"أوسلو"... النبيذ والكعك المحلّى والسلام

11 نوفمبر 2021
يتبنّى الفيلم حلماً رومانسياً ساذجاً تجاه الرغبة بتحقيق السلام في الشرق الأوسط (HBO)
+ الخط -

بثت شبكة "كانال +"، أخيراً، الفيلم التلفزيوني "أوسلو"، من إنتاج ستيفن سبيلبرغ وHBO. العمل مقتبس عن مسرحية تحمل ذات الاسم، للمؤلف جي تي روجرز. تدور الأحداث عام 1992، الفترة التي تمكنت فيها "منى جول"، التي تعمل في وزارة الخارجيّة النرويجية، بالتعاون مع زوجها "رود لارسن"، من فتح حوار سريّ وغير رسمي بين "إسرائيل" ومنظمة التحرير الفلسطينيّة. 

لا نعلم كيف نبدأ الحديث عن الفيلم، كونه يتبنى، أولاً، حلماً رومانسياً تجاه الرغبة بتحقيق السلام في الشرق الأوسط. محرك هذه الرغبة هما الزوجان النرويجيان، وما شهداه أثناء إحدى زياراتهما للقدس، حين قام جندي إسرائيلي بإطلاق النار على فلسطيني أعزل.

انطلاقاً من هذه "الحادثة"، تتحرك رغبتهما بإحلال السلام، عبر أسلوب غير معتاد، حسب تعبيرهما، وهو تدبير لقاء سري بين ممثلين عن منظمة التحرير الفلسطينية (أحمد قريع وحسن عصفور)، وأستاذين جامعيين من "إسرائيل" (ياير هيرشفيلد ورون بونداء) لا يمتلكان أي صفة رسميّة. السبب في ذلك هو أن الطرفين لا يتواصلان بشكل مباشر، كي لا يعترف أحدهما بسلطة الآخر.

يكشف الفيلم، على طوله، عن مبادئ اتفاق أوسلو، التي يتم التوصل إليها، بالرغم من الغضب والعداوة التاريخيّة بين الطرفين. لكن، النبيذ والكعك المحلى والحوار الشخصي، هي الحل لتجاوز تلك العقبات. فما يدور على طاولة المفاوضات، يختفي في صالة الجلوس، إذ يتحادث "الخصمان"، ويكتشفان عبثية الصراع بينهما، أي يخضع كلاهما لسلطة الأمر الواقع. 
ما يثير الحنق في الفيلم، ومحاولة للتحرر من الحمولة الأيديولوجية، هو أن فكرة السلام، قائمة على الحوار فقط، أي لولاه لما حصل ما حصل. مجرد التقاء الأطراف على طاولة واحدة كان الحل، الأمر الذي يبدو شديد الرومانسيّة. ما نقصده هو تحول الصراع إلى اختلاف في وجهات النظر بين "أفراد"، وليس بين "مُحتل" و"صاحب أرض" هُجّر وطُرد منها.

وهنا، تبدو صيغة "الحوار على طاولة واحدة"، و"سلطة الأمر الواقع"، كشأن بيروقراطي أكثر منه اتفاقاً، خصوصاً حين نقرأ عن التنازلات التي قدمها الطرفان. طبعا مفردة "تنازلات"، هنا، غير دقيقة، خصوصاً عند النظر إلى ما بعد أوسلو، ليبدو الفيلم محاولة لجعل هذه اللحظة "تاريخيّة"، أو ذات آثار استثنائية على "الصراع" الفلسطيني- الإسرائيلي، والتركيز على فكرة أن القرار بيد أشخاص فقط. 

يدفعنا ما سبق إلى إعادة النظر في الفيلم، بصورة أدق؛ حكايته، أو ما يسمى الـ"فابيولا"، تلك العبارات التي تلخص الحكاية، والتي نقرأ على موقع "كانال +" أننا أمام فيلم يدور حول جهود دبلوماسيين نرويجيين لتنسيق لقاءات سرية بين "دولة" إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. والهدف، تجاوز الخلافات بين الطرفين والوصول إلى السلام. 

تلخص العبارة السابقة وجهة نظر الفيلم؛ فالجهود الدبلوماسية هي محور ما حصل، وبسببها جلس الطرفان، لكن تبدو عبارة "تجاوز الخلافات" مطاطة. الأمر ليس بهذه السذاجة؛ فنحن لسنا أمام خلافات. وبالرغم من أن الفيلم يوضح أن هناك عداوة أنطولوجية بين الطرفين، لكن هل تكفي نزهة في ثلوج أوسلو ليُحل الأمر؟ 

يظهر اتفاق أوسلو في اللحظة التي تكتسب فيها المفاوضات رسميتها كشأن بيروقراطي، ومحاولة لتشكيل حكومة تكنوقراط، تتسلم من "إسرائيل" الحكم في غزة وأريحا. والمشكلات هنا هي جمع الضرائب والقمامة، لنصل بعدها إلى لحظة الاعتراف المتبادل، التي تتحول إلى صراع عاطفي في الفيلم، يتحكم به أشخاص، هدفهم "السلام" وتحقيق المستحيل، وإيقاف القتل، لا مصالح خارجيّة، لا ضغوط دوليّة، لا إرادة شعبيّة.. وكأن القصر الذي شغله المفاوضون مساحة استثنائيّة، نكتشف فيها أننا جميعاً بشر ونحب بعضنا بعضاً، ولا احتلال ولا مقاومة، يكفي فقط الهدوء وراحة البال. 

يحوي الفيلم العديد من الاندفاعات العاطفيّة والصراخ، خصوصاً عند احتدام الجدل بين الطرفين. لكنه ما يلبث أن يتلاشى، وكأن غواية اللحظة التاريخية المتمثلة بالسلام أشد وطأة من الصراع نفسه، ومن العداوة بين الطرفين، ما يجعل الشخصيات تتجاوز بشريتها، للتحول إلى رموز، تحاول ما عجز عنه كثيرون سابقاً.

المساهمون