"الثريد" و"الهريس" في صدارة موائد القطريين في رمضان
تفضل العائلات القطرية في رمضان تناول طعامين رئيسيين على موائد الإفطار اليومية، "الثريد" و"الهريس"، وهما من أهم الأكلات الشعبية التي تحظى بقبول كبير لدى القطريين، بحيث تكاد لا تخلو مائدة أسرة قطرية من هاتين الأكلتين.
وعن سر تمسك العائلات القطرية بهذا التراث والموروث حتى اليوم، تقول خبيرة البحوث والدراسات الثقافية بوزارة الثقافة سابقاً، مريم جاسم الخليفي، إن ارتباط القطريين بهذه الأكلات ارتباط قديم نابع من الارتباط بهذه البيئة.
وتوضح الخليفي أن "الثريد يُعَد من أشهر المأكولات المعروفة منذ القِدم، ففي الجاهلية كانت المرأة تقوم بتقطيع الخبز قطعاً صغيرة ثم تسلق اللحم، وتأخذ مرقه لتضيفه إلى الخبز، وورد في بعض المصادر التاريخية، ومنها كتاب "الأوائل" لأبي هلال العسكري، أن أول مَن صنع الثريد هو النبي إبراهيم، كما أنه من الوجبات التي كانت العرب تقدمها قديماً للضيوف على سبيل الكرم".
وأضافت الخليفي لوكالة الأنباء القطرية "قنا"، أن "الثريد طبق عربي قديم جداً مُعَد من خلال إسقاء الخبز مرق اللحم حتى يلين، وهو طبق مشهور في جميع الدول العربية باختلاف أسمائه من دولة لأخرى".
ويطلق عليه في ليبيا "المثرودة"، وفي المغرب العربي "الشخشوخة"، وفي بعض الدول العربية اسمه التشريب أو الثريد، وفي مصر والشام يُطلَق عليه "فتة".
ومع التطور واختلاف الوصفات وتعددها، بدأ الجميع يضيف إليه إضافات حسب الرغبة، فمنهم من أضاف إليه الأرز، ومنهم من أضاف إليه الخضروات، مشيرةً إلى أنه مع بساطة مكونات الثريد له قيمته الغذائية التي توفر النشاط والصحة للجسم كبيرة، لما يحتويه هذا الطبق من بروتينات وكربوهيدرات وفيتامينات في حال أضيفت الخضار إلى المرق.
وحول الهريس، تقول الباحثة، مريم الخليفي، إن "الهريس ظهر في القرن السابع عشر الميلادي تقريباً، وفقاً لبعض المصادر، وهو أكلة حضرمية المنشأ، ثم انتقلت إلى الهند قبل نحو مئة عام، لتعود إلى دول الخليج العربي عن طريق التجار العرب والمسلمين".
وكان طبخ الهريس مقصوراً على الأغنياء الذين كانوا يوزعونه على الجيران، إذ يُقدم الهريس في المناسبات والأعياد وشهر رمضان خاصة، وغيرها من المناسبات. ولفتت الخبيرة إلى أن له عدة مسميات، مثل الهريس والهريسة أو سيدة المائدة أو الطلوع.
من جانبها، أكدت الكاتبة وخبيرة الطهي، عائشة التميمي، التي ألفت أكثر من كتاب عن الأكلات الشعبية، اهتمام العائلات القطرية بالأكلات الشعبية، خاصة الثريد والهريس.
وأوضحت أن المائدة القطرية، على الرغم من تنوع الأكلات، فإنها لا تخلو منهما كونهما من الأكلات الصحية والمُشبِعة، موضحةً أن الثريد كان يتم طهيه بالحليب أو بمرق اللحم، لكن في قطر يطهى بمرق اللحم مع الخضار، وتكون حباته كبيرة، وهذه خاصية الثريد القطري، ويجري إعداده بواسطة خبز الرقاق ويعد في المنزل، وتوضع كل مجموعة في كيس، ووقت إعداد الثريد يختار الرقاق على حساب عدد الأسرة، ليوضع عليه المرق، ويكون اللحم مع الخضار.
أما "الهريس"، فهو أكلة تتكون من حبوب القمح، ولا بد أن يكون الحب كاملًا، ويكون مع أطيب أنواع لحم الضأن. وتضيف التميمي أنه على الرغم من بساطة الطبخ، فإنه يأخذ وقتا طويلًا، لأن تسويته تحتاج نارا هادئة، وكانت الأمهات الأوليات يطبخنه على الحطب ثم الفحم، وذلك حتى ينضج اللحم بشكل كامل، بعد أن يسلق أولًا، ويغسل القمح وينقع في ماء منذ الليل، ليوضع على نار هادئة قد تستمر ست ساعات، وقديما كان يلف بالخيش حتى يحتفظ بالبخار الذي يساعد على النضج الكامل".
وأشارت التميمي إلى ارتباط القطريين بالأكلات الشعبية في رمضان، سواء في الفطور أو السحور أو "الغبقة" (وجبة بين الإفطار والسحور)، التي تتميّز كذلك بالأطباق الرئيسية والحلويات الخاصة القطرية.
ومن هذه الأطباق "البرنيوش" (المحمر) الذي يُصنَع من الخبز المكرمل بالسكر، ويميل لونه إلى الاحمرار، وترجع قصته إلى أيام الغوص على اللؤلؤ، فكانوا يأخذون دبس التمر، ويغلى ويوضع فيه الخبز، ليتطور بعد ذلك فيتم إعداده بالسكر، ويقدم هذا فقط مع السمك، وهو من الأطباق الرئيسية في شهر رمضان.
ومن الحلويات التي لا تغيب عن المائدة القطرية الرمضانية "اللقيمات"، التي تصنع من الحليب والهيل والسمن والزعفران والعجين المختمر، و"الخنفروش" الذي يُحضّر من مكوناتٍ بسيطة، من أهمها الطحين والبيض، وتضاف إليه النكهات المختلفة، ويكون على شكلِ دوائرَ صغيرة مَقلية أو محمّرة فوق صاج حديدي، إلى جانب أطباق الحلويات الشهيرة التركية والشامية، كالكنافة والبقلاوة والقطايف، وحتى الغربية أيضاً.