أفلام كارتون برسائل سياسية: إنتاجات أجنبية للأطفال في خدمة الأنظمة 2/2

31 مايو 2019
أثناء العمل على سلسلة "القائد" عن ماركس (فرانس برس)
+ الخط -

 

قبل عام، في مايو/أيار 2018، وفي الذكرى الـ200 لولادة كارل ماركس، أعلن الحزب الشيوعي الصيني بمباركة من رئيس الدولة شي جين بينغ، عن بدء تصميم مسلسل تحريك جديد موجّه إلى الصغار والمراهقين، عن قصة حياة ماركس. وفعلاً في العام 2019، بدأ عرض المسلسل على شبكة الإنترنت، وقد حمل عنوان "القائد The Leader".

السلسلة أعادت صياغة أفكار ونظريات ماركس بقالب قريب من الصغار، كما تطرقت في حلقات عدة إلى حياته الشخصية وزواجه وأولاده، في سيناريو يحاول جعله أقرب إلى عقول وحياة الأطفال الصينيين. لكن المحاولات الصينية فشلت ولم يحظ الكارتون بنسب مشاهدة عالية، بسبب تركيزه على التنظير بدل "أنسنة" ماركس ضمن خط درامي يجعل الطفل الصيني يتماهى معه ومع حياته وأفكاره، كما يشرح الدكتور المتخصص في الشأن الصيني في جامعة أمستردام يورن دي كلوت. 

بروبغندا الحزب الشيوعي الصيني، المباشرة والتقليدية اثبتت فشلها إذاً في مخاطبة جيل الأطفال والمراهقين الذين باتوا يكسرون الحظر المفروض على حياتهم وعلى تواصلهم الإلكتروني. فخ الترويج السياسي الصيني ربما يليق بالقرن الماضي، وهو ما تدركه جيداً دول أخرى مثل روسيا، تحديداً منذ وصول فلاديمير بوتين إلى السلطة قبل 20 سنة. اختارت روسيا الجديدة رمي الإرث السوفييتي في بروبغندا الاطفال خلف ظهرها، وإنتاج مسلسلات تحريك تليق بالعالم الجديد الذي كان يتحول إلى "قرية كونية"، تربطها شبكة الإنترنت. 

هكذا وقبل أسابيع قليلة بلغ عدد المشتركين في قناة مسلسل التحريك "ماشا والدب" الروسي 5.2 ملايين مشترك. تدور أحداث الحلقات التي بدأ عرضها عام 2009، حول فتاة روسية صغيرة تدعى "ماشا"، نتابع يومياتها مع صديقها الدب "ميشكا". 

منذ انتشارها في الدول الأوروبية، أثارت هذه السلسلة ريبة كثيرين، تحديداً في الدول المجاورة لروسيا. بدأت التحليلات والتحذيرات من المشاهد والرسالة التي تحملها السلسلة: من إستونيا، إلى ليتوانيا. اعتبر المنتقدون أن الدب ميشكا يمثّل روسيا. وما أكد هذه النظرية كانت الحلقة التي تظهر فيها الطفلة ماشا، وهي ترتدي القيعة العسكرية السوفييتية، لتحارب الأعداء الذين يريدون اقتحام حدود حديقة صديقها الدب.

هذا المشهد وغيره من المشاهد، جعل الريبة تلاحق السلسلة الكارتونية. ورغم نفي الكرملين ووسائل الإعلام الروسية مثل "آر تي (روسيا اليوم)"، و"سبوتنيك" علاقة هذا العمل بالسياسة، لا تزال حتى اليوم اتهامات البروبغندا تلاحقه. بل إن حرباً إعلامية عنيفة نشأت بين وسائل إعلام غربية، بينها "ذا تايمز" البريطانية، ومواقع روسية على خلفية مقال نشرته الصحيفة البريطانية، تفنّد فيه الاتهامات الموجهة إلى مسلسل التحريك إياه، وهو ما جعل الإعلام الروسي ينشر ردوداً متشابهة حد التطابق على تقرير "ذا تايمز". 

