شعبان عبد الرحيم: المغني الشعبي يدندن آخر "إيه"

03 ديسمبر 2019
تمتّع بذكاء فطري يعتمد عليه (فيسبوك)
+ الخط -
شكّل الفنان الشعبي الراحل شعبان عبد الرحيم، المعروف بـ شعبولّا، ظاهرة فنية كبيرة داخل مصر وخارجها. وبسبب ما حققه شعبان من شهرة كبيرة، ومع ضعف مستواه التعليمي من جهة، تم استغلاله وتوجيهه لصالح أغراض سياسية في كثير من الأحيان، سواء كانت ذات نوايا طيبة أو خبيثة. تم استخدام شعبولّا من قِبل نظام مبارك؛ إذ كانت الدولة تسيطر على كل شيء، وذلك بعد أن غنّى أغنيته الشهيرة "أنا بكره إسرائيل"، لكنه انعتق مع ثورة يناير مثلما انعتق ملايين المصريين؛ فغنّى من قلب الميدان "ثورتكم كانت ضوء أخضر.. أشرف من العملاء وأطهر.. بلاش تمشوا ورا الكداب.. اسمعوا لشيخ الأزهر". لكن شعبان عاد وهاجم ثوار يناير بعد ذلك عندما تراجعت الثورة لصالح الثورة المضادة والعسكر.

أخيراً، طرح الفنانان شعبان عبد الرحيم ورفيق دربه إسلام خليل، أغنية جديدة، هاجما فيها قناة الجزيرة القطرية واتهماها بالتحريض ضد مصر، وهو ما يمثل الموقف الرسمي للنظام المصري الحالي بقيادة عبد الفتاح السيسي.

رحل المطرب والفنان الشعبي المصري شعبان عبد الرحيم عن 62 عاماً، تاركاً وراءه العديد من الأسئلة التي يجب طرحها ومحاولة البحث عن إجابة لها. فشعبان الذي ظهر في منتصف التسعينيات كمطرب شعبي، يختلف كليّاً عن الذين سبقوه؛ فهو ليس عدوية ولا محمد رشدي ولا محمد العزبي. كان يعرف أنه لا يستطيع أن ينافس هؤلاء على مستوى الصوت أو الشعبية الممتدة على مدار أعوام طويلة، ولكنه كان يملك ذكاء فطرياً تمكّن من خلاله من أن يجد لنفسه موطئ قدم في المشهد، ليس فقط الغنائي، بل الفني المصري بشكل عام، وذلك من خلال مظهره اللافت للنظر وتكوينه الجسدي الممتلئ وملابسه المزركشة وألوانه التي يصعب أن يرتديها الرجال العاديون، التي تضم الكثير من السلاسل الفضية المُحيطة برقبته، فصار شعبان عبد الرحيم موضة تجتاح البرامج الفنية (التوك شو)، بعد أن أطلق أغنيته الشهيرة "هبطل السجاير"، وهي الأغنية التي اجتاحت الشارع المصري، رغم أنه كان معروفا فقط في أوساط مناطق شعبية، مثل الشرابية وشبرا، ولفئات معينة.


