التي تتقدم للمسابقة، ويتم في العادة الاكتفاء بمتابعة الأصداء التي يتركها الفيلم في الصحافة العالمية، ما يدفع شركات الإنتاج إلى صرف كثير من الأموال من أجل التعريف بأفلامها، وهو ما لم نقم به مع فيلمي (الرجل الذي باع ظهره)، بسبب ضعف الموارد المالية". تضيف: "لكن الأصداء التي وصلتني عن سرّ اختيار فيلمي، هو أن بعض أعضاء لجنة الاختيار، شاهدوا الفيلم واتصلوا ببقية أعضاء اللجنة من أجل حثهم على مشاهدته، وهو ما حصل ليقع الاختيار عليه ضمن 14 فيلماً مرشحا لجائزة أفضل فيلم أجنبي". تقول: "بذلت في الفيلم مجهودا كبيراً، سواءً في كتابة السيناريو أو الإخراج، كما قدم كل العاملين فيه أفضل ما لديهم، لذلك كانت سعادتنا كبيرة باختيار الفيلم في عرضه الأول في مرجان البندقية، واختياره الآن في القائمة القصيرة لجوائز الأوسكار، وكذلك في قائمة الأفلام المرشحة لنيل جوائز غولدن غلوب التي سيتمّ الإعلان عنها يوم 28 فبراير/ شباط الجاري".

في هذا السياق، نشير إلى أن جهات عدّة قد ساهمت في إنتاج الفيلم، أبرزها شركة "ميتافورا"، حين كان يُديرها المُنتج السوري أنس أزرق، قبل أن يصبح مستشاراً فنياً وإعلامياً في "فضاءات ميديا".

عن إنتاج فيلم "الرجل الذي باع ظهره"، يقول أزرق: "حقّق فيلم (واجب)، للمخرجة آن ـ ماري جاسر (تعرضه "نتفليكس")، الحائز على عدد كبير من الجوائز، نجاحاً كبيراً. قبل أن تنتجه (ميتافورا)، كان العمل يواجه عوائق مالية ونقصاً في التمويل، كما يحصل في معظم الأفلام العربية غير التجارية، بل وحتى التجارية، فما بالك بالأفلام المستقلّة، التي تحمل هموماً فنية وأخرى وطنية وإنسانية، من دون أن يطغى همّ على آخر، ومن دون أنْ تنساق كلّياً لقوانين السوق التجارية وصناديق الدعم الغربية".

يضيف أزرق: "بعد هذا كلّه، قرّرت (ميتافورا)، بتشجيعٍ من مجلس إدارة (فضاءات ميديا)، الدخول في شراكات إنتاجية لمساعدة الأفلام المستقلّة، فشُكّلت لجنة في الشركة، تضمّني إلى جانب الزميل فيصل حصايري والفنان الفلسطيني محمد بكري والزميل ثائر موسى. انطلقنا بمشروع شراكات إنتاجية، نجحت كلّها بفرض نفسها على جوائز المهرجانات العالمية والعربية". 

وعن سيناريو بن هنية، يقول: "عندما طرح عليّ الموضوع، خفت كثيراً، إذْ كيف يُمكن لمخرجة تونسية أنْ تفهم وجع السوري وجرحه؟ كيف لا نختار ممثلين سوريين نجوماً؟ أين سنصوّر شوارع دير الزور ودمشق؟ السيناريو الذي قرأته مُشوّق، يُذكّرني بفاوست وعقده مع الشيطان. شاهدتُ أفلام بن هنية كلّها. ما أدهشني قدرتها، حتّى في الوثائقي، كـ(شلّاط تونس)، على مزجها الدراما والتشويق والكوميديا السوداء بما هو يوميّ وبسيط وشعبيّ". يضيف: "بالنسبة إليّ، المسألة مغامرة فنية، فالحدث السوري سيبقى يمدّنا بآلاف القصص التي ستكون موضوعاً لأعمالٍ أدبية وفنية وتلفزيونية وسينمائية، وهو بذلك كالمنعطفات المأساوية الكبرى في حياة الإنسانية. إلى الآن، لا يزالون يُنتجون أعمالاً مهمّة عن الحرب العالمية الثانية".

