كيف حدّدت المخابرات المصرية ملامح الدراما الرمضانية؟

18 مايو 2019
ياسر جلال في "لمس أكتاف" (يوتيوب)
+ الخط -
التعليمات التي أملاها مسؤولون في الاستخبارات العامة المصرية على صناع وكتاب الدراما التلفزيونية في الاجتماع الذي كشفت تفاصيله "العربي الجديد"، في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، ظهرت جليةً في الأعمال التي تُعرَض خلال شهر رمضان الجاري. إذ تحولت كل المسلسلات التي تنتجها الشركة التابعة للاستخبارات العامة "سينرجي" برئاسة تامر مرسي، إلى معرض لتقديم صورة ناصعة ومثالية عن الضباط، خصوصاً ضباط الشرطة، بعد 8 أعوام من ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني، والتي اندلعت بالأساس ضد انتهاكات وقمع وفساد جهاز الشرطة في مصر.

وكانت "العربي الجديد" قد نشرت تفاصيل ومعلومات حول الاجتماع الذي عُقد بحضور مسؤولين في شركة "سينرجي للإنتاج الفني" التابعة لمجموعة "إعلام المصريين" التي استحوذت عليها شركة "إيغل كابيتال للاستثمارات المالية"، وهي صندوق استثمار مباشر مملوك لجهاز المخابرات العامة المصرية، مع 13 مؤلفاً وكاتب سيناريو ممن يكتبون الأعمال الدرامية، والمتعاقدين فقط مع الشركة.

وأكد مصدر حضر الاجتماع، لـ"العربي الجديد"، أن الدعوة إلى ذلك الاجتماع جاءت من قبل رئيس جهاز الاستخبارات، اللواء عباس كامل، الذي حرص على حضور الاجتماع من أوله إلى آخره. وتحدّث كثيراً عن ضرورة تقليل نفقات الإنتاج، وعدم القدرة على إنتاج عدد كبير من المسلسلات، والتركيز على كل ما هو إيجابي، وعدم تقديم العشوائيات في الدراما، أو الإساءة للضباط، سواء ضباط الجيش أو الشرطة.

وظهرت تعليمات عباس بوضوح في المسلسلات التي تُعرض خلال شهر رمضان الحالي، إذ أن كل "تترات" المسلسلات فيها شكر لوزارة الداخلية وإدارة العلاقات العامة التابعة لها.
كما أنه لا يخلو عمل تقريباً من الأعمال المقدمة من شخصية الضابط المثالي. وعلى سبيل المثال، مسلسل "كلبش 3" الذي يقوم ببطولته الممثل أمير كرارة، والذي يتردد في الوسط الفني أن زوجة الرئيس عبد الفتاح السيسي، السيدة انتصار السيسي، من أشد المعجبين به.

وفي هذا المسلسل، ظهرت صورة الضابط بشكل أوضح، وقُدمت بطريقة فريدة. إذ غامر الضابط سليم الأنصاري بحياة ابنه من أجل "الوطن"، عندما قام رجل الأعمال الشرير (يجسده هشام سليم) الذي من المفترض أنه يقوم بتمويل عمليات إرهابية في البلاد، بجعل ابن "سليم الأنصاري" يستنشق مادة معينة تؤدي إلى انهيار في جميع أجهزة الجسم الحيوية. وترياق تلك المادة في يد رجل الأعمال "أكرم". ويقوم بالضغط على الأنصاري لتقديم استقالته من وزارة الداخلية، في مقابل إعطائه جرعات العلاج، وتكون كل جرعة مقابل مهمة محددة يتم تكليف "الأنصاري" بها لصالح جماعة الفساد التي يديرها "أكرم".

وضمن هذا الإطار، يطلب رجل الأعمال من الضابط المستقيل، تأسيس شركة للأمن هدفها تأمين الشخصيات العامة وجمع المعلومات حولها، للاستفادة منها بعد ذلك. ورغم جسامة المخاطرة، يبلغ الضابط "سليم"، رئيسه السابق في الشرطة "اللواء جلال" (يجسده أحمد عبد العزيز) عن العملية، مُقدماً "مصلحة الوطن" على حياة ابنه.



