منذ مطالع الألفية الجديدة، بدأت معالم التبسيط والتسطيح تكتسح الثقافة والتلفزيون المغربي. فمفهوم "الترفيه والاستهلاك" الذي نظّر له المفكر الألماني، تيودور أدورنو، أحد رواد "مدرسة فرانكفورت" لا يزال يحتفظ ببريقه الفكري داخل الإنتاج التلفزيوني الذي وجد فيه بعض المغاربة ملاذاً آمناً لهم، بسبب جحيم الواقع وفراغه، حيث التباين الطبقي والعطب التنموي والمسخ الفني.
موت النقد
سابقًا، كان صوت المثقف سلطة معرفية وضميراً للمجتمع، لا يتوانى في المساومة عن توجيه النقد اللاذع إلى المؤسسات الثقافية والإعلامية، أمَّا الآن فأضحى مجرد لسان حالها، يبرر لها زلاتها، ويصنع لها خطاباتها الواهية، ما أسفر عن موت قيم المثقف العضوي الذي نظّر له أنطونيو غرامشي، في مقابل تنامي الابتذال البصري، وتضخم التفاهة والترفيه داخل التلفزيون المغربي، وذلك لاستدراج جحافل المشاهدين لمتابعة السهرات الأسبوعية المصطنعة، والمسلسلات الدرامية الهجينة والمسابقات الفكاهية الساذجة.
سخافة لا كوميديا هادفة
ويجد بعض الشباب المغربي الباحث عن نجومية مصطنعة وهجينة، في هذه البرامج، مرتعاً لأحلامه، بغية تفجير مكبوته اليوميّ. فيتم خداعه أنه فنان كوميدي، سيكون له شأنٌ عظيمٌ مستقبلاً، إثر تقييمات لجان متواضعة، إذْ تكون آراء هذه اللجان عبارة عن إعجاب أو امتعاض أو ملاحظات أو انطباعات شخصية حول الممثل الذي يؤدي الدور الهزلي.
لكنَّ السخافة التي نعانيها، كل ليلة سبت، عبر القناة المغربية الأولى التابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، ببرنامج اكتشاف المواهب الكوميدية "ستاند آب" هو مُجرَّد تهريج مضاعف، وكلام سخيف باسم الكوميديا، ينم عن تواضع معرفي وارتجال فني.
ويكشف هذا البرنامج مدى الابتذال الذي وصل إليه التلفزيون المغربي، خصوصاً أن الأمر يتعلق هنا بالمال العام الذي يتم تبذيره بسخاء في إنتاج مثل هذه البرامج "المضحكة"، ما جعل الآلاف من المغاربة ينتفضون على صفحاتهم بالتواصل الاجتماعي حول مصير الفن المغربي داخل هذه القنوات المغربية، وعن المدبر الحقيقي لهذه الصفقات التلفزيونية.
اقــرأ أيضاً
آن للمثقف الحقيقي أن يتدخل ويكتسح التلفزيون المغربي بآرائه النقدية وبتصوُّراته التنموية وبمشروعهِ الفكري، ليقوم بدوره النقدي ضد اليقينيات السطحية المميتة، والتي تتكدس في عقول المؤسسات الفنية وفي اللوبي الإعلامي، الذي حول تاريخ الفن المغربي إلى نكت سخيفة، أدَّت إلى طمس أسماء مغربية وازنة، صنعت مجد التلفزيون المغربي منذ سبعينيات القرن الماضي إلى حدود التسعينيات.
في العالم العربي
عموماً، إلى جانب المغرب، يمكننا القول إنّ العالم العربي بالمجمل، لم يشهد تجارب "ستاند آب كوميدي" ناضجة وحقيقية. لم يتجاوز الأمر بعض المنصّات، هنا وهناك، على مواقع التواصل الاجتماعي. من أبرز هذه المنصّات "خرابيش" الأردنية، التي نالت انتشاراً واسعاً عندها ظهورها. استمرّ ذلك لفترة، ثمّ انتهى. اعتمدت تلك "الكوميديا" على السُّخرية المباشرة من المظاهر الاجتماعية، كما يفعل اللبناني عادل كرم أيضاً، لكن من دون أي عُمق نقدي يُذكر.
