يعود المغني والموسيقي الفلسطيني فرج سليمان لملاقاة الجمهور الأردني مجدداً في السادس والعشرين من سبتمبر/أيلول المقبل، بعد أن كان أحيا حفلاً ناجحاً في عمّان الشهر الماضي، في جولة ألبوم "أحلى من برلين" الذي أطلقه نهاية العام 2020 وجال فيه مغنياً منذ ذلك الوقت بحفلات جماهيرية أحياها في فلسطين وباريس ولندن وبرلين وتونس، حاملاً موسيقاه التي تجمع بين موسيقى الروك والجاز والتانغو والمقامات العربية.
وبين حفلي الأردن، قال فرج سليمان لـ"العربي الجديد" في حوار مشترك مع مؤلف أغنيات الألبوم الباحث والصحافي مجد كيال، إن جولته التي أحيا بها أكثر من 10 حفلات، تهدف لتوثيق الغناء الفلسطيني المخنوقة أحلامه بسبب الاحتلال، راوياً حلمه كشاب فلسطيني يرغب بعيش الحياة على طبيعتها دون أن يثقل كاهله الألم والاغتراب والفقد والحنين. يدرك فرج أن صعوده لملاقاة جمهور المهرجانات التي قام بالغناء بها، يحمله مسؤولية ما سيأتي لاحقاً، ويوضح: "لاقى الألبوم رواجاً كبيراً بين الشباب، لأنهم شعروا أن من بين أغانيه ما يعبر عن واقعهم وأحلامهم ورؤيتهم الإنسانية للعيش بعيداً عن جور الاحتلال".
وعن قصدية تسمية الألبوم بعنوان "أحلى من برلين"، يقول سليمان: "برلين واحدة من المدن التي يرغب معظم الشباب بالهجرة إليها وورد ذكرها في الأغنيات، فكانت فكرة تسمية الألبوم تعود للتأكيد على أن فلسطين كلها أحلى". يقاطع فرج، مؤلف الأغنيات مجد كيال، الذي يضيف قائلاً: "الفكرة الخاصة ببرلين خرجت على سبيل النكتة، ووجدنا أن موضوع برلين يتكرر بالألبوم لذلك قررنا اعتماد العنوان، الأغنيات ليست خاصة ببرلين تحديداً، بل تتعلق بأي عاصمة أوروبية شهدت موجة لجوء وهجرة تدفع الناس لمغادرة أي من البلاد العربية، فخرجت التسمية كشكل من أشكال الدول الكثيرة التي قد نتحدث عنها، وكنا نستطيع أن نقول باريس أو لندن أو غيرهما".
ينفي مجد أنه قصد من خلال الألبوم تقديم صورة جديدة للأغنية الفلسطينية، ويضيف: "لا يوجد لدينا هاجس تغيير الموسيقى الفلسطينية، الفكرة كلها تتمحور حول أننا رغبنا في التعبير عن حياتنا اليومية وما يجري حولها". يضيف فرج: "مجرد التفكير بتغيير هوية الغناء الفلسطيني أعتبره مشروعاً فاشلاً، نحن لا نتحدث عن قصدية، بل نقدم تجاربنا فقط وإن حدث لاحقاً التغيير الذي تتحدث عنه فسيكون تلقائياً. انظر إلى تاريخ الموسيقى في مصر، فهل قصد عبد الوهاب أو سيد درويش التجديد؟ هم فقط عملوا واجتهدوا وقدموا رؤاهم، فخلقوا مرحلة موسيقية جديدة تلقائياً".
يرغب فرج بالخروج من عباءة ربط الغناء بالقضية الفلسطينية، ويجد أن القضية أعمق وأسمى من ربطها بأغنية، ويوضح: "كفنان فلسطيني أغني لبلدي وقضيتي ولا أكتفي ولا أحصر فني بها فقط، ووسائل الإعلام تصور الفلسطيني المقاوم وتتجاهل الفعل الإنساني اليومي الذي يحياه المواطن في بلدنا مثله كأي إنسان في هذا العالم، وأجد أن حصر كل الفن بالقضية الفلسطينية فقط ليس منصفاً، فأنا مع التنوع". ويزيد مجد: "في كلمات الأغنيات ستجد الإنسان الفلسطيني حاضراً في حياته اليومية، وهذه الحياة تتقاطع مع كل ما يدور حوله وبالطبع يوجد الاحتلال والمعاناة التي يحياها الفلسطيني يومياً، لكننا نقدم صورة شاملة عنا كفلسطينيين نستحق أن نعيش كما يعيش غيرنا في هذا العالم الواسع".