وفي عمل آخر وهو مسلسل "قابيل"، يجسد محمد ممدوح شخصية ضابط مباحث "مضطرب نفسياً"، ولكن المؤلف يبرر ذلك بمقتل زوجته بسبب قضية كان يعمل عليها، ما يقدم نموذجاً آخر للتضحية والفداء. ولكن في المقابل، وفي نفس المسلسل، يقدم النص نماذج أخرى لضباط حول "قابيل"، يتميزون بالمثالية والحزم، مثل شخصيتي "عادل"، واللواء "منصور" الذي يجسده الفنان نبيل بدر الدين.

وفي مشهد صارخ يدل على تنفيذ تعليمات الجهات الأمنية في كتابة النصوص، يتلقى الضابط طارق اتصالاً هاتفيّاً للإبلاغ عن شقة يصعد إليها الأشخاص، ولا يظهرون مرة أخرى. فيعتقد طارق أنها شقة لنشاط إجرامي آخر متعلق بسرقة الأعضاء، وعليه يتم إنقاذ الضحيتين وإخراجهما من الشقة إلى الشارع وسط تصفيق وتهليل من المواطنين.



وحمل الأسبوع الأول من الموسم الرمضاني مُؤشّرات، تؤكد أن جميع المسلسلات المعروضة قد التزمت بالكتالوغ المقدم من أجهزة الأمن، ومنها مسلسل "لمس أكتاف" من بطولة ياسر جلال وحنان مطاوع، إذ أن أحداثه تتجه إلى عالم تجارة المخدرات، وبداية ظهور الضباط. وفي مشهد من المسلسل، يقوم الضابط باستجواب متهم مراوغ، فينهره الضابط بصوت عال قائلاً: "ولاااااااا"، وكأنه سوف يضربه، ولكنه يستدرك بعد ذلك، وينظر إلى الأرض، ويقول نادماً على ما فعل: "أستغفر الله العظيم". في مسلسل "علامة استفهام" أيضاً، ظهرت به مساحات درامية لبطولات رجال الأمن، من أجل كشف لغز سلسلة جرائم.

وكانت "العربي الجديد" قد نشرت في تقريرها، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، نقلاً عن مصادر، أن تلك المطالب كانت تعليمات من رئيس الاستخبارات شخصياً، اللواء عباس كامل. وكان من بين المؤلفين الذين حضروا هذا الاجتماع كل من محمد عبد المعطي، ومحمد سيد بشير، وأمين جمال، ومحمد صلاح العزب، ومحمد عز، ومصطفى صقر، وهاني سرحان، وأيمن وتار، وباهر دويدار، ومصطفى عمر.

وسائل إعلام عالمية تناولت بعد ذلك قضية سيطرة أجهزة الاستخبارات في مصر على الأعمال الدرامية، إذ قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، في إبريل/نيسان الماضي، إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي "يوسع قبضته الحديدية الآن، لتصل إلى منطقة جديدة في المجتمع المصري، وهي المسلسلات التلفزيونية". وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن الحملة ضد المسلسلات التلفزيونية هي الجانب الثقافي للنسخة الاستبدادية بعيدة المدى والمتسلطة التي ترسخت في مصر في عهد السيسي، إذْ وصلت إلى مستويات جديدة، حتى بالنسبة لبلد يحكمه رجال أقوياء يحظون بدعم الجيش منذ عقود.

وكان السيسي قد أشار للمرة الأولى إلى المسلسلات التلفزيونية في خطاب له عام 2017، أثنى فيه على "المبادئ الإيجابية" للمسلسلات القديمة التي أنتجتها الدولة، وانتقد المسلسلات التي جرى إنتاجها مؤخراً. كما نشرت صحيفة "التايمز" البريطانية، يوم السبت الماضي، تقريراً أكدت فيه أنه طُلب من المخرجين المصريين إنتاج نصوص لأعمال درامية تمجّد الجيش، إلى جانب مطالبتهم بخفض الميزانيات.
المساهمون