يوماً بعد يوم، كان شعبولّا يواصل تقدمه في المشهد الغنائي والفني المصري، مع كل أغنية يطلقها مع رفيق مشواره وكاتب أغانيه، إسلام خليل، وتلك الشعبية التي حققها شعبان عبد الرحيم ازدادت ووصلت أصداؤها إلى المجتمعات العربية، خصوصاً بعد أن غنى لأمين عام جامعة الدول العربية السابق، ووزير الخارجية المصري السابق، عمرو موسى، وكان يتخذ مواقف حماسية تنتصر للقضية الفلسطينية. في هذا التوقيت، شاع أن الرئيس المخلوع مبارك شعر بالغيرة من تلك الأغنية، التي كانت تؤكد شعبية موسى، بل زادت منها، عندما صارت الأغنية تتردّد في جميع أنحاء البلدان العربية، ويبدو أن تلك الشائعة ترتب عليها محاولة لاستقطاب شعبان عبد الرحيم والذي كان ممنوعاً من الظهور على قنوات التلفزيون المصري، بدعوى حماية الذوق العام، ولكنه فجأة صار واحداً من النجوم المكررين في برامج من نوعية "حوار صريح جدا"، أو غيره من البرامج التلفزيونية التي صارت تناقش ما سمي وقتها "ظاهرة شعبولا"، ودائماً ما كانت تتمحور التساؤلات الموجّهة إلى شعبان حول مظهره، ومن يختار له ملابسه، والـ"لوك" الذي يظهر به، واختياره لكلمات أغنيته.



صعد نجم شعبان عبد الرحيم وتصدر المشهد الغنائي الشعبي، إلى أن شهد مشواره التحول الحقيقي من مطرب شعبي بمظهر لافت غريب، إلى بوق يستخدمه النظام السابق أحياناً للإلهاء أو توجيه الأنظار لقضايا ثانوية، خصوصاً عندما كان ينطلق في الحديث عن السياسة وكيف أنه يكره إسرائيل، أو أغنية "ماتخافش من الحكومة". إلا أن المخرج داود عبد السيد وجد في شعبان شيئاً مختلفا عن كل ذلك؛ حيث لفت نظره ليجعله بطلا لفيلمه السينمائي المهم "مواطن ومخبر وحرامي" (2001)، وكانت وجهة نظر داود أن شعبان بتلك التركيبة هو خير معبّر عن المرحلة "الهجين" التي كنا نعيش فيها في ذلك الوقت، وهو المعبّر عن سطوة الدولة الأمنية. هكذا، تتداخل الأدوار عندما يصبح المطرب الشعبي صاحب السوابق (شخصية شريف المرجوشي) التي جسّدها عبد الرحيم قيِّمًا على الأخلاق ويصادر ويحرق الأدب. وقتها هاجم الكثيرون داود لاختياره شعبولّا، لكن داود أثبت للجميع أن اختياره كان في محله تماماً.
يذكر أن الفنان شعبان عبد الرحيم كان قد حُجز منذ فترة بالمستشفى وكان يصارع المرض، وأحيا حفلا مؤخرا بالسعودية جالساً على كرسي متحرك من شدة مرضه.


وُلد شعبان عبد الرحيم (15 مارس 1957- 3 ديسمبر 2019)، في حي الشرابية بالقاهرة باسم قاسم، ولكنه اختار اسم شعبان بالوسط الفني وحتى حياته الشخصية نسبة إلى ولادته في شهر شعبان.
ومن أشهر أغانيه "أنا بكره إسرائيل" التي استوحاها شعبان من أحداث الانتفاضة الفلسطينية، والتي أثارت ردود فعل كبيرة محليا وعربيا، وقد اتهمت شبكة سي إن إن الإخبارية الأميركية عبد الرحيم بالتحريض على مناهضة التطبيع مع إسرائيل، في حين وجدها كثيرون تعبيراً عن نبض الشارع المصري والعربي. ونقلت وكالة أسوشييتد برس عن كينيث باندلر، المتحدث باسم اللجنة اليهودية الأميركية، قوله إن شعبان هو "راعٍ للكراهية".


في النهاية، فإن كل من عرف شعبان عبد الرحيم، عن قرب، يعلم أنه كان شخصاً طيباً محباً لمن حوله، وأنه رغم جهله بالقراءة والكتابة وانعدام ثقافته وطيبته الشديدة إلا أنه كان يتمتع بذكاء فطري نادر يعتمد عليه في اختيار مواقفه السياسية، فكان يشعر بفطرته باتجاهات الرياح السياسية وعلى أساس ذلك يختار ما يغنيه.
دلالات
المساهمون