الترويج السياسي الروسي بدا كانه يدخل عصراً جديداً، بعد تراجعه بشكل كبير إثر انهيار الاتحاد السوفييتي والاختفاء التدريجي، للتمويل الرسمي لهكذا إنتاجات. في الولايات المتحدة الأميركية كان المشهد مغايراً. إذ مع انتهاء الحرب الباردة، تراجعت الأفلام والمسلسلات الكارتونية الموجهة سياسياً لصالح رسائل اجتماعية عن التعاون والمساعدة والصداقة. وإن كانت بعض المحاولات قد ظهرت تحديداً بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول عام 2001 على برجي التجارة العالمية. لكنها تجارب لم تلق الصدى المطلوب ولا التفاعل الشعبي الكبير، فحلت مكانها سريعاً أفلام قصيرة موجهة للأطفال، تحكي حكايات الضحايا، مثل فيلم Always a family. 

لكن تاريخ الولايات المتحدة في التعامل مع إنتاجات الأطفال، لم يكن دائماً بهذه السلاسة. بل إن الحرب العالمية الثانية وما تلاها يكشفان سياسة ممنهجة ومنظمة في مخاطبة صغار السن. 

عام 1941، واجهت شركة "والت ديزني" لإنتاج أفلام التحريك، واحدة من أسوأ أزماتها، مع فشل فيلمها الجديد "فانتازيا" في شباك التذاكر، رغم الميزانية الكبيرة التي رصدت له وقتها. هذا الفشل المفاجئ لفيلم التحريك المصنوع بتقنيات متطورة وجديدة وقتها، بالتزامن مع انعكاسات الحرب العالمية الثانية على سوق السينما في العالم، جعل الشركة على شفير الإفلاس.

لكن في تلك السنة، أعلنت الولايات المتحدة الأميركية دخولها الحرب، بعد 4 أيام من قصف اليابان لبيرل هاربور في 7 ديسمبر/كانون الأول 1941. إعلان الرئيس الأميركي فرانكلن روزفيلت الالتحاق بالمعارك، كان خشبة الخلاص للشركة الشهيرة. فبالتزامن مع القتال على الجبهات، خصصت الحكومة الأميركية ميزانية ضخمة للبروبغندا. وتوجّه وفد حكومي وعسكري، في تلك السنة (1941) إلى استديوهات "والت ديزني" وتمّ عقد اتفاقيات لإنتاج سلسلة من أفلام التحريك الموجّهة للشعب الأميركي، وتحديداً للجيل الأصغر سناً أي المراهقين والأطفال. 

وبالفعل لعبت البروبغندا التي قادتها ديزني في الداخل الأميركي، وفي عدد من دول أميركا الجنوبية، دوراً بارزاً في الحفاظ على الروح العالية للمواطنين إلى حين انتهاء الحرب. فتحت الشركة الأميركية، بالدور الذي لعبته، أبواباً واسعة أمام استخدام أفلام التحريك للترويج للأفكار السياسية، ومخاطبة الأجيال الصغيرة، لزرع أيديولوجيات سياسية واجتماعية محددة. سياسة تبنتها دول كثيرة لاحقاً مثل الاتحاد السوفييتي (سلسلة أفلام Capitalist Sharks أسماك قرشٍ رأسمالية، أثناء الحرب الباردة) أو أفلام الأنيمي اليابانية التي بنت مجدها الكبير في الفترة التي تلت رمي قنبلتين نوويتين على هيروشيما وناغازاكي (أغسطس/آب 1945 في نهاية الحرب العالمية الثانية). 

انتهت الحربان العالمية الثانية، ثمّ الباردة، وانفتح العالم على بعضه، وسقطت الحدود والجدران التي رسمت سنوات النصف الثاني من القرن العشرين. لكن صراع البروبغندا الموجهة للأطفال لم ينته وإن اتخذ أشكالاً أكثر تطوراً، كما أخذ ساحة مختلفة تماماً وهي شبكة الإنترنت، من خلال مواقع التواصل التي باتت مصدر المعلومات الأبرز تحديداً عند المراهقين
المساهمون