يكشف فرج أنه لم يكن يخطط لإنتاج ألبوم كامل بالتعاون مع مجد، "مرة تلو الأخرى صرنا نكتشف أننا نعمل على مشروع واحد بأفكار مشتركة فقررنا إكمال الألبوم الذي تضمن 11 أغنية تحكي عنا كفلسطينيين بكل المراحل، هو رواية كاملة اختزلناها بأغنيات". يضيف مجد: "تتلاقى شخصياتنا وأفكارنا ونوع الموسيقى التي نفضلها معاً، نحن نعمل بهدوء وتروٍ، لذا لا نستعجل في طرح الأعمال حتى نرتوي من الفكرة ونقدمها طازجة للناس". فرج ومجد يتفقان أن المشروع الذي يعملان عليه في أغانيهما ليس محصوراً بهما فقط، يوضح فرج: "المشروع أكبر من ألبوم ولن يقف عليه، هناك أعمال سنقدمها ضمن هذه الرؤية موجهه للأطفال، والأهم أن لغتنا المشتركة هي واحدة وتفكيرنا يمضي بعقلين يفكران معاً". ويشير مجد إلى أن "المشروع يجب أن تتراكم أعماله ولا تقتصر على ألبوم واحد، حتى يسمى مشروعاً"، ويضيف: "نسعى لخلق حالة حول المشروع، وكل موسيقى مهمة في العالم، اكتسبت أهميتها من الحالة التي تقدمها".
لا يشعر فرج بالأسى حول بعض التعليقات على "السوشيال ميديا" التي تصف صوته بالعادي، ويجيب: "لسنا موهومين بأن كل العالم يعرفنا، نحن نقدم مشروعاً ولا أطرح نفسي مغنياً فقط بل صاحب فكرة ومعي مجد، قد أتحول للموسيقى والعزف والتلحين ويكمل غيري الغناء في هذا المشروع، نحن ندرك أن (صوتي العادي) مناسب في هذه المرحلة لإيصال فكرة المشروع الذي نعمل عليه، ولو جئنا بأفضل صوت فقد يتشتت الناس معه ولن يركزوا في عمق الأفكار التي نقدمها".
يعلق مجد: "المشروع هو فكرة، انظر إلى أغاني المهرجانات التي اكتسحت الساحة الفنية وتفوقت، معظم مؤديها أصواتهم عادية، لكنهم وجدوا النجاح لأنهم لامسوا احتياجات الجمهور، أي عمل يقاس بقدرته على التعبير عن روح فترة بمجتمع معين بمستوى الطبقية التي يكون بها". ويؤكد: "من المهم خلق نمط موسيقي يشبه حالة المجتمع".
يبرر مجد كيالي وجود كلمات خادشة في بعض أغنيات ألبوم "أحلى من برلين"، بعفوية الفكرة، موضحاً: "طريقتي هي أن أكون عفوياً في الكتابة والجملة التي تشير إليها، هي من الواقع المعاش فعلاً عند الحديث بين صديقين، لا أستطيع تذويق الكلام عندما أعلق على تعامل الشرطة مع الشباب وأقول يتخابثون أو يتناذلون. أنا لا أهدف إلى وضع شتيمة بشكل مقصود في الأغنية، أنا أرغب بنقل الواقع كما هو". ويتفق فرج مع ما ذهب إليه مجد، مضيفاً: "الجملة التي نتكلم عنها موظفة بمكانها الصحيح بدون مبالغة وتأتي في سياق الحدث، هو أدق وصف لما يقوم به الاحتلال مع العرب".
لا ينظر فرج ومجد إلى الأغنية إلا كحالة تشرح كل منهما الأخرى، ولا يفصلان الكلمة عن الموسيقى، بل ينظران لهما كوحدة حال تقدم التعبير ذاته بشكلين مختلفين، يقول فرج: "الموسيقى إن كانت سيئة تفشل الكلمات، فليس بالضرورة أن تكون الكلمة أهم، فالموسيقى تلفظ الكلام والموسيقى تشرحه عبر الآلات وكلاهما يصلان بصوت المغني". يعلق مجد: "هناك أغان كثيرة، ليس لكلماتها دلالات منتشرة بين الناس. انظر إلى أغنية السيدة فيروز (وقمح) هل هناك كلمة وموسيقى فقط؟ هذا النموذج من الغناء يفهم المستمع بأن الأغنية ليست كلمة ولحنا فقط، بل فكرة".