يشكّل حضور توم هانكس على منصة نتفليكس، أخيراً، عبر ظهوره في فيلم News of the World، حدثاً مهماً بالنسبة لمحبيه. في أول مشاركة له في فيلم من نوع الغرب الأميركي (ويسترن)، سعى النجم المحبوب إلى أن يحمل فيلمه رسالة مميزة. العمل من إخراج بول غرينغراس، وهو مخرج أفلام إنكليزي ومنتج وكاتب سيناريو وصحافي سابق. يعرف عن المخرج اهتمامه باستعادة أحداث تاريخية درامياً، وهو معروف باستخدامه المميز للكاميرات المحمولة باليد. الفيلم مأخوذ عن رواية بنفس العنوان للكاتبة بوليت جايلز، والتي ترشحت ضمن القائمة الطويلة المكونة من عشرة كتب لجائزة الكتاب الوطني لعام 2016 في الرواية في الولايات المتحدة.
تدور أحداث "أخبار العالم" في الفترة الزمنية ما بعد مرور خمس سنوات على نهاية الحرب الأهلية في الستينيات من القرن التاسع عشر في تكساس. يستعرض العمل مغامرات الكابتن المخضرم جيفرسون كايل كيد، الذي شارك في الحرب الأهلية، ليعمل في ما بعد في قراءة أخبار الصحف على المهمشين من أبناء المدن البعيدة، متنقلاً من مدينة لأخرى.
يجد كايل كيد نفسه في مواجهة مغامرة كبرى يقبل فيها بإيصال طفلة يتيمة مختطفة لدى قبيلة من الأصول الهندية لعائلتها الأصلية. الطفلة البيضاء، هي من أصول ألمانية، ولها من العمر عشر سنوات واسمها جوهانا، خسرت عائلتها التي قتلتها قبيلة Kiowa نتيجة ثأر، لتعيش بينهم بعد ذلك وتتبنى نمط حياتهم.
من اللافت أن أحداث الفيلم التي تقع في القرن التاسع عشر، بعد الحرب الأهلية، وتعكس حالة القلق المسيطرة في تلك الفترة، تحاكي الشرخ الذي تعيشه الولايات المتحدة في الوقت الراهن. يصور العمل الانقسام الذي عانى منه الأميركيون بعد حرب طاحنة، وظروف العمل التي تضعهم في حالة من الخضوع لأصحاب العمل.
وفي زمن كان فيه الحصول على الأخبار أمراً صعباً، تتبدى قيمة الإعلام وأهميته. فشخصية كايل كيد تمثل الإنسان النبيل المؤمن بقيمة عليا والساعي إلى تقاسمها مع الآخرين. كيد يحمل الأخبار التي تتحدى السلطة السائدة، وتنشر المعرفة وتعمل على التغيير. وفي واقع راهن نعاني فيه من إعلام مسيّس ومليء بالأخبار الزائفة، تصبح مراجعة دور الإعلام عبر التاريخ بمثابة محاولة لفهم تغيير آليات عمل هذه الوسيلة.
لماذا تحاول الأفلام الأميركية المساواة بين الضحية والجلاد؟
في المقابل، رغم أن الفيلم يقع في الجنوب الأميركي العنيف، ومع تعرض كيد وجوهانا للخطر في رحلتهما، يبقى أن الفيلم محمل بالمشاعر المرهفة التي تجعله مثالياً، ويكاد يراعي مشاعر المشاهد بطريقة تتجنب جرح مشاعره. هذه الرهافة المبالغة تساهم بتسطيح الفيلم، وجعله أحادي البعد في لحظات. لكن الأداء المتقن لتوم هانكس والذي يرسم صورة رائعة لمشاعر الأبوة يعوض عن ذلك الجانب.
في ما يتعلق بقراءة تمثيل الأميركيين الأصليين في الفيلم، يعطي الفيلم صورة عامة عن محاولة لردم الصدع القائم على أعوام من حروب عنيفة. يتجنب الفيلم تصوير السكان الأصليين بسلبية، لكنه يتعامل مع الحاضر كنتيجة لعدوان متبادل من الطرفيين. هذه النقطة تُثير الاستياء؛ إذ اختارت الروائية، ربما من دون قصد، أن تسلط الضوء على محاولة حماية ضحية الصراع، وهي طفلة بيضاء وإعادتها إلى عائلتها البيضاء. ليست هذه القراءة هي نقطة ضد الروائية التي عملت لأعوام على نشر لغات السكان الأصليين عبر محطات راديو مخصصة لذلك، بحسب لقائها مع مجلة "تكساس الشهرية". لكن السؤال هو لماذا تحاول الأفلام الأميركية في لحظات المساواة بين الضحية والجلاد؟ أن نتابع بشوق عودة طفلة وقعت ضحية الاختطاف من قبل السكان الأصليين يدفعنا لقراءة طريقة تقديم هذه القضية. بحسب بوليت جايلز، لم يكن هذا الحدث نادر الوقوع؛ فقد تم مسبقاً استعادة الكثير من الأطفال البيض المختطفين لدى السكان الأصليين. كما أظهر كثير منهم رفضهم لمجتمعاتهم الأصلية، ورغبتهم بالعودة للعيش مع السكان الأصليين الأميركيين.
وقد سعت الكاتبة إلى أن تبين أن الطفلة قد أخذت صفات جيدة من السكان الأصليين، على خلاف عائلتها الأصلية التي عاملتها بقسوة لدى عودتها. لذا، يتجلى سعي جايلز الواعي لتجنب رسم السكان الأصليين بطريقة مسيئة. فيلم "أخبار العالم" يعزز القصة القومية الأميركية، حيث تجتمع عناصر السرد لتخلق رؤية حالمة لتاريخ يسعى فيه الأميركي إلى رفض الظلم ونشر الفكر الحر. في مقابلة مع توم هانكس حول عدم قيامه بتقديم أفلام الغرب الأميركي من قبل، يجيب: "يمكن للناس أن يقولوا: أود حقاً أن أصنع فيلماً من نمط الغرب الأميركي، كذلك قد يرغبون بالقدر نفسه بتقديم فيلم عن عمال مناجم الفحم الأيرلنديين. ولكن، ما لم تكن هناك قصة درامية عن عمال مناجم الفحم الأيرلنديين ذات عمق وتساهم بخلق تأثير، فلا يوجد سبب للقيام بذلك. وبالمثل، لا يوجد سبب يجعلك تقدم دراما الغرب الأميركي لمجرد أنك ترتدي ملابس مريحة وقبعة. يجب أن يكون ذلك لخلق أثر أكبر من مجرد الفيلم أو أسلوب الفيلم". أي أن فريق العمل اختار تقديم هذا الفيلم ليس ضمن طقس صناعة أفلام الغرب الأميركية، بل بسبب الحاجة إلى العودة للماضي لقراءة عناصر السرد التاريخي التي تعزز الرؤية القومية الأميركية.
بعد حراك "حياة السود مهمة"، وبعد الممارسات العنصرية التي شهدتها أميركا نتيجة الإعلام العنصري المدعوم بخطاب سياسي مهين من قبل ترامب وأنصاره، بات البحث عن معنى الهوية الأميركية وروحها التي تقبع في السردية التاريخية حاجة تعكسها بعض الأفلام الهادفة. في رحلة الكابتن جيفرسون كايل كيد، تجتمع العناصر التي تؤكد الحاجة إلى صوت حر غير مؤدلج وإلى عاطفة متسامحة للاستمرار.