في مقدّمة كتابه الجديد، "أشكال واتجاهات الفيلم التسجيلي" ("خطوط وظلال للنشر والتوزيع"، عمّان، الطبعة الأولى، 2021)، يستعيد الناقد المصري أمير العمري سيرة الفيلم الوثائقي في العالم، مع استخدامه مفردة "التسجيلي"، غير المناسبة أبداً للقيم الفنية والجمالية والبصرية والتقنية، التي يتمتّع بها هذا النوع السينمائي. سيرة تروي لحظات أساسية في تاريخ الفيلم الوثائقي، والتطوّرات التي يُدركها في الأعوام الماضية، والاشتغالات الوثائقية الحديثة، التي تختار مواضيع فاعلة وشخصيات مؤثِّرة.
تُعتبر المقدّمة سرداً سلساً لتفاصيل مهمّة في تلك السيرة، التي يُدركها مهتمّون كثيرون بالسينما، بينهم قرّاء سينفيليون. مقدّمة تنتهي باعتراف العمري بأنّ اختياره 40 مقالة عن 40 فيلماً (اسم المطبوعة وتاريخ النشر غير مذكورين في نهاية كلّ مقالة) يرتكز على تنوّع رؤى الأفلام المختارة وأشكالها وأساليبها، كما على "ابتعادها عن الإيديولوجي التقليدي المباشر" و"اتجاهها إلى الفني الإبداعي، مع عدم إغفال القضية السياسية والاجتماعية، التي لا تزال تفرض نفسها دون أدنى شكّ على اهتمامات المبدعين في العالم" (ص. 11).
اختياره 40 فيلماً مردّه إنتاجها الحديث، وتباين أساليب مخرجيها في تناولهم مسائل وشخصيات، وكيفية عرض المواد التي يحصلون عليها. مقالات تعكس اهتمام الناقد بأفلامٍ منشغلة بقضايا وأفكار "ترتبط ارتباطاً وثيقاً بما يحدث في العالم"، باحثاً في أساليبها وأشكالها الفنية: "مع زيادة الاهتمام بالفيلم التسجيلي في العالم العربي، من جانب كثير من الشباب، في ضوء التطورات السياسية المتعاقبة التي شهدتها المنطقة العربية، أصبح من الضروري أنْ نتعلّم أيضاً كيف نصنع سينما تسجيلية حديثة، متقدّمة، باستخدام وسائل وآليات أخرى جديدة، وبواسطة عقليات يُمكنها تجاوز السائد المألوف، والخروج من قوقعة "الواقع" المغلق، والاهتمام التقليدي بقضايا الفقر والتخلّف وسكّان الهوامش، للتحليق في آفاق فنية أكثر رحابة، تعبّر عن رؤية المبدع ونظرته للعالم، مهما بدا للبعض أنّها قد تنحو، على نحو ما، في اتجاه الشكلانية" (ص. 10).
لهذا السبب "التعليمي"، ربما، يخلو الكتاب من أي فيلمٍ لأي مخرجٍ عربي، باستثناء "المزاج" للجزائرية صافيناز بوصبايا، بالإضافة إلى موضوعٍ عربي واحد، يُنجزه البريطاني شون ماكالستر بعنوان "قصّة حبّ سورية" (2015). تنبّهه إلى ازدياد الاهتمام العربي بـ"الفيلم التسجيلي" مكتفٍ بإشارة عابرة، يغلبها النَفَس التعليمي اللاحق بها، علماً أنّ صناعة الفيلم الوثائقي العربي تمتلك، أقلّه منذ بداية القرن الـ21 تقريباً، أدوات اشتغال متطوّرة، تقنياً وفنياً وجمالياً، وتختار مسائل حسّاسة، وبعضها يُمنع من عروضٍ محلية لانغماسه في ما يُحرِّم الرقيب المسّ به. أفلام وثائقية عربية عدّة تريد تعرية اجتماع وسلوك وأفكار وثقافات، وتفكيك ذاكرة بنبش المخبّأ والمسكوت عنه فيها.
أفلام تنال اهتماماً نقدياً عربياً، لكنّ العمري يُغيّبها من كتابه هذا.