"مشروع ليلى"... موسيقى متمرّدة على كلّ القيم

24 يونيو 2019
من كليب "معاليك" (يوتيوب)
+ الخط -
في بداية العام، طرحت فرقة "مشروع ليلى" اللبنانية أغنية "معاليك"، بمناسبة مرور 10 أعوام على تأسيسها، وأرفقت الأغنية ببيان ترويجي يعلن عن اقتراب موعد إصدار ألبومها الجديد "مدرسة بيروت". ولكن يبدو أن الأغنية لم تحقق ما هو مأمول منها على المستويين الفني والترويجي، وهو الأمر الذي جعل الفرقة تتريَّث بطرح الألبوم، وطرحت بدلاً منه فيديو كليب أغنية "معاليك". صُوّر الكليب بأسلوب غريب لا يشبه الفرقة، ويحمّل الأغنية معاني لا تتضمنها النسخة الأولى منها، من خلال إقحام بعض الفيديوهات التوثيقية التي تعرض صورا عن المقاومة الفلسطينية النسوية للعدو الإسرائيلي. 

خلال السنوات العشر الماضية، نجحت فرقة "مشروع ليلى" بالتسويق لنفسها كفرقة يسارية غير تقليدية، وتمكنت من خلال ألبوماتها الأربعة السابقة أن تتطرق لمواضيع متنوعة تكسر كل الحدود والتابوهات التي تأطرت بها الموسيقى العربية الملتزمة لعقود. فبعدما كان السائد في الأغنية اليسارية الملتزمة الثائرة هو الغناء بوجه الإمبريالية العالمية المتمثلة بالكيان الإسرائيلي، غنت "ليلى" بوجه السلطات العربية وربطت الحرية الفكرية والسياسية بالحرية الجسدية والجندرية، وهو ما أعطى الفرقة خصوصيتها وحولها إلى أيقونة، ولا سيما في ظل التحولات السياسية العنيفة التي مرت بها المنطقة العربية في ظل الربيع العربي، وبسبب رغبة الجمهور العربي بالبحث عن موسيقى متمردة على كل القيم، فكانت "ليلى".

وفي الأغنية الأخيرة التي طرحتها "ليلى"، "معاليك"، لم تبدُ الفرقة بأنها تحيد عن المسار الذي رسمته لنفسها منذ بداية مشوارها؛ فهي رغم اختلاف اللغة، واستبدال المحكية بالفصحى، تقمصت صوت الثورة بوجه السلطة كبنية قائمة، بأعرافها السياسية وأجهزتها الأمنية وتقاليدها الاجتماعية؛ ولكن الأغنية لم تتمكن من جذب الجمهور، وهو ما بيّن أن الفرقة تسير في طريق مسدود، فأعادت "ليلى" خلط أوراقها من خلال إنتاج الفيديو كليب الجديد الخاص بالأغنية. ويتكون الكليب من لقطات توثيقية لثورة الشعب الفلسطيني المستمرة بوجه الجنود الإسرائيليين.



من الواضح أن "ليلى" حملت الأغنية قضايا ليست متأصلة فيها، ويبدو أنها تسعى من خلال هذا الالتفاف لكسب جمهور اليسار العربي التقليدي، بعدما بدأت تفقد جزءاً من شعبيتها. وتشهد على ذلك كلمات أغنية "معاليك" ذاتها، فهي أغنية ثورية بالتأكيد، ولكنها ثورية ضد الأنظمة والقيم، وليست ضد المحتل الإسرائيلي، حيث يذكر في نهايتها: "لكم قيمكم والحب لنا. لكم عاداتكم، لنا الموسيقى. لكم تقاليد، لنا المستقبل". وهي لغة من الواضح أنها موجهة للمجتمع التقليدي، وليس للجنود الإسرائيليين.

فعلياً، هناك عدد كبير ممن أثنوا على ما قامت به "ليلى" في التعليقات على الفيديو الرسمي للأغنية، واعتبروا أن تصوير الفرقة للنضال الفلسطيني المستمر أمرٌ هام، ويزيد من قيمة نتاجها الفني؛ ولكن هل يمكن اعتبار كليب "ليلى" الجديد جزءاً من الحراك النضالي؟ أم أنه متاجرة بقضية جديدة، عندما بدت القضايا القديمة خاسرة؟ وألم يكن الأجدى بـ"ليلى" متابعة قضاياها المعلقة، ولا سيما قضية الجماهير المثليين الذين تعرضوا للاعتقال بسبب حضورهم لحفلها في مصر؟

إن إنتاج الفرقة الأخير يفتح الباب على الكثير من الأسئلة حول آلية عمل الفرقة وعلاقتها بالقضايا التي تتغنى بها، لتثير المزيد من إشارات الاستفهام حول الألبوم الجديد قبل إصداره. قطعاً، لا يمكن الحكم على "مدرسة بيروت" بشكل مسبق، لكن المقدمات التي سبقته ليست مبشرة.
دلالات
المساهمون