"أليفيا 2053": ماضٍ مفتوح على ثورة مؤجّلة

03 يونيو 2021
أُنجز العمل بلغة بصرية جذابة (جوزيف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -

يطرح فيلم الأنيميشن اللبناني "أليفيا 2053" (Alephia 2053) لمؤلفه ربيع سويدان، ومخرجه جورج أبو مهيا، مادة سينمائية يعوزها النضج والخبرة. فالتعويل على الصورة والرسوم المتحركة لا يشفع لفكرة، ولو بدت سباقة في عالم الأنيميشن العربي، إذ ينسف جوهرها البناء الدرامي الركيك والمباشر. يقترح الفيلم وجود جمهورية ديمقراطية شعبية تدعى "أليفيا"، وهي بلد عربي متخيل، أحداثه تجري في المستقبل، أي عام 2053.

من هنا، تأتي دعوة الكاتب لفهم رؤيته لمستقبل البلاد العربية. مستقبل مرهون بماضٍ مستمر ينتج عن واقع غير افتراضي لثورات الشعوب ضد الأنظمة الاستبدادية. أي أن حركات التحرر العربي في نشاط مستمر، وديمومتها من ديمومة النظم الاستبدادية. وهو ما ينتهي إليه سويدان، ولو عن غير قصد، ما سمح بفضح القصة منذ بداية الفيلم. إذ جاء ربط الأحداث على قياس القصة ومجاراة لها، من دون الاعتماد على حبكة متقنة ومشبوكة بشكل جيد يسمح بخلق إيقاع متوازن.

الخاتمة سبقت مفاتيح القصة وأبوابها، التي أوصدت في وجه المشاهد، ونزعت عنه أي فرصة لتخيل الأحداث والتوغل في خبايا النص. والمساحات التي كان في الإمكان استغلالها لتمر من خلالها حبكات فرعية متسقة، تم تقويضها، وتفريغها من أية صدمة كانت من الممكن أن تخلق صراعًا حقيقيًا وجذابًا. كما أن بناء الشخصيات وعلاقتها بعضها ببعض جاء سطحيًا بما يتناسب مع القصة وأفكارها. هكذا، لم توظف شخصية البطل (المقدم مجد) رئيس شعبة المخابرات بالشكل المناسب للصراع. بل تم دفعها لتنقلب على رأس النظام المتمثل بالقائد الأبدي (ألف الثاني)، والذي يحكم البلاد بقبضة من حديد، بشكل مفتعل.

المطلوب من البطل أكبر من الوظيفة المؤتمن عليها كشخصية رئيسية لها أزماتها وصراعاتها النفسية، التي يعتمد عليها في بناء عقدة درامية تدفعها إلى قبول المهمة والانطلاق بالأحداث بشكل منطقي. شخصية ليلى درويش، أخت مجد، وهي شخصية ثائرة انتحرت بعد أن أمسك بها شقيقها هي ورفيقها الثائر ميار علي بتهمة التحريض، والوالدة التي زجت بالسجن، ليسا سوى وجه أخلاقي معقد يعكس صرامة الخدمة الأمنية التي يواجهها البطل بحكم موقعه الوظيفي، ما يستوجب خلق أزمة نفسية ودرامية لن تنجح بدفع المشاهد إلى تصديقها، ولا سيما عندما يحقق مجد مع والدته، وتخبره الأخيرة أن يبحث في أغراض شقيقته المخبأة في المنزل، كدعوة لفهم أفعال شقيقته.

وما إن يكتشف البطل ارتباط ليلى بتشكيل سري يسعى إلى إسقاط نظام الحكم، حتى يصبح شخصًا ثائرًا متعاونًا مع الثوار عن طريق المدرسة دلال سحاب، التي ما إن أخبرته بتفاصيل العمل الثوري السري، حتى اقتنع بسهولة بالانضمام والمشاركة في الثورة التي بدأها والده المقتول هو وزملاؤه على يد فارس، الذراع اليمنى للحاكم، قبل سنوات طويلة. ولعل التحاق المدرّسة سحاب بالخدمة التعليمية، مقابل الانسحاب من الأعمال الثورية التي كانت تمارسها مع والد مجد وإبقاءها لوحدها على قيد الحياة، إضافة إلى غياب هذه المعلومات طوال تلك السنين عن بطل العمل ومعرفة شقيقته الصغرى بها، هو أمر في غاية السخافة، ويكشف عن ركاكة وهشاشة في العمل، وقلة حيلة في بناء حبكة متوازنة غير مفتعلة.

الحوارات كان لها أيضًا تأثير سلبي على بنية العمل؛ إذ جاءت مستهلكة ونمطية، تغلفها لهجة عربية فصحى ركيكة، مدفوعة بخطابات رنانة ومباشرة لتوصيف الأفكار المراد طرحها في الشريط. وإن كانت هذه الأفكار ضرورة ملحة لرفع صورة الواقع السياسي والمجتمعي، عبر عملية إسقاط درامي تؤثر بالمشاهد وبالرأي العام، إلا أنها لم تكن ملزمة بعرضها بأسلوب سردي فج، سهل الاستيعاب والإدراك، كما لو أننا نتابع شريطًا توجيهيًا مخصصًا للمدارس الثانوية، فنسمع جملًا مثل "الخوف مفتاح الحكم" و"هل نسيت أن الثورات تبدأ بشعار"، وغيرهما من عبارات طنانة افتقدت للانسيابية والحنكة في إيصال المعلومة. إيجابيات العمل يمكن نسبها إلى الإخراج، والقضايا المهمة المطروحة في الفيلم. فالسيناريو والشخصيات تم تنفيذهما بجودة عالية، وبلغة بصرية مريحة وجذابة، يرافقها حس موسيقي يتناسب مع الأجواء العامة للقطات.

سينما ودراما
التحديثات الحية

التصوير باللونين الأبيض والأسود خدم النص بطموحاته، السوداوية منها والإيجابية، ما دفع الحكاية لتتحد مع الغمامة المتوارية خلف قضاياها. فالنص لا يكتفي بتسليط الضوء على مفهوم التوريث السياسي، كسبب أساسي لانتفاء فكرة الدولة العصرية والديمقراطية التي يطمح لها الشعب فحسب، بل حتى الأجندة العاملة في تمكين هذا الكيان الحاكم والمتغطرس المتمثل بالقائد (ألف الثاني)، تشكل ذراعًا أخرى تحاكي في مضمونها عقليات الأنظمة الأوروبية في القروسطية، والتي كانت تعتمد على زواج الأبناء لضمان استمرار الحكم وتقوية الروابط والمواثيق السياسية. كما أن المرور بتكنولوجيا المعلومات والعمل الاستخباراتي ما هما إلا وجهان لمنظومة واحدة يكشفان عن الأدوات المستخدمة لقمع الشعب والتحكم به.

وللشعب نصيب أيضًا، إذ تم تصويره كشعب مشحونة عواطفه بالخطاب الإعلامي الموجه، مسلوبة إرادته وحريته حين يخضع لنظام رقابي وإداري، يحدد له ساعات تجوله ونظام غذائه وتعليمه المتوج بخطاب عقائدي، فيغدو مطواعًا وخادمًا لإرادة النظام الحاكم، رافضًا أي ثورة أو عمل مناهض. وهي صورة تم تسليط الضوء عليها عمدًا، في إشارة إلى ثقافة القطيع، ولم يعتمد المؤلف هذه الأفكار صراحة إلا لكشف النقاب عن صراع وجودي يعيشه لبنان، يفضحه بعض المعالم والطرقات التي ظهرت في الفيلم.

 

المساهمون