موت النقد
سابقًا، كان صوت المثقف سلطة معرفية وضميراً للمجتمع، لا يتوانى في المساومة عن توجيه النقد اللاذع إلى المؤسسات الثقافية والإعلامية، أمَّا الآن فأضحى مجرد لسان حالها، يبرر لها زلاتها، ويصنع لها خطاباتها الواهية، ما أسفر عن موت قيم المثقف العضوي الذي نظّر له أنطونيو غرامشي، في مقابل تنامي الابتذال البصري، وتضخم التفاهة والترفيه داخل التلفزيون المغربي، وذلك لاستدراج جحافل المشاهدين لمتابعة السهرات الأسبوعية المصطنعة، والمسلسلات الدرامية الهجينة والمسابقات الفكاهية الساذجة.
سخافة لا كوميديا هادفة
ويجد بعض الشباب المغربي الباحث عن نجومية مصطنعة وهجينة، في هذه البرامج، مرتعاً لأحلامه، بغية تفجير مكبوته اليوميّ. فيتم خداعه أنه فنان كوميدي، سيكون له شأنٌ عظيمٌ مستقبلاً، إثر تقييمات لجان متواضعة، إذْ تكون آراء هذه اللجان عبارة عن إعجاب أو امتعاض أو ملاحظات أو انطباعات شخصية حول الممثل الذي يؤدي الدور الهزلي.
لكنَّ السخافة التي نعانيها، كل ليلة سبت، عبر القناة المغربية الأولى التابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، ببرنامج اكتشاف المواهب الكوميدية "ستاند آب" هو مُجرَّد تهريج مضاعف، وكلام سخيف باسم الكوميديا، ينم عن تواضع معرفي وارتجال فني.
ويكشف هذا البرنامج مدى الابتذال الذي وصل إليه التلفزيون المغربي، خصوصاً أن الأمر يتعلق هنا بالمال العام الذي يتم تبذيره بسخاء في إنتاج مثل هذه البرامج "المضحكة"، ما جعل الآلاف من المغاربة ينتفضون على صفحاتهم بالتواصل الاجتماعي حول مصير الفن المغربي داخل هذه القنوات المغربية، وعن المدبر الحقيقي لهذه الصفقات التلفزيونية.
إهمال التجارب الجديّة
وترى الدولة في هذه السياسات الإنتاجيَّة خدمة لمصالحها. ففي الوقت التي تدعم فيه بعض الجهات الحكومية الوصية هذه البرامج، تُهمل آلاف التجارب المسرحية الشابة، عن طريق عدم تقديم الدعم الكافي لها، وإجهاض مشاريعها الفنية الواعدة التي هي في أساسها ثورة على الواقع وعلى التفاهة المقننة التي يزخر بها برنامج مثل "ستاند آب". ولكنَّ الحزين في الأمر هو أنَّ الكثير من الشباب يقبلون بهذا الواقع المزري الذي ترسمه الدولة، ويشاركون، بحكم فرض الأمر الواقع، في هذا البرنامج من أجل الفوز باللقب. علمًا أنَّ مكافأة الفائز الماليَّة، لا تعادل تكلفة فاتورة فطور لأحد السياسيين. آن للمثقف الحقيقي أن يتدخل ويكتسح التلفزيون المغربي بآرائه النقدية وبتصوُّراته التنموية وبمشروعهِ الفكري، ليقوم بدوره النقدي ضد اليقينيات السطحية المميتة، والتي تتكدس في عقول المؤسسات الفنية وفي اللوبي الإعلامي، الذي حول تاريخ الفن المغربي إلى نكت سخيفة، أدَّت إلى طمس أسماء مغربية وازنة، صنعت مجد التلفزيون المغربي منذ سبعينيات القرن الماضي إلى حدود التسعينيات.
في العالم العربي
عموماً، إلى جانب المغرب، يمكننا القول إنّ العالم العربي بالمجمل، لم يشهد تجارب "ستاند آب كوميدي" ناضجة وحقيقية. لم يتجاوز الأمر بعض المنصّات، هنا وهناك، على مواقع التواصل الاجتماعي. من أبرز هذه المنصّات "خرابيش" الأردنية، التي نالت انتشاراً واسعاً عندها ظهورها. استمرّ ذلك لفترة، ثمّ انتهى. اعتمدت تلك "الكوميديا" على السُّخرية المباشرة من المظاهر الاجتماعية، كما يفعل اللبناني عادل كرم أيضاً، لكن من دون أي عُمق نقدي يُذكر.