يتحدّث أزرق عن أهمية الفيلم لجهة صناعته وآفاقه الفنية والجمالية. يقول: "لم يكن عندنا شك أنّنا مقبلون على قصّة تمتلك كلّ عوامل النجاح، من السيناريو إلى الإخراج. هناك مخاوف تتعلّق بكوني سوريّاً، رأيت أعمالاً كثيرة وضعها سوريون وعرب، ومن أنحاء العالم. هذه الأعمال تثير أسئلة كثيرة، تتعلّق بما جرى ويجري في بلدي، وبعضها يحرّف الواقع، ويُضلّل المُشاهد، كما فعل بعض مخرجي النظام، الذين يروّجون لسينما طائفية، كجود سعيد، وبعضها يعوم على الحدث السوري، من دون أن يشرب من مائه، كما فعلت أفلام عربية، أكثرها ينطلق من الصراخ والمواقف الأيديولوجية". 

ماذا يُمثّل هذا التتويج المُستحَق بالنسبة إلى "ميتافورا"، التي باتت عنصراً مهمّاً في الساحة السينمائية، بإنتاجها أفلاماً عربيّة حقّقت نجاحاً لافتاً للاهتمام، في مهرجانات عالمية؟ نسأل أزرق، ليجيب: "الإصرار على معادلة أنّ السينما العربية قادرة على إنتاجٍ متميّز، شرط أنْ تتهيّأ لها الظروف المناسبة، أي الحرية والكفاءات والتمويل. أظنّ أنّنا قادرون على ذلك، ويجب ألّا نضطرّ إلى تبنّي قضايانا كما تريد صناديق التمويل ومنصّات العرض الغربية. هذا لا يعني التخلّي عن الشرط الفني، الذي يبقى الأساس".

في ما يتعلّق بالنصوص التي تُعرض على "ميتافورا"، وتوافقها مع رؤيا الشركة، يقول: "لا مشكلة عندنا بترك الحرية للمؤلف والمخرج، طالما أنّنا نتشارك القيم نفسها، ونتّفق عليها. هذا ما فعلناه في كلّ ما قمنا بإنتاجه من برامج ومسلسلات وأفلام".

اللافت في فيلم "الرجل الذي باع ظهره"، هو مشاركة أسماء مهمّة فيه، أبرزها الممثلة الإيطالية مونيكا بيلوتشي. عن هذه المشاركة، يقول أزرق: "عندما شاركنا بإنتاج الفيلم، لم تكن مشاركة مونيكا بيلوتشي مقرّرة. موافقتها تمّت لاحقاً، وهذا أضاف لمسة إبداع جديدة على العمل. لاحظ معي كيف تمّ جمع ممثلة عالمية بممثلٍ يواجه الكاميرا للمرّة الأولى". ويشير إلى أن أسماء أخرى من جنسيات مختلفة حضرت فيه أيضاً، مثل السوري يحيى مهايني والفرنسية ديا ليان والبلجيكي كوين دي باو. يعلّق: "هذا المزيج الإبداعي عائدٌ إلى المخرجة كوثر بن هنية".

سبق أن ساهمت "ميتافورا" في إنتاج عدد من الأفلام المهمّة أيضاً، كـ"يوم أضعت ظلّي" للسورية سؤدد كعدان، و"بيك نعيش" للتونسي مهدي البرصاوي، و"ليلى تغادر روحها" للسوري ثائر موسى. كيف تمّ اختيار هذه الأفلام، وما هي المعايير الفنية والجمالية التي تستند إليها في الاختيار؟ نسأل أزرق. يقول: "الجودة، مضموناً وشكلاً، تُحدّد اختيارنا. والإيمان بالقيم الإنسانية، والتعبير عن الهموم الوطنية والقومية للإنسان البسيط، من دون التنازل عن الجاذبية الفنية".

المساهمون